ألكسندر كلاركسون يكتب: شبكات القوة: هل يستمر نفوذ ولاية ساكسونيا في صنع السياسة الألمانية؟

profile
  • clock 2 فبراير 2023, 3:32:33 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

عرض: حنان نبيل

صعدت بعض الشخصيات الألمانية من الدور السياسي المحلي في ولاية ساكسونيا السفلى إلى قمة المناصب في الحكومة الألمانية، وهو تطور تبلور بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، وئما حدا بعض الاتجاهات إلى القول بأن هذه الولاية بات لها تأثير مركزي على صنع السياسات الألمانية. وفي ضوء هذا نشر موقع “فورين بوليسي” تقريراً بعنوان “نموذج “ساكسونيا السفلى”: مركز القوة الحقيقية في ألمانيا”، في 29 يناير 2023، ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

1– أهمية متصاعدة لولاية ساكسونيا السفلى في الداخل الألماني: تُعَد ولاية ساكسونيا السفلى من ولايات ألمانيا، وثاني الولايات من حيث المساحة، وعاصمتها ومقر حكومتها المحلية هانوفر، ويبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، وقد قامت هذه الولاية على مدار العقود الثلاثة الماضية، بتوليد شبكات قوة تلعب دوراً رئيسياً في السياسة الألمانية. وأصبحت هذه الشبكات واضحة اليوم من خلال صعود وزير الدفاع الألماني الجديد إلى السلطة، والرئيس المُشارِك للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم (SPD)، من بين كبار المسؤولين الآخرين. على ضوء ذلك، يتم النظر إلى ساكسونيا السفلى على أنها تُشكِّل النظرة الاجتماعية للنخب السياسية، قبل أن ينتقلوا إلى أدوار رئيسية في السياسة الوطنية. بعبارة أخرى، فإنه لفهم الحكومة الألمانية ونهجها المميز للسياسة، من المفيد أولاً فهم ساكسونيا السفلى.

2– تشابك كبير بين عالم الأعمال والسياسة في الولاية: بعيداً عن التقليد المتمثل في الوسطية البرجماتية، فإنه لطالما تشكَّلت سياسة ساكسونيا السفلى من خلال اقتصادها السياسي المحلي، وعلى وجه التحديد، تقاليدها في السياسة الصناعية. ومع امتلاك حكومة ساكسونيا السفلى حصة تبلغ 20% من شركة فولكس فاجن، منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الحدود بين الدولة والشركات الكبرى والنقابات العمالية، لم تكن واضحة منذ فترة طويلة. فلقد كانت التفاعلات غير الشفافة بين الحكومة والفاعلين الاقتصاديين البارزين، جزءاً روتينياً من السياسة الإقليمية، بهدف حماية الصناعات في المنطقة وموظفيها. وبذلك أصبح عالم الأعمال والسياسة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً، مع قيام سماسرة النفوذ الإقليميين بتعزيز العلاقات الوثيقة ومضاعفة نفوذهم، بما يتجاوز سلطاتهم الرسمية. كان هذا التقليد، سراً مكشوفاً في الولاية لدرجة أن مجموعة من السياسيين المتصلين بالشبكة، قد أطلق عليها اسم “مافيا Maschsee”؛ وذلك على اسم بحيرة في هانوفر.

3– احتواء “ساكسونيا السفلى” الاضطرابات الاجتماعية: أثار ذلك الخلط في السياسات، في نهاية المطاف، الاستياء العام. وبدعم من الاحتجاجات المستمرة ضد موقع النفايات النووية بالقرب من مدينة جورليبن، وكذلك ظهور ثقافات فرعية معادية لسلطة الشرطة، تمكن “الخضر” من تأسيس وجود قوي في الولاية، بحلول أوائل التسعينيات. في موازاة ذلك، أدت مطالب فولكس فاجن وغيرها من الشركات المصنعة للعمالة الرخيصة، إلى نمو مجتمعات المهاجرين التي غالباً ما أصيبت بالإحباط بسبب التمييز المؤسسي. وتحولت هذه التوترات إلى احتجاجات جماهيرية وحتى أعمال شغب، في أغسطس عام 1995.

