توفيق رباحي يكتب: جرائم إسرائيل في الضفة: هنيئا لبوتين!

profile
  • clock 7 مارس 2023, 3:13:54 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

ماذا يربط حرب روسيا في أوكرانيا بالضفة الغربية؟ نظريا لا شيء. لا شيء يجمع بين المكانين، ولا تشابه بين الصراعين. ظاهريا على الأقل.
لكن في الجوهر من الصعب، ومن الخطأ، محاولة الفصل بينهما. هناك علاقة وثيقة بين الاثنين، والخيط الواصل بينهما اسمه معركة القلوب.
إذا خسرت أمريكا ومن ورائها الغرب دعم جزء كبير من العالم، والعالم العربي كله، في صراعها مع روسيا في أوكرانيا، فأحد الأسباب موجود في الضفة الغربية وغزة وفي أيدي الجيش الإسرائيلي، حليفها الأول والأخير.
رغم الاختلاف في المظهر، ما يحدث هنا ينعكس بسرعة هناك والعكس صحيح.
العنوان الأكبر هو هذه الجرائم التي لا تتوقف إسرائيل عن ارتكابها، وهذا الجنوح الخطير فيها نحو اليمين المتطرف. وهذا الاستمرار المفضوح من الغرب في الصمت على كل شيء تكون إسرائيل وراءه أو سببا فيه، والكيل بمكيالين عندما يتطلب الأمر اتخاذ موقف. العنوان الكبير الآخر هو إصرار الغرب على الاستمرار في غبائه السياسي والاستراتيجي ورفضه التعلم من عشرات التجارب والمواقف على امتداد العقود الماضية.
لو تخلى هذا الغرب عن بعض من غبائه السياسي والاستراتيجي وامتلك جرأة إدانة إسرائيل وإنصاف الفلسطينيين، ما كان أحد في أوروبا أو الولايات المتحدة سيسأل اليوم «لماذا لا يدعموننا في حربنا على روسيا؟». من المؤسف أن أمريكا لم تتعلم من احتلال العراق ووقوف شعوب العالم العربي كله ضدها. ولم تتعلم شيئا من دروس الحرب على الإرهاب العالمي التي خاضتها بلا أيّ دعم شعبي في مسرح العمليات.
أستبعد أنهم لا يفهمون أو أنهم عاجزون عن إدراك الحقائق وأن العرب يكرهون السياسات الأمريكية والغربية في منطقتهم بسبب الموقف من القضية الفلسطينية. وأستبعد أن الموقف الأمريكي والغربي من القضية الفلسطينية نابع من قصر نظر أو حسابات خاطئة. القضية وما فيها أن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة يخشى إسرائيل، ويتجنب غضبها، وفي المقابل لا يكترث لمتطلبات الفلسطينيين ومعاناتهم اليومية. كل ما يهمه هو أن تكون إسرائيل آمنة مستقرة مزدهرة وراضية عنه.
بعد كل هذا الصمت المخزي المتكرر، الذي آخر فصوله جرائم المستوطنين والجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين هذه الأيام، ليس من حق إنسان عاقل أن يستغرب فشل الغرب بقيادة أمريكا في كسب قلوب الشعوب المستضعفة.
ما يحدث اليوم في كلٍّ من أوكرانيا والضفة الغربية يُعرّي الحكومات الغربية بقيادة الولايات المتحدة ويُفقدها مصداقيتها واحترامها ومكانتها الأخلاقية، ليس عند العرب فقط بل عبر العالم.
جميلة الهبَّة العالمية للتضامن مع أوكرانيا. لكنها تصبح صادمة عندما يقابلها التخاذل الكبير للعالم ذاته تجاه معاناة الفلسطينيين من إرهاب المستوطنين ودولة إسرائيل ككل.
رغم أن الغرب هو من يضع المفاهيم ويفرض شكل التعامل معها، قد يكون مفهوما إلى حد ما الاختفاء وراء أن حرب أوكرانيا تقع داخل الجغرافيا الأوروبية ويمارسها عدو عقائدي يشكل خطرا على العالم (من وجهة نظر الغرب).
أما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فسيقال إنها تخص دولة ديمقراطية يرفضها محيطها ويبحث الفلسطينيون عن طرق لإبادتها.

وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية بما فيها من عنصريين ومتطرفين قوميين ودينيين، منح العرب ورقة وسهَّل عليهم إبداء غضبهم وتمردهم. وصمت الولايات المتحدة وأوروبا عن هذه الحكومة منحهم ورقة أخرى

إذا صحَّ الاعتقاد بأن القراءة الأولى عن حرب أوكرانيا فيها شيء من الوجاهة، فالقراءة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإسرائيل عبارة عن تدليس ومغالطات. إذ لا إسرائيل دولة ديمقراطية ولا محيطها يكيد لها ولا الفلسطينيون يبحثون عن إبادتها. العكس هو الصحيح، إسرائيل هي التي تكيد لمحيطها وتعمل على إبادة الفلسطينيين وترفض التوقف عن جرائمها.
عندما يهاجم فلسطيني مستوطنا جاء ليخرّب حقوله أو يسرق سيارته، أو حاجزا عسكريا حوَّل حياته إلى جحيم، تقوم الدنيا ويتوالى التنديد والاحتجاجات ويُسمع العويل في كل أوروبا وأمريكا. لكن عندما يقتل الجيش الإسرائيلي عشرة فلسطينيين بينهم أطفال ونساء، أو تعلن الحكومة عن مشاريع استيطانية جديدة بآلاف الوحدات السكنية في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، أقصى ما يُسمع هو عبارات الأسف ودعوة «كل الأطراف» للهدوء وضبط النفس.
لقد خسرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الشعوب العربية إلى الأبد ربما. أكثر من ذلك أنها خسرت قسما من الحكومات العربية، أو على الأقل عجزت عن إقناعها بالانضمام إلى المعسكر المناهض لروسيا. وامتناع دول عربية في الأمم المتحدة عن إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، ووقوف أخرى على الحياد، رسالة وخير دليل.
القادة العرب اليوم منقسمون بين داعم صريح لروسيا أو متردد ومحايد. لا يوجد حاكم واحد يدعم المعسكر الغربي بصراحة وجرأة كما كان الحال في احتلال أفغانستان ثم العراق ولاحقا ما يُسمّى في الغرب الحرب على الإرهاب عبر العالم.
هناك أسباب عدّة لتفسير هذا «التمرد» العربي، منها النفط ودور الصين وبروز قوى بديلة تُمكّن من أخذ مسافة حيال الغرب التقليدي بقيادة الأمريكيين. لكن لا يمكن حذف القضية الفلسطينية من قائمة الأسباب، حتى لو لم يُقل ذلك علنا، ورغم جنوح العديد من القادة العرب نحو التطبيع مع إسرائيل التي لا تقرّ لهم بالجميل بل تحرجهم أمام العالم وأمام شعوبهم.
وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية بما فيها من عنصريين ومتطرفين قوميين ودينيين، منح العرب ورقة وسهَّل عليهم إبداء غضبهم وتمردهم. وصمت الولايات المتحدة وأوروبا عن هذه الحكومة منحهم ورقة أخرى. يدرك الغرب ذلك، ويدرك أنه ليس من السهل الدفاع عن هذه الحكومة، خصوصا بعد الجرائم الأخيرة التي ارتكبها المستوطنون في بلدات وقرى الضفة الغربية. لكنه لا يفعل شيئا لتصحيح المسار ولا يجرؤ على أكثر من عبارات الأسف ودعوة «كل الأطراف» لضبط النفس.
فاتورة الدعم الغربي الأعمى لإسرائيل والصمت عن جرائمها لا تتوقف في العالم العربي، بل امتدت إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وما مواقف الكثير من دول القارتين من الحرب في أوكرانيا إلا واحدا من مظاهر هذه الفاتورة.
إذا كان من لا بد من عبرة، فهي أن العالم ليس أحمق. الأحمق هو الذي يرفض أن يرى ويعجز عن التعلم.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)