أحدث الموضوعات
عبد المجيد ابو العلا يكتب: الإنذار المبكر: كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في مواجهة الزلازل؟
-
13 مارس 2023, 4:58:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة

مع تزايد معدلات واحتمالات الكوارث الطبيعية، وفي مقدمتها الزلازل، بات تساؤل الحد من الخسائر البشرية والأضرار المادية المرتبطة الزلازل من أهم التحديات بالنسبة إلى الدول. وقد ركز اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث لعام 2022، في 13 أكتوبر الماضي، على آليات الإنذار المبكر، وضرورة زيادة الوعي بأهميتها، في ظل الافتقار الحالي لها؛ حيث أشار مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، إلى أن أنظمة الإنذار المبكر حالياً بوجه عام، لا تغطي نصف بلدان العالم.
وبينما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى تسبُّب الزلازل في وفاة ما يقرب من 750 ألف شخص على مستوى العالم بين عامي 1998 و2017، بما يزيد على نصف جميع الوفيات المرتبطة بالكوارث الطبيعية، فإن ثمة تعويلاً دولياً على الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر للزلازل بالشكل الذي يساعد على إنقاذ الأرواح وتقليل الأضرار الناتجة عنها. وقد أعاد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، في فبراير الماضي، إلى الواجهة الحديث عن أهمية أنظمة الإنذار المبكر للزلازل في تقليل عدد الضحايا، خاصة أن الزلزال قد تسبب في وفاة ما يزيد على 52 ألف شخص.
صعوبة التنبؤ
رغم تحديد العلماء أنماطاً وسلوكياتٍ معينةً قد تشير إلى حدوث زلزال وشيك، فإنها أنماط وعوامل لا تؤكد وقوع الزلزال، ولا تدفع نحو تنبؤ واضح وموثوق؛ حيث يصف البعض الزلازل بأنها غالباً ما تكون فوضوية، وأنها لا يمكن التنبؤ بها؛ ما يجعل من الصعب تطوير نظام موثوق للإنذار المبكر بالزلازل. وفيما يتطلب التنبؤ بالزلازل تحديد موقع وموعد وحجم الزلزال، فإن علماء الجيولوجيا يدفعون بصعوبة التمكن من ذلك بشكل موثوق ويقيني. ورغم أن بعض العلماء يتوقعون حدوث زلازل في مناطق جغرافية معينة، فإنه من الصعب التنبؤ بموعد حدوث الزلزال، فضلاً عن أن النماذج التي طورها العلماء لفهم سلوك الزلازل محدودة بنوعية وكمية البيانات المتاحة، فضلاً عن تعقيد أنظمة الأرض.
ولذلك يلجأ الجيولوجيون إلى ما تُعرف بـ”خرائط مخاطر الزلازل”، بحساب احتمالية وقوع زلزال في منطقة معينة خلال إطار زمني يمتد لعدة سنوات؛ الأمر الذي يساعد في عمليات التخطيط وليس التنبؤ. كما تتسبب الضوضاء البشرية والميدانية في تشتيت الضوضاء الزلزالية والتشويش عليها؛ حيث قد تجعل حركة المرور البشرية وأعمال البناء وغيرهما من العوامل، من الصعب التقاط إشارات واضحة للحركات الأرضية وبدايات الزلازل. كما يشير كريس مارون أستاذ علوم الأرض في جامعة سابينزا بروما، إلى وجود فجوة بين القدرات المعملية والواقعية؛ إذ يمكن ملاحظة بعض التشققات والمؤشرات خلال عملية محاكاة الزلازل في المعامل، بينما قد لا يتم ملاحظة تلك المؤشرات في الواقع في غالب الأوقات.
وتؤكد هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) أن التنبؤات الدقيقة بالزلازل مستحيلة الآن وفي المستقبل المنظور، وأن أكثر ما يستطيع العلماء فعله هو توقع وقوع زلزال كبير يضرب منطقة خلال فترة معينة من السنوات، وهو ما يدفع نحو التركيز على تقليل أضرار الزلزال واكتشاف علاماته ومؤشراته الأولى؛ لتحقيق استجابات سريعة.
