فرانك كوستيجليولا يكتب: قراءة المستقبل: ما هي نبوءات "جورج كينان" حول حرب أوكرانيا؟

profile
  • clock 2 فبراير 2023, 4:00:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

عرض: د. إيمان أحمد عبدالحليم

كان الدبلوماسي الأمريكي الراحل وخبير العلاقات الدولية البارز “جورج كينان” يمتلك بصيرة بشأن مستقبل أوكرانيا وعلاقتها بروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ويُلاحَظ أن “كينان” كان مُلماً إلماماً دقيقاً بالتشابك العرقي بين روسيا وأوكرانيا، ومُدركاً حُكمَ التشابك الاقتصادي بين الجانبين، بشكل دفعه إلى توقع أن مسألة استقلال أوكرانيا بشكل كامل عن روسيا واقترابها من المعسكر الغربي، أمر لن تقبله موسكو، وستعمل على تغييره بقوة السلاح. وفي هذا الإطار، نشر موقع “فورين أفيرز” تقريراً لـ”فرانك كوستيجليولا”، بعنوان “تحذير كينان بشأن أوكرانيا: الطموح وانعدام الأمن ومخاطر الاستقلال”، في 27 يناير 2023.

بصيرة فكرية

أكد التقرير أن أبرز نبوءات وتوصيات “جورج كينان” بشأن أوكرانيا وعلاقتها بروسيا تتمثل فيما يلي:

1– توقع حدوث صدام بين روسيا وأوكرانيا نتيجة توسع الناتو: أوضح التقرير أن الدبلوماسي الأمريكي وخبير العلاقات الدولية البارز “جورج كينان” يُشتهَر بتوقُّعه انهيار الاتحاد السوفييتي السابق؛ وذلك إلى جانب تحذيره الأقل شهرة في عام 1948 من أن أي حكومة روسية لن تقبل أبداً باستقلال أوكرانيا. ووفقاً للتقرير، توقَّع “كينان” حدوث صراع بين موسكو وكييف، وقدَّم اقتراحات مُفصَّلة في ذلك الوقت حول كيفية تعامل واشنطن مع صراع قد يضع أوكرانيا المستقلة في مواجهة روسيا، ليُطرَح هذا الموضوع مجدداً بعد نصف قرن إثر تفكُّك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي. ونوه التقرير أن “كينان” توقَّع أن يقضي توسع الناتو باتجاه الشرق على الديمقراطية في روسيا ويشعل حرباً باردة أخرى.

2– عدم تشجيع تدخل الولايات المتحدة لدعم استقلال كييف: بحسب التقرير، فإنه في ورقة سياسات بعنوان “الولايات المتحدة والأهداف المتعلقة بروسيا” كُتبت في أغسطس 1948، أدرك “كينان” أن “الأوكرانيين استاؤوا من الهيمنة الروسية”، ليكون من السهل القفز إلى استنتاج بأن أوكرانيا يجب أن تكون مستقلة، ومع ذلك شدد على أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها تشجيع هذا الفصل، على الأقل في البداية. وطبقاً للتقرير، أكد “كينان” أنه إذا نجحت أوكرانيا في فرض رغبتها بالاستقلال على الجانب الروسي، فقد يكون من الأفضل للولايات المتحدة حينها أن تضغط لأجل احتواء الخلافات، من خلال نموذج فيدرالي مقبول على سبيل المثال.

ولفت التقرير إلى أن هذه النصيحة قابلة للتطبيق حتى اليوم، بالرغم من التقلبات التي شهدتها الأعوام الـ75 الماضية. وأكد التقرير أنه يمكن لاتحاد فيدرالي يسمح بالحكم الذاتي الإقليمي في شرق أوكرانيا وربما حتى في شبه جزيرة القرم، أن يساعد كلا الجانبين على التعايش. وشدد التقرير على أنه على الرغم من أن العديد من المحللين يميلون إلى تصوير الصراع الحالي على أنه “حرب بوتين”، لكن “كينان” اعتقد أن أي زعيم روسي قوي تقريباً سوف يقاوم في النهاية الانفصال الأوكراني التام.

3– صعوبة استقلال أوكرانيا التام لترابطها العرقي بروسيا: أوضح التقرير أن “كينان” ركز في معارضته للدعم الأمريكي الصريح لاستقلال أوكرانيا على مشكلتين رئيسيتين أدركهما مبكراً قبل ثلاثة أرباع قرن، وتختمران حتى اليوم في أذهان القادة الروس؛ حيث شكك أولاً في إمكانية تمييز الروس والأوكرانيين بسهولة من الناحية العرقية، وركز ثانياً على تشابك الاقتصادَين الروسي والأوكراني، ليعتبر حينها أن إنشاء أوكرانيا المستقلة “سيكون مصطنعاً ومدمراً”.

