ما الذي يكشفه عودة سباق التسلح النووي في العالم؟

profile
  • clock 15 يونيو 2022, 5:09:25 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام

نشر معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (SIPRI) كتاباً حمل عنوان “الكتاب السنوي لمعهد سيبري 2022: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي”، ونُشر ملخص له على موقعه بعنوان “من المتوقع أن تنمو الترسانات النووية العالمية مع استمرار الدول في التحديث”، في 13 يونيو الجاري. قيَّم الكتاب الوضع الحالي للتسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، وقدَّم لمحات عن عدد من القضايا الهامة، وعلى رأسها النزاعات المسلحة الإقليمية وكيفية إدارتها، فضلاً عن الإشارة إلى بعض البيانات المتعلقة بالإنفاق العسكري للدول، والتطرق إلى عمليات النقل الدولي للأسلحة وإنتاج الأسلحة.

وتطرَّق الكتاب كذلك إلى التطور الذي شهده مجال الحد من الأسلحة النووية، وقدَّم تغطية للجهود الدولية المبذولة لمواجهة التهديدات الأمنية المنبثقة عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والتهديدات الصحية. وركَّز الكتاب في الأساس على المؤشرات الدالة على اتجاه الترسانات النووية إلى النمو خلال العقد المقبل، وأكد أن العالم بات قريباً من تسجيل أول زيادة للرؤوس النووية منذ انتهاء الحرب الباردة.

واقع معبر

يمكن استعراض أبرز ما ورد في الجزء المعني بتحليل الحالة النووية في الكتاب على النحو الآتي:

1– تحذيرات من اقتراب نهاية عصر نزع الأسلحة النووية: أوضح الكتاب أن الدول النووية التسع – وهي (روسيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية) – تستمر في تحديث ترساناتها النووية؛ الأمر الذي يرجح ارتفاع عدد الرؤوس النووية في العقد المقبل، رغم ما تُشير إليه الإحصائيات من انخفاض العدد الإجمالي من الأسلحة النووية بدرجة هامشية في فترة ما بين يناير 2021 ويناير 2022.

وفي ضوء ذلك، حذر الكتاب من اقتراب نهاية عصر نزع الأسلحة النووية، مشيراً إلى أن خطر حدوث تصعيد نووي هو الآن في أعلى مستوياته في فترة ما بعد الحرب الباردة، في ظل ظهور جملة من المؤشرات الدالة على دفع الدول في اتجاه التصعيد النووي. واعتبر الكتاب أن الحرب الأوكرانية هي أحد عوامل التراجع عن الاتجاه الذي كان سائداً منذ الحرب الباردة، الذي تمثل في إحجام الدول عن استخدام الأسلحة النووية.

2– جاهزية معظم الترسانات النووية العالمية للاستخدام: استعرض الكتاب جملة من المؤشرات الدالة على وجود اتجاه نحو زيادة حجم الترسانات النووية خلال العقد المقبل، ويأتي على رأسها وجود 9440 رأساً حربياً نووياً يمكن استخدامها فوراً من إجمالي المخزون العالمي المقدر بـ12705 رؤوس حربية نووية في أوائل العام الجاري. وأوضح الكتاب أن من بين الرؤوس الحربية الموضوعة في حالة تأهب، وُضع ما يُقدَّر بـ3732 رأساً حربياً في صواريخ وطائرات، كان منها 2000 رأس نُسِبت تقريباً من الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث وُضعت في حالة مرتفعة من التأهب العملياتي.

وأشار الكتاب إلى أن روسيا تمتلك ما يُقدر بـ5977 رأساً نووياً؛ أي أكثر من واشنطن بمقدار 500 رأس نووي. يُضاف إلى ما سبق، بحسب الكتاب، أن معاهدة “ستارت الجديدة” لا تُقيِّد الحد الأقصى لمخزون الرؤوس الحربية النووية غير الاستراتيجية للدول الأعضاء. ولفت الكتاب إلى أن الانخفاض في العدد الإجمالي للأسلحة النووية خلال الفترة السابقة، يرجع إلى تفكيك الولايات المتحدة وروسيا الرؤوس الحربية التي خرجت عن الخدمة العسكرية.