إمكانات الـ AI
توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي العديد من الإمكانات والمزايا الداعمة لأنظمة الإنذار المبكر للزلازل، التي قد تساعد على اكتشافها مبكراً، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1– منح المزيد من الوقت لتقليل خسائر الزلزال: يساعد توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة الإنذار المبكر للزلازل في الجهود السابقة والتالية للزلزال، ويمنح الناس والمجتمعات بعض الوقت للإخلاء والاستعداد، ويساعد على تقليل عدد الضحايا، كما قد يساعد على تقليل الأضرار التي تلحق بالممتلكات والبنية التحتية؛ إذ قد تساعد الفترة المقدرة بالثواني التي يمنحها الإنذار المبكر للسكان على خفض أعداد الضحايا بنسب تصل إلى 30%.
ونظراً إلى السرعة الكبيرة للذكاء الاصطناعي، فإنه يمكن أن يوفر مزيداً من الوقت قد يصل إلى دقيقة. وعلى سبيل المثال، تشير بعض التقديرات إلى أن بناء نظام للإنذار المبكر في الصين قبل زلزال ونتشوان، الذي ضرب مقاطعة سيتشوان الصينية عام 2008، كان من الممكن أن يمنح السكان 31 ثانية إضافية، تدفع نحو انخفاض إجمالي الوفيات بمقدار 20–30 ألف فرد، فيما تسبب الزلزال في مقتل 70 ألفاً وإصابة 370 ألفاً على الأقل. كما تشير بعض التقديرات إلى أنه في حالات المباني السيئة البناء وغير شاهقة الارتفاع، يمكن أن تنقذ الثواني القليلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للإنذار المبكر المزيد من الأرواح.
2– توفير قدرات أعلى لالتقاط الإشارات الدقيقة: في حين أنه من الصعب ميدانياً اكتشاف الهزات الأرضية ومؤشرات الزلازل والضوضاء الأرضية نتيجة عديد من العوامل، فإن قدرات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الاستشعار المتقدمة تساعد على اكتشاف الإشارات الدقيقة التي لا يلاحظها البشر؛ حيث تعتبر من مزايا الذكاء الاصطناعي القدرة على استخراج الإشارات التي تغرق في الضوضاء بسرعة.
وقد خلصت ورقة بحثية نشرتها مجلة “Science Advances” في فبراير 2018، إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الهزات الأرضية بشكل أفضل وتمييز الإشارات الزلزالية عن الضوضاء الجيولوجية العادية، بطريقة مشابهة لقدرة أنظمة المساعدة الشخصية الذكية على عزل الأصوات البشرية عن ضوضاء الخلفية في المنزل. وقد أوضح اختبار نظام الذكاء الاصطناعي وشبكة “ConvNetQuake” في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، قدرتها على اكتشاف الزلازل أفضل من الأساليب التقليدية بـ17 مرة. وفيما كان من الصعب اكتشاف الزلازل الصغيرة جداً بسبب الضوضاء الأرضية، فإن الشبكة الجديدة قادرة على التمييز بين الضوضاء والزلازل الحقيقية.
3– الاستفادة من التعلم الآلي لاكتشاف أنماط الزلازل: يمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحليل كميات هائلة من البيانات من الزلازل السابقة من أجل اكتشاف أنماط زلزالية ونماذج تساعد على التنبؤ بالهزات المستقبلية؛ وذلك بالاعتماد على البيانات التي تُجمَع من خلال أنظمة الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد، فضلاً عن الاستفادة من البيانات التاريخية للزلازل في المنطقة الجغرافية.
4– تقدير حجم الزلازل الكبيرة بالاعتماد على إشارات الجاذبية: تُظهِر دراسات جديدة إمكانية استغلال إشارات الجاذبية لتقدير حجم الزلازل الكبيرة فوراً، وهي إشارات ضعيفة للغاية، وتنتشر بسرعة الضوء؛ فهي إشارات ناتجة عن اضطراب مجال الجاذبية الناتج عن الزلزال، الذي يقل بمقدار 6 مرات تقريباً عن الموجات الزلزالية؛ ما يحد من اكتشافها باستخدام التقنيات القياسية.
ويمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتمييز موجات الجاذبية التي تنطلق من الصدع؛ ما يسهم في تسريع الإنذار، وتقدير حجم الزلازل الكبيرة بدقة بعد ثوانٍ من بدئها، وتتبعها؛ وذلك بدلاً من الاعتماد على الموجات الزلزالية. وتساعد تلك الآليات على تقدير مدى قوة الزلزال بشكل أكبر؛ ما يسهم في تقدير حجم الخسائر المتوقعة، وتحديد الاستجابات الملائمة. ولكن تستخدم تلك النمذجة بشكل محدد على زلازل تتولد من تصدعات محددة يُحتمَل أن تولِّد زلازل كبيرة، مع الإشارة إلى عدم قدرة إشارات الجاذبية، حسب التقنيات الحالية، على اكتشاف زلازل أقل من 8.3 درجة.
5– نقل ومعالجة بيانات الملاحة عبر الأقمار الصناعية: يعول البعض على الذكاء الاصطناعي في معالجة بيانات “GNSS” في الدول التي تحظر تصدير البيانات في الوقت الفعلي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في النقل الفوري لتلك البيانات والبيانات المشتقة منها حتى في الدول ذات البنية التحتية المحدودة للاتصالات؛ حيث يتم استخدام نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية في دراسة الزلازل ورصد الحركات الأرضية والاضطرابات في محتوى الإلكترون الكلي في الغلاف الأيوني (TEC) التي تتبع الهزات الزلزالية بشكل شائع، ودراسة التغيرات في طبقة الأيونوسفير للأرض.
6– حماية المنقذين والناجين من الهزات الارتدادية: يمكن أن تساعد تقنيات وخوارزميات التعلم الآلي في التنبؤ بشكل أفضل بالهزات الارتدادية التي تعقب الزلزال، ما يسهم في الحفاظ على سلامة عمال الإنقاذ والناجين. وقد عمل باحثون بجامعة هارفارد على الاستفادة من “التعلم العميق” لدراسة أنماط الهزات الارتدادية بهدف التنبؤ بها. الأمر الذي يساعد على التقليل من خسائر الهزات الارتدادية للزلازل الكبرى.
7– استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالتأثيرات: قد يساعد الذكاء الاصطناعي على تجاوز عملية التنبؤ والتنبيه بوقوع الزلزال بحد ذاته، إلى التنبؤ بتأثيرات الزلازل على البيئة المحيطة والناس وعواقبها المحتملة. وتحذير السلطات المعنية والناس من تلك العواقب، واتخاذ الإجراءات المناسبة، فضلاً عن تحديد حجم التداعيات بشكل مبكر، وبطبيعة الحال يساعد ذلك الحكومات في صياغة سياسات التعافي والاستعداد لمواجهة الكوارث المستقبلية.
تجارب دولية
ثمة عدد من التجارب الدولية، التي عملت على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الاكتشاف والإنذار المبكر للزلازل، وإرسال التنبيهات اللازمة، ومنها:
1– تطوير نظام صيني واسع النطاق للإنذار المبكر: ركزت الصين بعد زلزال ونتشوان الذي ضربها عام 2008 على تطوير تقنيات الإنذار المبكر، ويشير علماء صينيون إلى تطوير ما يصفونه بـ “أكبر وأسرع وأدق نظام للإنذار المبكر بالزلازل في العالم”. ويغطي هذا النظام 90% من السكان في المناطق المعرضة للزلازل. ويمكنه التقاط الإشارات الزلزالية في أسرع وقت ممكن وتقديم إنذارات مبكرة يتم إصدارها عبر الهواتف المحمولة والتلفزيون والراديو ووسائل الإعلام الجديدة. وتشير تقارير إلى أن وظيفة الإنذار المبكر من الزلزال تشمل ما مجموعه 800 مليون جهاز تلفزيون وهاتف محمول.