4– عجز كييف عن تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن روسيا: وفقاً للتقرير، فإنه الأوكرانيين كافحوا بالفعل منذ عام 1991 في سبيل إقامة خط فاصل إقليمي وعرقي أثناء تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن العملاق الروسي؛ حيث عملت موسكو على تقويض هذه الجهود من خلال تشجيع الاستياء في المناطق الشرقية الناطقة بالروسية في أوكرانيا، وإثارة حركات الاستقلال، بل ضمت في الوقت الآني أربع مناطق منشقة على نحو رسمي. وبحسب التقرير، فإنه بعد سنوات من الضغط السياسي والاقتصادي، أعقبها الآن تدخل عسكري، تعمل روسيا على إحباط الاستقلال الاقتصادي لأوكرانيا من خلال تعطيل خطوط أنابيب الغاز وصادرات الحبوب والشحن.

5– مراعاة مشاعر الروس لتأثيرهم القوي بمحيطهم الإقليمي: طبقاً للتقرير، فإنه حتى في ذروة الحرب الباردة، أصر “كينان” على أنه “لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمشاعر الروس الكبار أنفسهم”، نظراً لأنهم سيظلون “العنصر الوطني الأقوى” في المنطقة، ومن ثم فإن أي “سياسة أمريكية طويلة الأمد قابلة للتطبيق، يجب أن تستند إلى قبولهم وتعاونهم”، مُشبِّهاً وجهة النظر الروسية عن أوكرانيا بالنظرة الأمريكية للغرب الأوسط. ورأى التقرير أنه في ضوء عدم إمكانية الحفاظ على أوكرانيا المستقلة إلا بالقوة، فإنه لا ينبغي للولايات المتحدة، وإن كانت الأقوى، أن تسعى إلى فرض استقلال أوكرانيا على روسيا بالقوة.

6– التحذير من تبعات التعاون العسكري بين الناتو وأوكرانيا: أكد التقرير أنه بحلول عام 1997، كان “كينان” أكثر انزعاجاً من قرار واشنطن السماح لحلف الناتو ليس فقط بقبول جمهورية التشيك والمجر وبولندا، بل أيضاً لبدء بالتعاون العسكري والبحري مع أوكرانيا؛ حيث كان الخط المعاد رسمه الفاصل بين الشرق والغرب يجبر أوكرانيا والدول الأخرى على اختيار جانب واحد.

ووفقاً للتقرير، اعتبر “كينان” أنه “لا مكان يبدو فيه هذا الاختيار أكثر خطورةً مع عواقب وخيمة كما في حالة أوكرانيا”، خصوصاً أن المناورات البحرية المشتركة بين الحلف وكييف استفزت النطاق الأمني التقليدي لروسيا التي رفضت بقوة مشاركة أوكرانيا في مثل هذه المناورات التي شهدت حضوراً للسفن الحربية الأجنبية في المياه الضيقة للبحر الأسود؛ الأمر الذي اعتبر “كينان” أنه يتعارض مع وجهود واشنطن “لإقناع روسيا بأن توسيع حدود الناتو باتجاه الحدود الروسية في أوروبا الشرقية ليس له دلالات عسكرية فورية”.

تحذيرات وجيهة

وختاماً، شدد التقرير على أن نبوءات “كينان” بشأن الصراع الروسي الأوكراني، تؤكد أن رؤى الدبلوماسي الأمريكي المرموق – الذي لا يزال يحظى بشهرة ملحوظة رغم وفاته قبل 18 عاماً – رغم أنها قلَّلت بشدة من قوة القومية الأوكرانية وتأثيرها، فإنها تبدو صحيحة اليوم بشأن العناد الروسي عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، مشيراً إلى وجاهة تحذيراته في التسعينيات من خطر عدم تدارك الحساسية الروسية في مقابل الطموح الأمريكي المتنامي. ورأى التقرير أن اقتراح “كينان” بشأن بعض الهياكل الفيدرالية والاستقلال الذاتي الإقليمي في المناطق المتنازع عليها لا يزال واعداً، حتى إن كان تنفيذ مثل هذه المخططات لا يزال يُواجِه كثيرًا من المصاعب.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)