لماذا تتصاعد حملات الهجوم على شركات الاستشارات الغربية؟

profile
  • clock 23 فبراير 2023, 6:51:13 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

من المنتظر صدور كتاب “الخداع الكبير.. كيف تُضعف صناعة الاستشارات أعمالنا، وتقزم حكوماتنا وتشوه اقتصاداتنا؟”، في 7 مارس 2023، لكل من “ماريانا مازوكاتو” الأكاديمية البريطانية البارزة، و”روزي كولينجتون” الزميلة في كلية لندن الجامعية، عن دار بنجوين للنشر. ويتطرق الكتاب إلى دور شركات الاستشارات الخاصة الغربية، ومشكلات هذا الدور وكيفية التغلب على هذه المشكلات. وقد أجرت كتابات عديدة مراجعات للكتاب، منها ما صدر عن وكالة “بلومبرج” للكاتب “أدريان وولدريدج”، بعنوان “أخطاء McKinsey تشير إلى فوضى على مستوى الصناعة”، في 24 يناير 2023، وكذلك التقرير المنشور من جانب موقع “فايننشال تايمز” للكاتب “ديان كويل”، بعنوان “الخداع الكبير.. الوضع ضد شركات الاستشارات”، في 15 فبراير 2023، والتقرير المنشور من جانب موقع “ذا تايمز” للكاتب “جون أرليدج”، بعنوان “مراجعة الخداع الكبير – حان وقت الاستغناء عن الاستشاريين”، في 19 فبراير 2023.

توسع ملحوظ

أوضح الكتاب أن دور شركات الاستشارات الخاصة الغربية توسع على نحوٍ ملحوظ خلال العقود الأربعة الأخيرة، خاصةً مع تنامي قدرتها على جذب العملاء، وتحولها إلى واحدة من أنجح الصناعات في العالم، مشيراً إلى أن أبرز أسباب هذا التوسع ما يلي:

1- وجود توجهات حكومية داعمة لدور شركات الاستشارات: برز دور شركات الاستشارات منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولا سيما في بريطانيا؛ حيث بدأ إسناد الكثير من الأنشطة الحكومية إلى القطاع الخاص في ظل حكومة “مارجريت تاتشر” المحافظة (1979-1990)، بجانب خصخصة الشركات العامة.

وقد استمر هذا الاتجاه حتى في ظل حكومة “حزب العمال” برئاسة “توني بلير” ووسطية الطريق الثالث في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين؛ حيث استفادت شركات الاستشارات من الإصلاحات التي قام بها كل من اليمين الليبرالي الجديد وأنصار الطريق الثالث، وساعدها في الازدهار مشكلات الرأسمالية الحديثة، وعلى رأسها التمويل والخصخصة حتى أزمات المناخ.

2- تمتع شركات الاستشارات بقدرة فريدة على جذب العملاء: من العوامل الأخرى التي ساعدت على بروز وتوسع مثل هذه الشركات الكبرى، قدرة الجذب الفريدة التي تمتعت بها، من خلال عقودها المميزة وشبكات علاقاتها الواسعة النطاق – باعتبارها مستشارين ومشرعين ومتعاقدين خارجيين – فضلاً عن قدرتها على الإقناع بأنها مصدر موضوعي للخبرة في ظل ما تملكه من معرفة وإمكانات، واختيارها خريجي أفضل الجامعات في العالم للعمل بين صفوفها، حتى أضحت شركات مثل McKinsey & Company وBoston Consulting Group تدرج العديد من الحكومات ومعظم الشركات الرائدة في العالم من بين عملائها.

3- تحول الاستشارات إلى واحدة من أنجح الصناعات في العالم: مع توسع دور شركات الاستشارات على نحو ملحوظ، أضحت الاستشارات الإدارية واحدة من أنجح الصناعات في العالم، وقد تراوحت تقديرات حجم السوق العالمية لها في عام 2021 بين 700 مليار دولار (425 مليار جنيه إسترليني) وأكثر من 900 مليار دولار (674 مليار جنيه إسترليني). ويمكن الإشارة هنا إلى أن إحدى شركات الاستشارات الخاصة بخدمات تكنولوجيا المعلومات، مثل Accenture، هي الشركة رقم 57 من حيث القيمة السوقية، متجاوزةً الشركات العملاقة المألوفة مثل Comcast وWells Fargo وVerizon وUnited Parcel Service.