وفي سياق ذي صلة، أعلنت الصين عام 2020 عن تطوير نظام لرصد الزلازل بالاستفادة من الذكاء الصناعي، ودخوله مرحلة التشغيل التجريبي في مقاطعتي يونان وسيتشوان جنوبي غربي البلاد؛ إذ تعمل الخوارزميات الآلية على استخلاص مؤشرات الزلازل بما في ذلك مركز الزلزال وقوته ووقته وعمقه، وذلك بالاستفادة من إشارات الموجات الزلزالية في العديد من الدول. وفضلاً عن تمتعه بدقة مقاربة لطريقة الحساب اليدوي، فإنه يتمتع بالقدرة على الوقوف على مؤشرات مصدر الزلزال في غضون ثانية إلى ثانيتين، ومعالجة كميات هائلة من البيانات. وقد نجح النظام الصيني في تحديد بيانات الزلازل في عدة الدول بشكل ناجح. ما دفع بكين نحو الترويج لنظامها الحديد والعمل على استخدامه في دول أخرى.
وفيما يشير علماء صينيون إلى أهمية البحث عن اضطرابات إلكترونات الغلاف الجوي للكشف المبكر عن الزلازل، فإن الصين اتخذت بعض الخطوات في هذا الشأن. فبعدما أطلقت بكين القمر الصناعي الصيني Seismo–Electromagnetic (CSES) لرصد اضطرابات الغلاف الجوي المتأين للأرض، أشارت تقارير صينية، العام الماضي، إلى رصد مركز شبكات الزلازل الصيني انخفاضاً في كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير حتى 15 يوماً قبل الزلازل التي ضربت الصين في مايو 2021 ويناير 2022.
ورغم ذلك فإن قدرة ذلك النظام على التنبؤ بالزلازل الوشيكة لا تزال غير كبيرة، خاصة من زاوية عدم القدرة على تحديد الموقع الصحيح الذي سيحدث فيه الزلزال، بالنظر إلى أن الزلازل الكبيرة قادرة على إحداث تغييرات في طبقة الأيونوسفير بعيداً عن مركز الزلزال، مما يجعل تأكيد الموقع الدقيق أمراً صعباً.
2– مراقبة طوكيو حركة الأرض للتنبؤ بالزلازل: تستخدم اليابان نظاماً قائماً على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالزلازل باستخدام صور الأقمار الصناعية، وتستخدم تلك الأنظمة لاكتشاف العلامات أو الانهيارات الأرضية، ومراقبة البنية التحتية القديمة، والكشف عن نقاط الضعف وإصلاحها قبل وقوع الكوارث الطبيعية. وتعمل طوكيو على تطوير أنظمة للتعلم الآلي (ML) تراقب حركة الأرض للتنبؤ بالزلازل.
3– تطبيق نظام ”ShakeAlert“ في ولايات أمريكية: قدمت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) نظاماً للكشف المبكر عن الزلازل في كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن يُعرف باسم “ShakeAlert”. ويستخدم هذا النظام شبكة من أجهزة الاستشعار الزلزالية لاكتشاف وتقييم الموجات الأولية للزلزال، وتنقلها إلى مركز البيانات، بحيث تفترض خوارزميات النظام وقوع زلزال حقيقي –وليس حوادث عرضية لجهاز الاستشعار– إذا سجلت 4 أجهزة استشعار منفصلة حدوث اهتزازات أولية. ثم تقدر الخوارزميات نطاق وموقع وشدة الزلزال. والعمل عبر مجموعة من الشركاء على إرسال رسائل تحذيرية وإشعارات للسكان والجهات المعنية ومشغلي البنية التحتية الحيوية.
ويمكن دمج تلك الإشعارات مع أتمتة أو استجابات تلقائية للحفاظ على السلامة العامة. فعلى سبيل المثال يعمل نظام النقل في سان فرانسيسكو تلقائياً على إبطاء القطارات. كما يمكن للأنظمة الآلية إرسال مساعدات مالية إلى المناطق التي تحسب فيها الخوارزميات احتمالية عالية للخطر.
4– اختبار نظام ألماني لتحليل بيانات الزلازل: عمل فريق بحثي من مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض وجامعة هومبولت، على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحليل البيانات الزلزالية لتحقيق تنبؤ أسرع وأكثر دقة للاهتزاز المتوقع في المنطقة المجاورة للزلزال. وهو ما تم اختباره من خلال مجموعات البيانات من الدول المعرضة للزلازل ولديها شبكة من محطات الزلازل مثل إيطاليا واليابان، حيث جرى اختبار النظام على مجموعة من آلاف الزلازل المسجلة.
