الدكتور مصطفى محمود: الصلاة من كتاب : الإسلام ما هو ؟

profile
  • clock 6 أبريل 2022, 11:45:24 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

آخر صيحة فى امريكا الآن موضه جديده اسمها ( Transendental Meditation )

وترجمتها الحرفية هى الاستغراق التأملى المتجرد .. وهى موضه وافدة من الهند وبدعه من بدع اليوجا .. وقد لاقت نجاحا كسيحا فى المجتمع الامريكى شأنها شأن كل البدع الجديدة ووضعت فيها الكتب والمؤلفات وأقيمت المؤتمرات وأصبح لها اتباع بالملايين .. وأصبح لها رسل ودعاة ومبشرون ينطلقون إلى القارات الأربع ومنهم الكتب والنشرات للدعوه للمذهب ..

وقد التقيت بأحد هؤلاء المبشرين فى نادى الجزيرة يحاول أن يدعو لمذهبة والمذهب فى اختصار شديد يدعو كل منا إلى أن يخصص بضع دقائق من يومه يطرح فيها عن نفسه كل الشواغل ويلقى عن بإله كل الهموم ويستلقى فى استرخاء كامل على كرسى وقد أغمض عينيه وتجرد عن كل شئ حتى عن نفسه يلقيها هى الأخرى وراء ظهره ويخرج من جلده إلى حالة من الخلوص والمحو واللاشئ .. إلى راحة العدم .. ويختار المبشر لكل واحد من أتباعه تسبيحة يرددها ..

هى فى العادة كلمات سنسكرتيبة لا تعنى بالنسبة للمريد أى شئ .. وسوف تعاون هذه التسبيحه المريد فى أن يخرج من نفسه أكثر ويتجرد من عالمه ويخرج من حضرة الهم والغم والتوتر إلى حضرة أخرى مجردة تكون فيها راحته وخلاصته إنها دعوة الى نوع من السكته العقلية التى تأخذ فيها النفس راحه وإجازة من معاناتها ورأيت مع المبشر كتبا

ومنشورات وبحوثا علمية واحصائيات تؤكد شفاء الكثريين من ضغط الدم والذبحة او اضطربات الهرمونات والصداع المزمن بعد مباشرة هذه الجلسات لمدة شهور ..

أحد هذه البحوث كان الطبيب يتابع ضغط دم المريض أثناء جلسة الاسترخاء فتسجل الأجهزة انخفاض الضغط انخفاضا ملحوظا مع هبوط فى تسارع النبض مع تغير فى اخلاط الدم الكيمايئية فى اتجاه المريد من التوازن .. وفى جلسة طويلة مع المبشر قال لى انه القى عدة محاضرات فى النادى مع تمارين توضيحية تشرح مذهبه ..

ولكنه اشتكى من عدم التجارب بين المستمعين وانه لم يلاقى الصدى والنجاح الذى توقعه وقلت له أن هذا أمر طبيعى ومتوقع .. فما تقوله وما تبشر به ليس امرا جديدا على اسماعنا .. بل اننا نباشر هذه التمارين يوميا بالفعل كمسلمين خمس مرات فى اليوم ..

فى جزء من صلاتنا الاسلامية التى أمرنا بها نبينا عليه الصلاة والسلام .. فالصلاة عندنا تبدأ بهذا الشرط النفسى ..

أن يتجرد المصلى تماما عن شواغله وهمومه وأن يطرح وراءه كل شئ وان يخرج من نفسه وما فيها من أطماع وشهوات وخواطر وهواجس حياتنا .. الله اكبر أى أكبر من كل هذا ويضع قدمه على السجادة فى خشوع واستسلام كامل وكأنما يخرج من الدنيا بأسرها ..

ويمكن صلاتنا تمتاز على التمرين الذى نبشر به .. بأنها ليست خروجا من دنيا التوتر والقلق الى عالم المحو الكامل وراحة العدم .. بل هى خروج الى الحضرة الالهية .. إلى حضرة الغنى المطلق .. ونحن لا نستعين بتسابيح وطلاسم سنسكرتيه لا معنى لها وإنما نسبح بأسماء الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لنتمثل فى قولبنا تلك الحضرة الالهية الجمالية التى ليس كمثلها شئ ..