ونقل الكتاب عن “ويلفريد وان” مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل التابع لمعهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” تصريحات قال خلالها إن “جميع الدول المسلحة نووياً تعمل على زيادة أو تطوير ترساناتها”، مضيفاً أن “معظمها يشحذ الخطاب النووي، والدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في استراتيجياتها العسكرية”، لافتاً إلى أن “هذا اتجاه مقلق للغاية”.

3– تراجع الشفافية بشأن العدد الفعلي للرؤوس النووية: لفت الكتاب إلى انخفاض مستوى الشفافية بشأن إعلان الدول عن العدد الفعلي الذي تمتلكه من الرؤوس النووية، منوهاً بأن روسيا ترفض الكشف عن استراتيجيتها في هذا الصدد، فيما تكتفي الصين بنشر معلومات قليلة بشأن عدد قواتها، في حين تعلن باكستان والهند عن بعض المعلومات المتعلقة باختبارات الصواريخ، لكنهما تحجمان عن الإدلاء بمعلومات عن حجم وحالة الترسانة النووية لكل منهما. كما تعترف كوريا الشمالية، طبقاً للكتاب، بأنها تُجري اختبارات نووية وصاروخية، لكنها تمتنع عن الكشف عن أي معلومات عن حجم ترسانتها، بينما تحافظ إسرائيل على سياستها المتبعة بالامتناع عن التعليق على ترسانتها النووية.

يُضاف إلى ذلك، بحسب الكتاب، إقدام بريطانيا على عكس سياسات نزع السلاح تدريجياً؛ حيث أعلنت في عام 2021 عن رفع إجمالي عدد الرؤوس الحربية، ورفضت الحكومة البريطانية الكشف عن عدد الرؤوس الحربية المتاحة عملياً أو الرؤوس الحربية والصواريخ المنشورة”؛ وذلك على الرغم من انتقادها كلاً من موسكو وبكين لعدم شفافيتهما بشأن إجمالي مخزون الرؤوس النووية.

4– توجه الدول النووية نحو تحديث ترساناتها سراً: وفقاً للكتاب، يُعتقد أن إسرائيل تعمل على تحديث ترسانتها النووية، رغم أنها لا تعترف علناً بامتلاكها أسلحة نووية، كما تتطلع كل من الهند وباكستان إلى تطوير ترساناتهما النووية، خاصةً مع إدخالهما أنواعاً جديدة من الأنظمة المنوط بها حمل الأسلحة النووية في عام 2021. يُضاف إلى ذلك، بحسب الكتاب، أن إطلاق فرنسا في أوائل العام الماضي برنامجاً بهدف تطوير غواصة صاروخية باليستية من الجيل الثالث تعمل بالطاقة النووية، جاء كمؤشر إضافي يدعم توقعات المعهد بنمو الترسانة النووية للدول خلال السنوات العشرة المقبلة.

وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، قدَّر معهد ستوكهولم، طبقاً للكتاب، أنها تمتلك الآن قرابة 20 رأساً حربياً، مشيراً إلى أنها باتت تمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصنع ما يُقدر من 45 إلى 55 رأساً حربياً. ولفت الكتاب إلى أن بيونج يانج تستمر في إعطاء أولوية لبرنامجها النووي باعتباره عنصراً مركزياً في استراتيجية أمنها القومي. وحذر الكتاب من أن “الصين في منتصف عملية توسع كبيرة لترسانتها من الأسلحة النووية؛ حيث تشير صور الأقمار الصناعية إلى أنها تبني أكثر من 300 صومعة صواريخ جديدة”. ولفت الكتاب إلى زيادة مخزون الهند من الأسلحة النووية من 156 في يناير 2021 إلى 160 في يناير 2022.

5– بعث الدبلوماسية النووية رسائل مختلطة في 2021: تطرق الكتاب إلى التطورات الهامة التي طرأت على الدبلوماسية النووية خلال عام 2021، ويأتي على رأسها تفاوض الولايات المتحدة مع إيران بشأن إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتمديد معاهدة ستارت الجديدة لمدة خمس سنوات، فضلاً عن دخول معاهدة حظر الأسلحة النووية حيز التنفيذ في يناير 2021. يُضاف إلى ذلك، بحسب الكتاب، إصدار الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في يناير 2022 بياناً لنبذ الحرب النووية.