5– مشروع أوروبي للإنذار المبكر للزلازل عبر الـ AI: يولي الاتحاد الأوروبي أهمية لتعزيز نظم الإنذار المبكر للزلازل، وفي هذا الإطار سيستخدم مشروع “EARLI” الممول من الاتحاد الأوروبي الذكاء الاصطناعي لتحديد الإشارات الزلزالية الضعيفة والمبكرة لتسريع الإنذار المبكر واستكشاف إمكانية التنبؤ بالزلازل. وسيعتمد نظام الإنذار المبكر على الإشارات الناتجة عن اضطراب مجال الجاذبية الناتج عن الزلزال، وسيتم تكييف خوارزمية الذكاء الاصطناعي المُطوَّرة للبحث عن إشارات تسبق الزلازل الكبيرة.
6– تعاون “جوجل” و”هارفارد” لتوقع توابع الزلازل: عملت شركة ”Google” وجامعة ”Harvard” على تطوير نظام ذكاء اصطناعي يمكنه توقع توابع الزلازل؛ وذلك عبر دراسة أكثر من 131 ألف زلزال وتابع؛ لبناء نظام قادر على توقع التوابع المحتملة. وأشارت التقارير إلى اختبار هذا النظام على 30 ألف هزة زلزالية، ونجاح النظام في التنبؤ بمواقع التوابع الزلزالية بدقة أكبر من الطرق التقليدية.
7– توظيف الهواتف المحمولة في الكشف المبكر عن الزلازل: يمكن استخدام الهواتف المحمولة للكشف المبكر عن حدوث الكوارث الطبيعية. وقد برزت بعض الأنظمة التي تعمل على الكشف عن الزلازل بالاعتماد على بيانات على الهاتف المحمول، مثل “Zizmos” الذي أُطلِق في عام 2015، والذي تميز أيضاً بأنه أرخص نسبياً من أنظمة الكشف والإنذار التقليدية، ويمكنه العمل عبر شبكة أوسع من أجهزة الاستشعار، عبر إنشاء شبكة من ملايين أجهزة الاستشعار المنخفضة التكلفة؛ إذ ينزل المستخدم تطبيقاً يرصد عدداً من المؤشرات من خلال الهاتف، ويجمع البيانات عند حدوث الهزات، ويرسلها؛ بحيث يتمكَّن النظام من مراقبة حركة الزلازل وتنبيه المستخدمين. وقد برزت دعوات لتعظيم الاستفادة من تلك التطبيقات بدمجها في الهواتف عند تصنيعها بدلاً من الاعتماد على تثبيت المستخدمين لها.
8– تنبيه بعض شركات الهواتف المستخدمين برسائل عاجلة: عملت بعض الشركات على إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التحذير من الزلازل، مثل شركة ”Xiaomi” الصينية، التي يرسل نظام التشغيل الخاص بهواتفها تحذيرات إلى مستخدميها من الزلازل خلال ثوانٍ وقبل الشعور بالهزات الأولى لتنبيههم. وتعمل بعض الأنظمة التي تتعاون معها تلك الشركات على تحديد قوائم بالمعرَّضين لمخاطر الزلزال، الذين يحتاجون إلى ذلك التنبيه لإرسال الإشعارات والرسائل، باعتبار أن إرسال تلك التنبيهات يستخدم ثواني أكثر، ويتسبَّب في بطء عملية التنبيه.