وقلت له أن صلاتنا تعطى المؤمن كل الراحة والاجازة التى تدعو اليها وزيادة .. فهى ليست مجرد سكته عقلية بل صحوة قلبيه وانفتاح وجدانى تتلقى فيه النفس شحنة جديدة من النور ونفحة من الرحمة ومدد من التأييد الالهى .. أنها لحظة خصبه شديدة الغنى تعيد صلة المؤمن بالنبع الخفى الذى يستمد منه وجوده .. إن الانفصال عن دنيا النقص والشر والتوتر يواكبه الاتصال بعالم الكمال ومن هنا كان اثر الصلاة على المصلى مضاعفا وصلاتنا إذا صلاها المسلم بحضور كامل واستغراق وفناء واندماج فانها تكون شفاء من كل الأمراض التى ذكرتها وأكثر .. وإذا اجريت البحوث والفحوص على ما يحدث اثناء الصلاة لضغط الدم والنبض وتسجيل المخ الكهربائى واخلاط الدم الكيميائية لكشفت عن نتائج اكثر ابهارا مما ذكرت فى تمارينك .. ولكن للأسف لا أحد فى امريكا أو أروروبا يرى اسلامنا على حقيقته ولا أحد يحاول ان يبحث فيه .. ولهذا سوف تظل صلاتنا اسلامية كنزا مخفيا لا يعلم ما فيه الا من باشره بحضور كامل .. يقول لنا الله «اقيموا الصلاة» ولا يقول صلوا ...

لأن الصلاة الحقيقية أقامه تشترك فيها جميع الاعضاء مع القلب والعقل والروح .. وخطأ الأوروبى أنه يظن ان الصلاة الاسلامية هى مجرد حركات وانها على الأكثر مجرد اغتسال ورياضة بدنية ولهذا يقف عند ظاهر الأمر لا يتخطاه .. وينسى ان الحركات فى الصلاة مجرد رمز فهى وقوف اكبار لله مع كلمة الله اكبر ثم ركوع ثم فناء بالسجدة وملامسة الأرض خشوعا وخضوعا وبذلك تتم حالة الخلع والتجرد والسكته الكاملة النفسية .. ولا يبقى إلا استشعار العظمة لله تسبيحا ..

سبحان ربى الاعلى وبحمده .. سبحان ربى الاعلى وبحمده «وسبحان» معناها ليس كمثلة شيئ وهو اعتراف بالعجز الكامل عن التصور .. ومعناها عجز اللغة وعجز اللسان وعجز العقل عن وصف المحبوب ..

وتلك ذروة نفسية فى النجوى ..

وتلك هى وقفه الأدب حينما بلغ جبريل سدرة المنتهى فلم يستطيع ان يتخطاها .. وقال لو تقدمت لاحترقت .. وليس بعد هذه الوقفه الا التجليات والتنزلات الكاملين الذين يؤهلهم التجرد الكامل لاستشراف الأنور .. فالصلاة هى المعراج الاصغر وهى نصيب المسلم من المعراج الاكبر الذى عرج فيه محمد عليه الصلاة والسلام الى ربه ..

وهى ليست مجرد حركات .. بل هى أسرار .. وأشرفها وارفعها صلاة الفجر التى تشهدها الملائكة وصلاة قيام الليل ... التى نال صاحبها بها المقام المحمود .. والصلاة هى الرصيد المتاح من الرحمة لكل مسلم فى البنك الالهى .. إن شاء أخذ منه وإن شاء ضل عنه وتكاسل فأضاع على نفسه كسبا لا يقدر بمال .. ومازالت الصلاة كنزا مخفيا لا نعلم عن أسرارها إلا أقل القليل ..

ولا ينتهى فى الصلاة كلام ..


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)