يحيى الكبيسي يكتب: عن المحكمة الاتحادية العليا التي لا يعول عليها

profile
  • clock 9 سبتمبر 2022, 11:16:42 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

لم يزد قرار المحكمة الاتحادية الذي صدر يوم أمس، بعد تأخير غير مسوغ، سوى تكريس الدوران في الحلقة المفرغة التي يتواجد فيها الجميع بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات النيابية المبكرة والتي أعلنت في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أي قبل أكثر من تسعة أشهر!
لقد انتهت المحكمة إلى أن «مجلس النواب لم يقم بواجباته الدستورية بخصوص تشكيل السلطة التنفيذية بشقيها (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء) بسبب الخلافات السياسية… رغم مرور كافة المدد الدستورية واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف الأمور اليومية مما أثر بشكل كبير على مصالح الشعب وأدى الى حصول أزمات كبيرة، وحيث أن أعضاء مجلس النواب بعد انتخابهم أصبحوا لا يمثلون كتلهم السياسية فقط وانما يمثلون الشعب كان المقتضى والواجب عليهم العمل على تحقيق ما تم انتخابهم لأجله وهو مصلحة الشعب لا أن يكونوا سببا في تعطيل مصالح الشعب وتهديد سلامته وسلامة البلد بشكل كامل».
وأن من «الجزاءات» التي تفرض على عدم قيام مجلس النواب بواجبه الدستوري هو حل المجلس من جهة الاختصاص الدستوري في الحل وفقا لما جاء في المادة 64/ أولا من الدستور
ولكن المحكمة استدركت على ذلك النص، الذي بدا وكأنه قرار ملزم لمجلس النواب بحل نفسه، بالقول إنه «وحيث أن استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية الى ما لا نهاية له لان في ذلك مخالفة للدستور وهدما للعملية السياسية بالكامل وتهديدا لأمن البلد والمواطنين، ورغم أن الجزاء يفرض على مجلس النواب لعدم قيامه بواجباته الدستورية هو الحل عند وجود مبرراته»
وبعيدا عن التكرار واللغة العائمة، فإن المحكمة الاتحادية ترفض «الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية» وهو ما يمثل تغطية صريحة على الانتهاك الحاصل، وأنها لا تجد أن ذلك الانتهاك يستوجب جزاء، بل تشترط شرطا جزافيا هو «الحل عند وجود مبرراته»! وهو ما يعني أن مجرد تجاوز المدد الدستورية ليس كافيا للحل، وهي تؤسس بذلك مبدأ جديدا لا يتعلق بمجلس النواب وحده، وهو أن انتهاك الأحكام الدستورية لا يترتب عليه أي جزاء، لتنتهي لأنه ليس من اختصاصها حل مجلس النواب!

المحكمة الاتحادية العليا القائمة اليوم غير شرعية، وأنها تحتكم في قراراتها إلى علاقات القوة وعلاقاتها المباشرة بالفاعلين السياسيين أكثر من احتكامها إلى الدستور، وأنها لم تعد تصلح أن تكون حكما

وسبق للمحكمة الاتحادية نفسها أن أقرت هكذا مبدأ تحريفي في قرار سابق لها، وهو القرار رقم (5 وموحداتها 6/ اتحادية/ 2022) فقد تضمن هذا القرار الذي يتعلق بطلب حظر النائب محمد ريكان الحلبوسي من الترشح لرئاسة مجلس النواب لأنه حنث باليمين الدستورية وانتهك الدستور بامتناعه عن تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية الباتة والملزمة للسلطات كافة ومكَن نوابا محكوما بعدم صحة عضويتهم، من حضور جلسات مجلس النواب والتصويت على القوانين التي شرعها، ومنع في الوقت نفسه نوابا من ممارسة حقهم في عضوية مجلس النواب! ولكن المحكمة الاتحادية لم تلتفت إلى هذا الأمر مطلقا، وتعمدت التدليس بشأنه، وكل ما فعلته أنها كررت منطوق المادة 52 من الدستور المتعلقة بهذه المسألة؛ وهي أن «يقدم هذا الاعتراض على صحة العضوية إلى مجلس النواب ويبت المجلس في ذلك خلال ثلاثين يوما… ويجوز الطعن في قرار المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا»! مع أن الأمر يتعلق بعدم التزام رئيس مجلس النواب بقرار المحكمة الاتحادية العليا نفسها، لتقرر بعدها أن الاعتراض على ترشيح أحد النواب نفسه لرئاسة المجلس لا سند له من الدستور والقانون
ولكن المحكمة لم تقف عند حدود اختصاصاتها عمليا! بل تحولت الى معلق سياسي، فتحدثت عن «أن الوضع العام في البلد يتراجع بشكل كبير سواء أكان ذلك على الصعيد الخدمي أم على صعيد انتشار الفساد المالي والإداري مما أثر وبشكل كبير على ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة كما أثر بشكل كبير على المستوى المعاشي للطبقات الوسطى في المجتمع»! ثم الى منظر سياسي حين دعت إلى «ضرورة بناء الدولة والقوات المسلحة وأجهزة الدولة الأمنية على الأسس الوطنية والمهنية وإبعادها عن كل أشكال العمل السياسي، ووجوب تقديم خطة إصلاح متكاملة للبلد ويجب التصدي لكل أسباب انتشار الفساد سواء أكانت طائفية أم محاصصة حزبية أو عدم امتلاك المؤهلات الوطنية في المناصب الادارية، اذ أن النظام الإداري في العراق يعاني من خلل كبير للأسباب المذكورة آنفا إذ أن ارتفاع مستوى الفساد في أي مجتمع هو انعكاس لغياب الحكم الرشيد فيه وتتزايد احتمالات انتشار الفساد السياسي في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والتغيير المتعاقب لأنظمة الحكم لا سيما التغيرات العسكرية التي تحدث نتيجة لاستخدام العنف فتنعدم المساءلة والمحاسبة والمراقبة على المال العام لعدم رسوخ مؤسسات الدولة وانعدام الشفافية في العمليات الحكومية.
لقد تعمدت نقل هذا الإنشاء السياسي الضعيف والمفكك، لأنه لم يكن مجرد لغو لا يحيل إلى أي معنى فقط، بل كان ضروريا وملحا للتغطية على الفقرة الأهم التي وردت بين ثناياه، والتي حولت المحكمة الاتحادية الى طرف سياسي عند تبنيها صراحة موقف أحد الطرفين المتصارعين من خلال التأكيد على: «أن الاختلافات بين مؤسسات الدولة أو بين الكتل النيابية لا تحسم بفرض الرأي الآخر، بل عبر المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية»! فهذه هي حجة الإطار التنسيقي الجوهرية اليوم والتي تتيح له احتكار القرار السياسي في العراق عبر انتخاب رئيس جمهورية محسوب عليه (مرشح حليفهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وعبر تشكيل حكومة إطارية، من خلال مجلس نواب يهيمنون عليه بعد الاستقالة الجماعية للتيار الصدري!
قلنا مرارا إن المحكمة الاتحادية العليا القائمة اليوم غير شرعية، وأنها تحتكم في قراراتها إلى علاقات القوة وعلاقاتها المباشرة بالفاعلين السياسيين أكثر من احتكامها إلى الدستور، وأنها لم تعد تصلح أن تكون حكما، وأن الخطوة الرئيسية التي يجب اعتمادها في أي خارطة طريق للخروج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها الجميع، تتطلب تعطيل عمل هذه المحكمة بعد أن تحولت إلى طرف سياسي صريح!

كاتب عراقي


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)