أحدث الموضوعات
9 ديسمبر 2024
مع قرب انقضاء عام كامل على بدء الحرب الروسية–الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير 2022، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن، بزيارة مفاجئة لأوكرانيا في 20 فبراير 2023، وهي الزيارة الأولى لرئيس أمريكي إلى أوكرانيا منذ الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2008، كما أنها تأتي ضمن زيارته المقررة لبولندا. وقد أشارت الترجيحات قبل الزيارة إلى أن بايدن قد يلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الحدود البولندية–الأوكرانية، أو في مدينة وارسو، وليس في قلب العاصمة الأوكرانية (كييف) المُستهدَفة من قِبل القوات الروسية. فيما قال مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، الذي رافق الرئيس، إنه تم إبلاغ الروس أن “الرئيس بايدن سيتوجه إلى كييف؛ وذلك قبل ساعات من مغادرته”، ومؤكداً أن الرحلة “تطلبت جهداً أمنياً تشغيلياً ولوجستياً من متخصصين من مختلف أفراد الحكومة الأمريكية؛ لتنفيذ مهمة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، وجعلها في مستوى مخاطر يمكن التحكم به”.
دلالات عاكسة
تتمثل أبرز دلالات زيارة الرئيس بايدن – التي لم يتم الإعلان عنها مسبقاً – إلى أوكرانيا خلال رحلته إلى القارة الأوروبية، مجموعة من الدلالات يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:
1– تأكيد استمرار الدعم الأمريكي لكييف: تؤكد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا، أن الإدارة الأمريكية لن تتخلى عن حلفائها، وأنها ستستمر في تقديم الدعم المعنوي والعسكري لكييف مع استمرار العمليات العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، وهو ما من شأنه أن يُرسل رسالة إلى موسكو مفادها أن تلك الحرب قد تطول إذا لم تكف هي أيضاً عن الاعتداءات على الأراضي الأوكرانية، خاصةً أن الرئيس الأمريكي قد أعلن خلال الزيارة عن مد كييف بأسلحة أمريكية جديدة تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، تتضمن أنظمة مضادة للدروع، وذخيرة مدفعية، ورادارات للمراقبة الجوية. ووفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض بشأن الزيارة، فإنها تُظهر التزام الولايات المتحدة بحماية الديمقراطية والسيادة الأوكرانية. ويُذكَر أن المساعدات المُقدَّمة من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا منذ اندلاع الحرب حتى الآن تقترب من 30 مليار دولار.
2– تقديم دعم غربي قوي لأوكرانيا: في ظل الضربات العسكرية الروسية المستمرة على العاصمة كييف وشرق أوكرانيا، واستهداف منازل المدنيين، قام بايدن بالزيارة في ظل إجراءات أمنية مشددة، ووسط تأمين المناطق المركزية بالعاصمة كييف، مؤكداً في ذلك موقف الدول الغربية القوي أمام موسكو، وأنها لا تخشى ضرباتها المستمرة تجاه أوكرانيا، وأن واشنطن ستستمر في حشد الدعم الغربي لمساندة كييف، خاصةً أن الرئيس بايدن قد التقى عدداً من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي خلال تلك الرحلة في مدينة بروكسل، وتم التشاور على مسألة شراء المزيد من الذخيرة ومنحها لكييف؛ لمساعدتها في شن هجوم مضاد على موسكو في وقت تتراجع فيه القدرات الروسية على شن هجوم واسع النطاق.
3– فرض عقوبات أمريكية جديدة على روسيا: أعلن البيت الأبيض أن تلك الزيارة تمهيد للإعلان الذي سيقوم به الرئيس بايدن في نهاية الأسبوع بشأن فرض المزيد من العقوبات على شركات روسية منخرطة في تلك الحرب بطريقة أو بأخرى؛ لتعزيز نظام العقوبات المفروضة على روسيا؛ لعزلها دولياً، وتكبيدها خسائر فادحة؛ لاستمرار عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بعد أن فرضت في السابق عقوبات على شركات روسية ومسؤولين روس في أعقاب الحرب، فضلاً عن العقوبات التي دفعت الدول الغربية لفرضها على موسكو.
4– استباق خطاب بوتين للشعب الروسي: قام الرئيس الأمريكي بتلك الزيارة قبل يوم واحد فقط من الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأمة الروسية، وهو الخطاب الذي هاجم فيه بوتين الدول الغربية بضراوة، ووصفها بأنها “منافقة”، وأنها أنفقت 150 مليار دولار لدعم القوة العسكرية الأوكرانية، ووصف الغرب بأنه يوظف أوكرانيا كواجهة لمواجهة روسيا، فيما اتهم النظام الأوكراني بالعمل على نشر الكراهية ودعم الإرهابيين، لا سيما في منطقة دونباس.
