الثورة الثالثة: الاتجاهات العشر لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب

profile
  • clock 2 فبراير 2023, 3:55:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

دفع تعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي، نحو صعود نهج جديد للحرب يُعرف باسم “الحرب الذكية” أو “الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي”، وهو النهج الذي يقوم على تفعيل الأخير بما يضمن هزيمة العدو دون شن حرب تقليدية أو حرب ساخنة. وقد شهدت الحروب، بالتوازي مع ذلك، تغيرات جذرية على صعيد مهام الاستطلاع، والمراقبة، والاستهداف، والاستخبارات، وتوثيق وقائع العمليات العسكرية، والدعم اللوجستي، لتدفع بعض التحليلات بتعدد المفاهيم العملياتية الجديدة التي تتواكب مع جيل جديد من الحروب بعد أن أضحى المجال المعرفي هو ميدان الحروب في المستقبل، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي المستمر.

اتجاهات التوظيف

تتعدد مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة؛ حيث يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جمع المعلومات الاستخبارية والعمليات المستقلة ودعم اتخاذ القرار، وربما يقلل التكلفة البشرية الناجمة عن انخراط الدول في صراعات مسلحة. وبوجه عام، يتجلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب العسكرية في جملة من النقاط التي يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:

1– زيادة استخدام الأسلحة الذاتية التشغيل: لقد شهدت بعض الحروب، في السنوات القليلة الماضية، تزايد استخدام أنظمة الأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل التي يمكنها اختيار أهدافها وقتلهم دون مراقبة بشرية، ومن ذلك – على سبيل المثال – الطائرات بدون طيار الذاتية القيادة، التي تختلف استخداماتها عسكرياً حسب ما تحمله من معدات تقنية (لأغراض استطلاعية كالرصد والتعقب والتجسس أو لأغراض عملياتية كالقصف وإطلاق الصواريخ وإلقاء المتفجرات). وعلى عكس أسلحة الدمار الشامل، لا توجد معاهدات أو أنظمة محددة تحظر هذه الأسلحة دولياً. ولذا عقدت لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح مؤخراً اجتماعاً لتقييد أو حظر استخدام الأسلحة المستقلة عن التحكم البشري، التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون أن تتمكن من اتخاذ أي قرارات مشتركة؛ ما يفتح الباب أمام استخدام تلك الأسلحة في الحروب العسكرية على نطاق واسع مستقبلاً.

2– توثيق جرائم الحروب العسكرية والصراعات المسلحة: أمكن توظيفتقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لتوثيق جرائم الحرب التي تُرتكَب في بعض الصراعات المسلحة والحروب العسكرية؛ فمن خلال صور الأقمار الاصطناعية وعدد من التقنيات، أمكن الكشف عن وجود مقابر جماعية في بعض المناطق في كل من أوكرانيا وسوريا على سبيل المثال.

وفي هذا الإطار، يبرز تطبيق eyeWitness to Atrocities الذي يسمح للمنظمات غير الحكومية بجمع الأدلة، كما تبرز جهود مؤسس الأرشيف السوري “هادي الخطيب” الذي يدرب فريقه على برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي للتعرف على مواد تضم قنابل عنقودية روسية على سبيل المثال؛ ما يمنح هذا النوع من التسجيلات الأولوية، بيد أن تلك الجهود لا تسير بوتيرة متسارعة، ولا يزال يتعيَّن على شخص ما التحقق من كل ملف.

3– توظيف الخداع (التزييف) العميق: إن تأثير التضليل البصري الذي يتجلى عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك من منصات إعلامية ورقمية، يتم تطويره عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ يُستخدم الأخير في عمليات التزييف العميق التي تعتمد بدورها على تعلم الآلة كوسيلة لفهم الأشياء والتمييز بين أنماط البيانات المختلفة كي تنتج مقاطع الفيديو والصور لتبدو حقيقيةً تماماً على نحو يصعب معه التمييز بين الواقع والخيال. وعلى سبيل المثال، خُدع رؤساء بلديات 3 عواصم أوروبية بإجراء مكالمات فيديو مع شخص ادعى أنه عمدة العاصمة الأوكرانية كييف “فيتالي كليتشكو” على خلفية الحرب الروسية–الأوكرانية، وهو ما يعني استخدام الإنترنت لتقويض الثقة بالوسائل الرقمية، وتشويه سمعة شركاء أوكرانيا وحلفائها.

4– تزايد إمكانية توظيف الروبوتات المقاتلة: من شأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب أن يقلل من عدد المقاتلين في المهام المختلفة؛ ما يقلل بالتبعية حجم الإصابات التي يتعرضون لها، وهو ما يتجلى بصورة خاصة في حالة الروبوتات المقاتلة التي تزايد معها الحديث عن قدرتها على تقليل عدد مصابي الحرب بين المدنيين، وإن تسببت في المقابل في اتساع ميادين المعارك على نحوٍ يُمكِّن من استهداف المناطق التي يتعذر الوصول إليها عادةً بسبب طابعها الوعر أو الجبلي.

كما تتلاءم الروبوتات المقاتلة مع بعض المهام “القذرة” (كالتي تُعرِّض البشر لمواد إشعاعية) أو الخطيرة (للتخلص من الذخائر المتفجرة)؛ حيث يتطلب الضغط البدني للمناورات العسكرية دقة ووعياً يصيب الجيوش المقاتلة بالإرهاق، وهي القيود الفسيولوجية التي لا تخضع لها تلك الروبوتات.