وعلى الرغم مما حملته المساعي الدبلوماسية للدول للحد من الانتشار النووي في عام 2021 من آمال، فإنه على الصعيد الآخر عكفت الدول النووية – وفقاً للكتاب – على توسيع وتحديث ترسانتها النووية، واتجهت نحو إحداث تغييرات في استراتيجياتها العسكرية لصالح منح الأسلحة النووية دوراً متزايداً. وطبقاً للكتاب، أوقفت الحرب الأوكرانية المحادثات النووية بين روسيا والولايات المتحدة، ولم تتمكن إيران وواشنطن من إبرام اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني حتى الوقت الراهن، وباتت إيران أقرب إلى إنتاج القنبلة النووية أكثر من أي وقت مضى.

6– مفاقمة الحرب الأوكرانية من سباق التسلح النووي: أكد الكتاب أن تهديد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أكثر من مناسبة بإمكانية اللجوء إلى الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية، أدى إلى تزايد احتمالية استخدام الأسلحة النووية مقارنةً بالفترة التي تلت الحرب الباردة، مشيراً إلى أن الدول التي تراقب التصرفات الروسية النووية قد تلجأ إلى إعادة النظر في استراتيجياتها النووية. وشدد الكتاب على أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا مثَّل لحظة انعطاف بالنسبة إلى استخدام الأسلحة النووية؛ لما ترتب عليه من ازدياد الأهمية التي توليها الدول لهذا النوع من الأسلحة في الصراعات والحروب.

7– إهدار الدول الفرص التنموية بإنفاقها على التسليح: أشار الكتاب إلى أن إجمالي الإنفاق العسكري عالمياً بلغ أكثر من تريليوني دولار لأول مرة في عام 2021، لافتاً إلى أن هذا المبلغ يمثل فرصة ضائعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لجدول أعمال 2030 وأهداف باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ؛ حيث كان يمكن أن يساهم جزء صغير من هذا المبلغ في تحسين الأمن العالمي وزيادة الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية والأمن البشري.

وأوضح الكتاب أنه رغم الاتجاه العالمي نحو تخصيص المزيد من النفقات للجيش، فإن الميزانيات الحكومية الإجمالية نمت أسرع من الميزانيات العسكرية؛ حيث تراجع الإنفاق الحكومي للدول على جيوشها من متوسط 6.1% في 2020 إلى متوسط 6% في 2021، وهو ما يوضح اهتمام الدول بالإنفاق غير العسكري، بالتزامن مع اهتمامها بالاستثمار في الجيش. وتوقع الكتاب زيادة الطلب على الأسلحة الرئيسية خلال السنوات القادمة، نظراً إلى تزايد التوترات السياسية والنزاعات المسلحة عالمياً.

حتمية التعاون

وختاماً.. حذر الكتاب من مغبة عدم اتخاذ الدول المسلحة نووياً إجراءات فعلية لنزع السلاح، مشدداً على أن من المحتمل أن يشهد المخزون العالمي من الرؤوس النووية ارتفاعاً للمرة الأولى منذ فترة الحرب الباردة خلال العقد المقبل. وأكد الكتاب أن التحديات الكبرى والمشتركة التي تواجه النظام العالمي في الوقت الحالي، تتطلب تعاوناً بين الدول الكبرى التي تتسم العلاقات بينها بأنها متدهورة في الوقت الحالي، كما حذر المعهد من تنامي حدة الأزمات البيئية والأوضاع الأمنية المترتبة على الصراعات المسلحة داخل الدول وبينها وبين بعضها.

المصادر:

SIPRI Yearbook 2022: Armaments, Disarmament and International Security, Stockholm International Peace Research Institute, June 13, 2022.

Global nuclear arsenals are expected to grow as states continue to modernize, Stockholm International Peace Research Institute, June 13, 2022, Accessible at: https://sipri.org/media/press–release/2022/global–nuclear–arsenals–are–expected–grow–states–continue–modernize–new–sipri–yearbook–out–now

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)