أهداف متباينة
من المؤكد أن الرئيس بايدن يحمل في جعبته مجموعة من الأهداف يرغب في إيصالها إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الأهداف فيما يلي:
1– إمكانية تشجيع صفقة سلام مع موسكو: على غرار تأكيدات بعض الساسة الأمريكيين – بما في ذلك بعض الجمهوريين المحافظين – للرئيس الأوكراني زيلينسكي من ضرورة عدم الارتكاز على المساعدات الغربية؛ لأنها لن تستمر أبد الدهر، ومن ضرورة التوجه نحو عقد صفقة سلام مع روسيا؛ ربما يهدف الرئيس الأمريكي من خلال تلك الزيارة – التي تعد الأولى التي يقوم فيها رئيس أمريكي بدخول منطقة حربية لا تضم جنوداً أمريكيين نشطين؛ فقد سبق أن قام رؤساء أمريكيون بزيارة مناطق حربية، على غرار بارك أوباما الذي زار أفغانستان في عام 2014، وجورج دبليو بوش الابن الذي زار القوات الأمريكية في العراق في عام 2003 – إلى إيصال الرسالة نفسها إلى نظيره الأوكراني خلال المباحثات التي تمت بينهما، خاصةً أن الأخير حث الدول الغربية على تقديم المزيد من المساعدات العسكرية إلى كييف خلال مؤتمر ميونخ للأمن الذي عُقد في فبراير الجاري. وقد أبدت الدول الغربية موافقتها على تقديم الدعم لكنها أعربت عن فشلها في حشد الجنوب العالمي ودفعه لنبذ موسكو، ودعم كييف، كما أن هناك تساؤلات حول المدى الزمني الذي ستستمر فيه الدول الغربية في مساندة أوكرانيا عسكرياً.
2– العمل على منع تغيير موازين الحرب: قد يكون الرئيس بايدن يهدف من وراء تلك الزيارة إلى شحذ الهمم الأوكرانية لشن المزيد من الهجمات على الخصم الروسي الذي لا يستطيع شن هجمات موسعة على أوكرانيا في الوقت الراهن، بالنظر إلى استنفاد القدرات الروسية نسبياً؛ لأنه إذا تدخلت الصين، وزودت الكرملين بالمزيد من الأسلحة والذخيرة، فإنها ستكون قادرة على قلب موازين الحرب الجارية على الأراضي الأوكرانية، وهو ما من شأنه أن يقوض الأمن الأوروبي من جهة، ويمنح موسكو ميزة إضافية على الولايات المتحدة؛ لأنها أصبحت أكثر تهديداً لحلفائها في دول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، فضلاً عن كونه سيُهدد أمن دول حلف الناتو، وسيشجع الصين على أن تحذو حذو روسيا داخل تايوان، وسيكون موقف بكين أقوى بالنظر إلى القرب الجغرافي من تايوان، ونفوذها الكبير داخل منطقة بحر الصين الجنوبي.
3– السعي إلى تضييق نطاق الحرب: دأبت روسيا في الأشهر الأخيرة على تعبئة المقاتلين وإرسالهم إلى أوكرانيا، وهو الأمر الذي لا يلقى ترحاباً كبيراً في الداخل الروسي؛ إذ فر مئات الآلاف من المواطنين الروس إلى دول آسيا الوسطى والقوقاز هرباً من عمليات التجنيد، لا سيَّما أن موسكو تقوم – وفقاً لبعض التقارير الصحفية – بإرسال المقاتلين دون تدريب كافٍ إلى ساحات القتال؛ الأمر الذي يؤثر على نتائج عمليات القتال، ويجعلها غير قادرة على حسم الحرب لصالحها بالسرعة التي ترغبها، وحتى لو ازدادت وطأة الحرب فإنها لن تزداد اتساعاً، ومن ثم يمكن تضييق النطاق بصورة تقلل خسائر وتكاليف الحرب، وبصورة ربما تحسم الحرب لصالح كييف إذا نشطت القوات الأوكرانية بصورة أكبر في الوقت الراهن.
وختامًا، يمكن القول إن تلك الزيارة تحمل دلالة رمزية هامة؛ مفادها أن الدعم الغربي لكييف مستمر حتى تقبل روسيا بالتفاوض مع كييف والدول الغربية، وأنه بالرغم من الانتقادات التي تواجهها الإدارة الأمريكية في الداخل من جانب بعض الساسة بسبب حجم المساعدات المُقدَّمة لأوكرانيا، فإنها ستُحافِظ على دعمها لأوكرانيا؛ لأن هذا الدعم هو السبيل لمواجهة موسكو وردع الصين عن تكرار السيناريو ذاته في تايوان.