ومع ذلك، وجدت النزعة النقابية في ساكسونيا السفلى أيضاً، طرقاً لدمج مثل هذه المصادر المحتملة للاضطراب؛ فلقد تم تسهيل مسار شرودر ليصبح مستشاراً لألمانيا في أواخر التسعينيات، من خلال السياسات الاجتماعية التي أشرف عليها في ساكسونيا السفلى، والتي قدَّت إعانات حكومية لمراكز الشباب المستقلة والمشاريع الثقافية المحلية. وهكذا وجهت الحكومة الإقليمية ثقافات الشباب المناهضة للاستبداد، نحو أطر تنظيمية مرتبطة بمؤسسات الدولة. في خضم تلك العملية، أصبح حزب الخضر الناشئ، متكيفاً مع هياكل سلطة الدولة، وأضحت نخب ساكسونيا السفلى على استعداد لتقاسم السلطة مع مجتمعات المهاجرين والثقافات الفرعية البديلة ما داموا يقبلون قواعد اللعبة؛ لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن تصبح هانوفر أول مدينة ألمانية كبيرة تنتخب عمدة ألمانياً تركياً “بيليت أوناي”، من الخضر، في عام 2019.

4– سيطرة شبكات الولاية على السياسة الألمانية: تعكس عدم رغبة شرودر في إعادة التفكير في جوانب من النموذج الاقتصادي الألماني، مدى تأثره ببيئة الشركات التي كان يُنظر فيها إلى مصالح الشركات الصناعية، على أنها جزء لا يتجزأ من مصالح الدولة، وحتى مع انتقاد شرودر بسبب رفضه التنصل من صلاته بنظام فلاديمير بوتين، فإن القبضة القوية على السياسة الألمانية لشبكات ساكسونيا السفلى التي ساعد في ترسيخها، ظلت باقية في الائتلاف الحالي بين الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة المستشار أولاف شولتز.

وكانت قوة هذه الشبكات السياسية واضحة في الطريقة التي استبدل شولتز من خلالها “بيستوريوس”، الذي كان وزيراً للداخلية في حكومة ساكسونيا السفلى بوزيرة الدفاع كريستين لامبرخت، في مواجهة أزمة الاستعداد العسكري الألماني. وقد يكون تعيين شخص له صلات واسعة بالأجهزة الأمنية والمصنعين والنقابات، أمراً ضرورياً للنجاح في وزارة الدفاع، التي تعتبر على نطاق واسع أصعب وظيفة في السياسة الألمانية، لكن من المشكوك فيه إذا ما كان بيستوريوس قادراً على بدء الإصلاحات الجذرية اللازمة لتغيير ثروات الجيش الألماني.

ويمكن أيضاً العثور على تأثير أسلوب الحكم الساكسوني السفلي بين الخضر؛ فعلى الرغم من أن الحياة المهنية لوزيرة الخارجية أنالينا بربوك اكتسبت زخماً بعد انتقالها إلى برلين، فإن روابطها القوية مع الخضر في ساكسونيا السفلى في شبابها، قد ساعدت على تعزيز مكانتها. ولعل الرمز الأكثر إثارةً لقوة هانوفر، هو مسيرة فون دير لاين الرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية، بعد تعيينها في مناصب وزارية رفيعة في ظل رئاسة المستشارة أنجيلا ميركل. وهكذا يوضح صعود فون دير لاين إلى القمة، كيف يمكن للمهارات السياسية المطورة في السياسة المحلية، أن توفر أساساً للنجاح على أعلى مستويات الحكومة.

5– مخاطر لليمين المتطرف على نفوذ الولاية: لن يستمر الدور المركزي الذي تلعبه شبكات ساكسونيا السفلى في السياسة الألمانية، بالضرورة، إلى الأبد؛ حيث تشير المكاسب الانتخابية لحزب البديل اليميني المتطرف من أجل ألمانيا، إلى أن جزءاً متطرفاً من الناخبين أصبح معادياً بشكل أساسي للانفتاح على مجموعات اجتماعية جديدة في قلب نموذج ساكسونيا السفلى. وبعد نتيجة الانتخابات في أكتوبر الماضي، أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المنطقة، في مركز ضعف.

وختاماً فإن تعيين بيستوريوس وزيراً للدفاع، وترشيح بربوك لمنصب المستشار، قد يُمثِّل أكثر من حل أخير لاستمرار نفوذ ساكسونيا السفلى. ومع ذلك، فإن قوة مثل هذه الشبكات الإقليمية، يجب أن توفر مادة للتفكير لمراقبي السياسة الأوروبية، الذين لا يزالون قلقين بشأن التطورات في عدد من العواصم الوطنية.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)