 5– تحسين مهام الاستطلاع الميداني: إذ يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات جمع المعلومات من خلال مراقبة اتصالات الخصم والاستماع إلى إرساله وتسجيل محتواه. وبعبارة ثانية، فإنه يمكن الاعتماد على الأتمتة (التشغيل الآلي) والذكاء الاصطناعي لتحسين الوصول إلى المعلومات، ومعالجة وتحليل صور الأقمار الصناعية، وتحويل بيانات الاستشعار التي تجمعها أجهزة الاستخبارات ومختلف الكيانات الحكومية والعسكرية إلى منتجات استخباراتية قابلة للاستخدام. ولا شك أن كمية البيانات التي يجمعها الذكاء الاصطناعي تتعذر على المحللين البشريين معالجتها بمفردهم؛ لذا تتزايد أهمية استخدام التعلم الآلي حتى يتمكن المحللون العسكريون من التركيز على التحديات الأكثر خطورةً.

6– دعم القوات البحرية باستخدام الخرائط الذكية: يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً فيدعم القوات البحرية وتعزيز الأمن البحري من خلال تعزيز الردع والوعي بالمجال البحري باستخدام الخرائط الذكية والأقمار الصناعية وشاشات المراقبة التفاعلية، وهو ما تلعب فيه المسيرات البحرية دوراً مهماً بجانب المركبات المسيرة الغائصة تحت سطح البحر والمركبات غير المأهولة بهدف تنفيذ عدد من دوريات الحراسة، وتعزيز قوة الردع، ورصد أي نشاط مزعزع لاستقرار الممرات المائية الحيوية؛ إذ يمكن لتلك المسيرات، إلى جانب الطائرات من دون طيار، أن تقدم رؤية أفضل للمياه لأغراض الاستطلاع في إطار شبكة دفاع إقليمية محتملة.

7– توظيف الطباعة الثلاثية الأبعاد في الصناعات العسكرية: بشكل مباشر، يمكن توظيف الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنتاج بزات وجلد اصطناعي لمعالجة جرحى الحروب، وهو الأمر الذي يفسر كثافة الاستثمارات الأمريكية في هذا المجال. وعلى صعيد متصل، اخترع باحثون في جامعة “ماساتشوستس إنستيتيوت أوف تكنولوجي” طباعة رباعية الأبعاد مع مواد تتحول عند الاحتكاك بعناصر أخرى؛ ما قد يفضي إلى تصنيع بزات متحولة يتغير لونها بحسب الأوضاع المحيطة. أما بشكل غير مباشر، فيمكن القول إن الطابعات الثلاثية الأبعاد تستخدم وبكثرة في مجال الصناعات العسكرية ذات الصلة المباشرة بالحروب؛ ومن ذلك على سبيل المثال شركة “بي إيه إي” البريطانية العملاقة التي أدخلت قطعة معدنية مطبوعة على طائرة مقاتلة من نوع “تورنادو”، وتخطط لتنويع استخداماتها في المستقبل.

8– القيام بمهام التجسس والمراقبة: يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في عميات التجسس على نطاق واسع؛ ذلك أن استخدام التكنولوجيات الرقمية الحديثة المتصلة بالشبكات حولتها إلى أدوات هائلة للمراقبة والسيطرة، وهو ما يتجلى – على سبيل المثال – في أدوات الاختراق الحاسوبي، كبرامج التجسس مثلاً، وهو الأمر الذي تتزايد أهميته في تتبع معلومات الخصم العسكرية والكشف عن خططه الميدانية.

9– توقع اندلاع الحروب المستقبلية: تتزايد الأبحاث العلمية الرامية إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالحروب المستقبلية، من خلال إنشاء قواعد بيانات ضخمة تضم بيانات تفصيلية عن الدول وتاريخها ودرجة تسليحها؛ وذلك من بين بيانات أخرى. وبعبارة ثانية، يتم استخدام الذكاء الصناعي حالياً في المجال العسكري لوضع سيناريوهات محددة في زمن محدد وجغرافيا محددة، وبناءً على توافر معطيات محددة يتم ضبط حدودها للخوارزمية للوقوف على نتيجة تثبت فرضية محددة أو تنفيها؛ ما يعني إمكانية التنبؤ بالحروب قبل وقوعها.

10– إدارة عمليات الهجرة واللجوء: تتزايد أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في توقع موجات الهجرة واللجوء ذات الصلة بتداعيات الحروب العسكرية؛ وذلك من خلال جمع البيانات وتحليلها بهدف توقُّع الدول المصدِّرة للمهاجرين، والطرق التي سيسلكونها، بجانب إدارة عمليات استقبال واندماج اللاجئين على نحو أفضل، وتخصيص الموارد على الحدود على نحو أفضل، والاستعانة بخبرات اللاجئين في الوظائف المتاحة على نحو أمثل.

الحروب الجديدة

ختاماً، شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تطوراً سريعاً في السنوات القليلة الماضية، حتى تعددت استخداماتها على المستوى العملي، حتى باتت أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة تُوصَف بالثورة الثالثة في الحرب بعد البارود والأسلحة النووية؛ لما لها من قدرة على تحديد وتدمير أهداف مستقلة دون التدخل البشري المباشر على نحو يؤكد أهميتها في مجال الحروب، لا سيما في ظل التغيرات المتوقعة في طبيعة المعارك المستقبلية، ومع تعدد التهديدات التي يجب مواجهتها من خلال دفاعات عالية التقنية، وأهمية استخدامها في عمليات الاستهداف التلقائي، والتحليل الآلي للبيانات الاستخباراتية، وتحسين اللوجستيات، وغير ذلك.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)