تبعية مهنية 

رغم توسع دور شركات الاستشارات الخاصة الغربية وتنامي أسهمها السوقية، وفي ظل تنامي علاقاتها التعاونية مع العديد من الأنظمة والحكومات، فإن مؤلفَي الكتاب قد دحضا الأسطورة القائلة بأن الاستشارات تضيف دوماً قيمة إلى الاقتصاد، في ظل عدد من المشكلات التي ارتبطت بها، وأبرزها ما يلي:

1- عرقلة المساءلة السياسية نتيجة تنازع المسؤولية: اعتبر الكتاب أن اعتماد الاقتصادات على شركات مثل McKinsey وBoston Consulting Group وBain & Company وPwC وDeloitte وKPMG وEY، يعيق الابتكار ويشتت المسؤولية عن القرارات المتخذة؛ ما يعرقل المساءلة السياسية؛ حيث إن الاعتماد المفرط على مثل هذه الشركات يتسبب في تنازع المسؤولية بشأن القرارات، ومن ثم تحديد الجهة المساءلة، سواء من قدم الاستشارة الفنية، أو من قام بالتنفيذ. ووفقاً لما ورد في الكتاب، وبجانب ذلك، وبعد أن كانت الاستشارات الإدارية تمثل شراكات تفرض التزامات ذاتية على أي خسائر يتكبدها الشركاء، شهدت الأعوام الأخيرة شراكات تقدم أشكالاً من المسؤولية المحدودة للشركات الاستشارية.

2- استغلال الشركاء من خلال تقديم استشارات مكلفة: يتحدث الكتاب عن خدعة الثقة التي تمارسها صناعة الاستشارات من خلال تعاقداتها مع الحكومات التي تتجنب تحمل المسؤولية عن قراراتها، لتتساهل في الاعتماد على شركات الاستشارات التي تزيد قيمة أسهمها السوقية على حساب الحكومات الرشيدة، مستغلةً في ذلك أوهام الشريك ومخاوفه المرتبطة بعملية اتخاذ القرار، من خلال التظاهر بإمكانياتها الخاصة بتمكين العميل ومساعدته لتحقيق المزيد بموارد أقل. ووفقاً لما ورد في الكتاب، تقدم الشركات الاستشارية الغربية في البداية، وعلى نحوٍ روتيني، صفقات مغرية وغير مكلفة، لتعمل بعد ذلك على استغلال الشركاء من خلال تقديم استشارات مكلفة؛ ما يوقعهم أحياناً في دائرة الاحتيال.

3- تنامي ظاهرة تبعية العملاء إلى شركات الاستشارات: بحسب الكتاب، فإن المشاركة الاستشارية المثالية من وجهة نظر الاستشاريين، هي التي تترك العميل معتمداً بشكل دائم على الاستشاري؛ ما يحجم قدرات العميل الذاتية، ويترك موظفي الخدمة المدنية كـ”أطفال” غير مسؤولين؛ حيث يستمرون في توظيف المساعدة الخارجية، من خلال شركات الاستشارات التي تستمر في البحث عن المزيد من الأفكار والنصائح وتستدعي المزيد من الاستشاريين لحل المشكلات التي ربما أوجدتها من قبل؛ وذلك بدلاً من العمل على نقل المعرفة للعميل.

4- افتقار المؤسسات العامة إلى الكوادر البشرية المؤهلة: طبقاً للكتاب، ومن جهة أخرى، ومع قدرة مثل هذه الشركات على جذب العناصر المميزة على النحو السابقة الإشارة إليه، فإن ذلك يدفع بتوجيه أفضل الخريجين بعيداً عن الخدمات الحكومية العامة إلى العمل في مجال الاستشارات؛ الأمر الذي يؤثر أيضاً بالسلب على الأنشطة الإدارية العامة.

