د. حمدي بشير يكتب: لماذا يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإريتريا؟

profile
  • clock 23 فبراير 2023, 6:57:45 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

في 13 فبراير 2023، وعبر حوار له مع التلفزيون الحكومي، اتهم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الولايات المتحدة بالوقوف وراء الحرب التي اندلعت بين القوات الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي في نوفمبر 2020؛ حيث قال “أفورقي” إن “تطورات السلام التي شهدتها إثيوبيا وإريتريا في عام 2018، التي بعثت الأمل والتفاؤل في المنطقة وخارجها، أقلقت الولايات المتحدة التي دفعت جبهة تحرير تيجراي إلى ارتكاب تهور غير مسبوق؛ لتُهاجِم القاعدة الشمالية للجيش الإثيوبي”، فيما جاءت هذه الاتهامات بعد الإعلان عن سحب القوات الإريترية من الإقليم، وهو ما يطرح تساؤلات عن عوامل تصاعد التوتر بين واشنطن وأسمرة.

مؤشرات دالة

يمكن الإشارة إلى مؤشرات تصاعد التوتر بين واشنطن وأسمرة، خلال الفترة الأخيرة في عدد من النقاط؛ وذلك على النحو التالي:

1– غياب إريتريا عن القمة الأمريكية–الأفريقية: حيث استبعدت إدارة “بايدن” إريتريا وعدداً من الدول الأفريقية من حضور القمة التي عُقدت في واشنطن في ديسمبر 2022، في إشارة إلى تحفظ إدارة “بايدن” على التوجهات السياسية الخارجية للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين بمنزلة مؤشر قوي على استمرار التوتر بين الجانبين.

2– دعم أسمرة موسكو في الحرب الأوكرانية: فخلال استقباله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 3 فبراير 2023، أشار الرئيس “أفورقي” إلى أن الحرب في أوكرانيا بدأت هذه الأزمات التي يتجه نحوها العالم، مؤكداً أن محاولات الهيمنة من القطب الواحد فشلت، والأزمة الراهنة هي نتيجة التدخلات والوصاية التي تُقوِّض السلم والأمن الدوليين، فيما أكد “لافروف” أن الحرب في أوكرانيا حرب بين روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وأشاد “لافروف” بموقف إريتريا، وقال إن موسكو تقدر المواقف الأفريقية، مشيراً إلى موقف أسمرة في الأمم المتحدة، الذي وصفه بالمشرف والداعم للموقف الروسي ضد فرض الدول الغربية عقوبات على موسكو.

3– خطاب “أفورقي” المناهض للسياسة الأمريكية: فقد تصاعد الخطاب الإريتري المناهض للسياسة الأمريكية؛ إذ أشار الرئيس “أفورقي”، في 13 فبراير 2023، وخلال حواره مع التلفزيون الإريتري، إلى ما وصفها بالحقائق التاريخية لتداعيات استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة على السلام العالمي والإقليمي، وقال: “إن الثقافة السياسية العميقة الجذور، المرتكزة على الجشع والسيطرة من قبل قلة قليلة، كانت السبب الرئيسي للاضطرابات والصراعات التي أفسدت العالم في العقود الماضية”.

وأضاف أن هذه القلة القليلة لا تتطلع إلى السلام والاستقرار على أساس القيم والمصالح المشتركة، إنما “ينتهجون سياسة لعبة محصلتها صفر”. واعتبر الرئيس الإريتري أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة لا تحتوي على مفاهيم جديدة، وإنما “هدفها الرئيسي هو إحياء ودعم النظام العالمي الأحادي القطب”.

4– استمرار العقوبات الأمريكية على إريتريا: فبرغم توقيع إثيوبيا اتفاق السلام مع جبهة تيجراي، وبرغم الترحيب الأمريكي بانسحاب القوات الإريترية من تيجراي إلى المناطق الحدودية – حيث أشارت العديد من المصادر إلى سحب إريتريا قواتها من تيجراي، في 22 يناير 2023، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، “تقدماً كبيراً” – فإن واشنطن لا تزال تفرض عقوبات على الحكومة الإريترية؛ بسبب دعمها وانخراطها بجانب القوات الإثيوبية في حربها بإقليم تيجراي.