تحديات البيانات
يرتبط جانب كبير من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الزلازل بالبيانات، ومنها ما يتعلق بجمع بيانات صحيحة وغير متحيزة وذات تمثيل كافٍ، باعتبار أن جمع بيانات خاطئة أو مَعِيبة يُنتِج معالجات غير دقيقة؛ الأمر الذي تزداد صعوبته عند الحاجة إلى جمع بيانات تمثيلية دقيقة لأحداث نادرة أو غير متكررة بكثرة كالزلازل، فيما تساعد شبكات الاستشعار بالفعل على جمع البيانات بدقة عالية وبسرعة، بل من مناطق صعبة أو معقدة على مستوى الطبوغرافيا والتضاريس، وهي المعلومات التي يصعب الحصول عليها بطرق تقليدية أخرى؛ لذلك من المهم زيادة الاستثمارات والتطوير لتقنيات الاستشعار، وزيادة محطات رصد الزلازل. وتعتبر البنية التحتية للاتصالات بوجه عام مهمة لجمع البيانات من جهة، ولإرسال التنبيهات والتحذيرات من جهة ثانية. وبالنظر إلى الحجم الكبير للبيانات التي تُجمَع، فإن ثمة تحديات مرتبطة بمعالجة البيانات الضخمة وحساب خوارزميات التعلم الآلي المعقدة.
وثمة تحدٍّ آخر يتمثل في أن الاستناد إلى بيانات السجلات السابقة للزلازل في الماضي، يفتقد إلى أن يُؤخَذ بعين الاعتبار احتمالات تغير اتجاهات الظاهرة نتيجة عوامل وتغيرات طبيعية. ومن جهة أخرى، فإنه في الوقت الذي تستغرق فيه دورة الزلزال كاملةً آلاف السنين، فإن البيانات التي تُجمَع تعود إلى فترات قريبة قد تصل إلى مئات السنين فقط؛ الأمر الذي يحد من كفاءة النموذج المُصمَّم، وبُعده التاريخي، ويجعل البعض يتهم تلك البيانات التي تُصَاغ نماذجُ التعلُّم الآلي من خلالها بالقصور أو القلة، كما تواجه بعض الأنظمة صعوبة في الاكتشاف المبكر للزلازل الكبيرة بالنظر إلى قلة تكرارها ونقص البيانات التاريخية الخاصة بها.
وتعتبر العديد من التقارير أن ضمان الوصول المفتوح إلى البيانات المهمة والتعاون الدولي في هذا الشأن أمراً بالغ الأهمية، وتدعو إلى بناء مجموعات بيانات موثوقة محلياً وإقليمياً ودولياً؛ فتطبيقات الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية والزلازل تتطلب مشاركة البيانات بين الدول، خاصةً أن الزلازل قد لا تضرب دولة واحدة فقط، وقد لا تكون المؤشرات التي تقدمها الأنظمة الذكية في كل دولة كافية لإطلاق إنذارات مبكرة في الوقت المناسب، وهو ما يتوافق مع الدعوات الأممية إلى نظام عالمي للإنذار المبكر.
وعلى الجانب الآخر، تثير مسألة جمع ومشاركة البيانات مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن، سواء على مستوى البيانات الشخصية أو البيانات الخاصة بالدول. بالإضافة إلى ذلك، فإن من المهم العمل على تسريع عمليات نقل البيانات والتحذيرات؛ حيث تحذر تقارير أن القريبين من مركز الزلزال بشدة قد يشعرون بالاهتزاز قبل تلقي تحذير؛ ما يدعو إلى تقليل الوقت اللازم لعمل أجهزة الاستشعار والتقاطها المؤشرات وتحليل البيانات عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وإرسال التنبيهات.
ختاماً، يرى البعض أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على التنافس مع البشر في حجم وسرعة العمليات، بينما ترتبط جودة التنبؤ بمحددات أخرى قد لا تجعله أمراً مؤكداً. وبينما تقف العديد من التحديات أمام تطوير نظام للتنبؤ بحدوث زلازل، وتكتنفه العديد من الصعوبات، فإن هناك اهتماماً دولياً راهناً بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي للاكتشاف المبكر للزلازل وتحديد موقعها ودرجة قوتها بشكل سريع، وإرسال التنبيهات اللازمة في الوقت المناسب وبشكل مبكر؛ للعمل على تخفيف الخسائر والآثار المحتملة للزلزال، خاصةً فيما يتعلق بالخسائر البشرية وأعداد الضحايا.
هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)
أخبار متعلقة
أحدث الموضوعات
الأكثر قراءة

طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين منذ 3 سنوات

كفى (بورنو) سياسي وإعلامي منذ 3 سنوات