5- وجود تناقضات قيمية في عمل شركات الاستشارات: يشير الكتاب أيضاً إلى ما يشهده نشاط شركات الاستشارات الغربية من مستوى بارز من التنافر المعرفي؛ فقد تبنت هذه الشركات شعارات من قبل DEI (التنوع والمساواة والشمول) وESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة)، في الوقت الذي تعمل فيه مع بعض أكبر شركات التعدين والوقود الأحفوري في العالم وبعض الحكومات الأكثر فساداً.

6- بروز فضائح أخلاقية ومهنية للشركات الاستشارية: أكد الكتاب كذلك أن تلك الشركات ابتُليت بالعديد من الفضائح في الأعوام الأخيرة على الصعيدين الأخلاقي والمهني. وكمثال على ذلك، حولت شركة McKinsey الاستشارية شركة Enron Corp (وهي شركة مغمورة في مجال النفط والغاز في هيوستن) إلى مختبر لأفكارها قبل أن تنهار الشركة في حالة إفلاس، كما قدمت المشورة لكل من Johnson & Johnson وPurdue Pharma حول كيفية زيادة المبيعات لمنتجاتهما الجديدة من المواد الأفيونية.

نقل المعرفة

أكد الكتاب أنه في ظل المشكلات المتعددة المرتبطة بأنشطة شركات الاستشارات الغربية، فإن من الضروري تعزيز الخدمة المدنية، وإعادة بناء القدرات الحكومية الداخلية، بالتوازي مع تحسين عملية التعاقد مع الشركات الاستشارية، وتقييم نتائج الاستعانة بمصادر خارجية، على أن يتم ذلك عبر ما يلي:

1- عدم إغفال قيمة وأهمية دور الخدمة العامة: شدد الكتاب على ضرورة أن تكون الاستعانة بنصائح شركات الاستشارات في نطاق محدود، على ألا يؤثر ذلك على دور الإدارة العامة، وإدراك قيمتها وأهميتها الذاتية، في ظل ما أظهره مسح الإدارة العالمي على مدى العقدين الماضيين، من أن تبني “أفضل الممارسات” في الإدارة يمكن أن يرفع الإنتاجية والرضا في القطاعين العام والخاص معاً، ومن ثم لا يوجد سبب ملزم لتحويل العملاء إلى تابعين غير قادرين على التمييز، ومعتمدين على نحوٍ تام على المساعدات الاستشارية، وفق ما ذكر الكتاب.

2- تحسين عملية التعاقد مع شركات الاستشارات: وفقاً للكتاب، مع عدم إغفال أهمية إعادة بناء القدرات في القطاع العام، فإن الأمر يستلزم توفير المزيد من الوقت والإمكانيات لأجل التوسع في التوظيف وإعادة بناء المهارات والمعرفة، ويمكن أن يتم ذلك بالتوازي مع تحسين عملية التعاقدات مع شركات الاستشارات، على أن يتم إعطاء اهتمام خاص بتقييم النتائج، ومطالبة الاستشاريين أيضاً بالإفصاح عن تضارب المصالح عند تقديم عروضهم للعمل في القطاع العام، وانتقاء العمل مع الشركات بناءً على عدد من الاعتبارات القيمية والأخلاقية، التي يأتي من بينها رفض العمل مع أنظمة قمعية.

وختاماً، نوه الكتاب إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص بعملية نقل المعرفة؛ إذ يتعلق النجاح في نهاية الأمر بقدرة العميل على التعلم بالإضافة إلى قدرة المستشار على التدريس. وقد جادل “مارفن باور”، الرجل الذي حول شركة McKinsey الاستشارية الشهيرة إلى قوة عالمية، بأن الأمر لا يستحق أبداً التضحية بالنزاهة من أجل المال؛لأن النزاهة على المدى الطويل، ستكون هي الشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه للحفاظ على النشاط، وهي النصيحة التي على شركات الاستشارات أخذها على محمل الجد، حتى يمكنها الاستمرار والتأثير في السنوات القادمة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)