محفزات التوتر

ثمة جملة من العوامل دفعت إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإريتريا، يمكن إيجازها فيما يلي:

1– مخاوف واشنطن من تنامي النفوذ الروسي بإريتريا: وخاصةً بعد زيارة وزير الخارجية الروسي إلى أسمرة في فبراير 2023؛ حيث تطمح موسكو إلى تعزيز علاقات السياسية والعسكرية مع أسمرة، واستثمار الموقع الاستراتيجي لإريتريا على البحر الأحمر، لا سيما ميناء عصب الإريتري؛ ففي 10 يناير 2023، وقعت أسمرة وموسكو على مذكرة تفاهم تنص على ربط مدينة مصوع الإريترية بقاعدة البحر الأسود سيفاستوبول؛ حيث يتيح هذا الاتفاق لموسكو استغلال ميناء مصوع الإريتري تمهيداً لإقامة قاعدة عسكرية جديدة على البحر الأحمر.

وقد أشارت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إلى اهتمام روسي بتعزيز الوجود السياسي والعسكري في هذه الدولة؛ حيث تعمل موسكو على استثمار وتوظيف التوتر الأمريكي–الإريتري في تعزيز هذا الوجود، بينما تتجه أسمرة لتعزيز علاقاتها بموسكو لموازنة الضغوط الأمريكية أو التخفيف منها، والحصول على الدعم السياسي الروسي في مواجهة هذه الضغوط الأمريكية.

2– معارضة إريتريا توقيع اتفاق سلام مع جبهة تيجراي: إذ لا تزال أسمرة تُعارض توقيع اتفاق مع جبهة تيجراي، وترى أن هذه الجبهة تشكل تهديداً لأمنها واستقرارها، وخاصةً أن إريتريا لا تزال تنظر بقلق وتروج لطموحات الجبهة إلى إسقاط النظام الإريتري وإقامة ما تسمى دولة “تيجراي الكبرى” التي تمتد حدودها إلى البحر الأحمر، ناهيك عن انتقادات الرئيس أسياس أفورقي المستمرة للجبهة، وهو أمر لا يشير إلى رغبة إريتريا في الخروج والانسحاب الكامل من الإقليم؛ ففي حواره مع التلفزيون الإريتري، في 13 فبرابر 2023، انتقد أفورقي “جبهة تحرير تيجراي” وقال إنها “وقعَّت اتفاق سلام بريتوريا بجنوب أفريقيا مع الحكومة الإثيوبية مُضطرَّةً”، وأضاف أنه “تم إجبار جبهة تحرير تيجراي على التوقيع على اتفاقية وقف الأعمال العدائية في بريتوريا، التي وضعتها واشنطن بشكل أساسي بهدف منع هزيمتها”.

3– رفض واشنطن استمرار الوجود الإريتري في إقليم تيجراي: علاوة على استمرار الموقف الإريتري تجاه جبهة تيجراي، وبرغم الإعلان عن سحب القوات الإريترية من إقليم تيجراي، والترحيب الأمريكي بسحب هذه القوات من الإقليم؛ فإن الخارجية الأمريكية عادت لتؤكد أن القوات الإريترية لم تنسحب بالكامل من الإقليم، وهو ما أكدته العديد من التقارير الدولية التي شككت في انسحاب هذه القوات من جميع مواقعها، وأن هذا الانسحاب اقتصر فقط على بعض المدن، فيما ستحل قوات أخرى محل القوات التي انسحبت.

4– معارضة واشنطن السياسات الداخلية لـ”أفورقي”: حيث لا يُخفي “أفورقي” تطلعاته السياسية للاستمرار في السلطة برغم المعارضة السياسية الداخلية لحكمه، ولا تخفي واشنطن موقفها المعارض لاستمراره في السلطة. وقد دعا مراقبون أمريكيون إدارة بايدن إلى ممارسة المزيد من الضغوط على “أفورقي” لدفعه إلى تغيير سياسته، وأشاروا إلى أن ثلاثة عقود من سوء إدارة أسياس أفورقي تركت إريتريا دولة فاشلة؛ إذ يبلغ نصيب الفرد من الدخل فيها نحو 50 دولاراً شهرياً، مع غياب التحويلات المالية من كثير من مواطني إريتريا الذين فروا إلى أمريكا الشمالية أو أوروبا أو الشرق الأوسط.

وختاماً، فإن غياب الثقة بين واشنطن وأسمرة، في ظل الاتهامات الإريترية لواشنطن بدعم تيجراي، في مقابل القلق الأمريكي تجاه تحركات روسيا لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة انطلاقاً من إريتريا؛ قد يدفع العلاقات بين الطرفين في مسار التوتر، وربما يعزز اتجاه روسيا نحو نشر المزيد من قوات “فاجنر” في إريتريا؛ لحماية مصالحها في المنطقة، وتأكيد حمايتها حليفَها الرئيسي في منطقة القرن الأفريقي من جهة أخرى.

التعليقات (0)