عبد الحميد صيام يكتب: العرب في مونديال قطر- من المشاركة إلى المنافسة ومن الحلم إلى الأمل

profile
  • clock 9 ديسمبر 2022, 11:29:10 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

ما زال العالم يتابع بشغف غير معهود مباريات كأس العالم في طبعته القطرية العربية. وقد ألقمت الترتيبات العالية والدقيقة والملاعب العظيمة والجماهير الغفيرة حجارة في أفواه كل الناعقين الأوروبيين والصهاينة، المشككين في قدرة قطر وعدم أهليتها لتنظيم هذه التظاهرة العالمية، وإنجاز هذه المهمة العظيمة التي تعجز عنها الدول الكبرى. فمنذ بدأت المباريات الدولية عام 1930 في مونتيفيديو بأوروغواي، ظلت المباريات التي تقام مرة كل أربع سنوات حكرا على الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية، ولم تقم هذه المباريات خارج القارتين إلا مرتين – في اليابان وكوريا الجنوبية معا (2002) وفي جنوب افريقيا (2010).
استهجن العالم، بما في ذلك بعض الدول العربية، اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لدولة بحجم قطر، لتنظيم هذه التظاهرة الكروية الأضخم، فبدأت التهم تكال لتقديم تفسير ملتوٍ لهذا الاختيار، لكن قطر أثبتت أنها قادرة على تحمل المسؤولية وتقديم أفضل نسخة للمونديال في التاريخ، من حيث المرافق والتنظيم والتكنولوجيا والحضور، وفي الوقت نفسه نجحت في تقديم صورة مشرقة عن الثقافة العربية الإسلامية التي لا تساوم في مواضيع أساسية ليست من حضارتنا ولا ثقافتنا ولا عقيدتنا، بل ورفضت بكل حزم إقحام قيم غربية غريبة ممجوجة جماهيريا وشعبيا، ولأن المونديال يعقد في بلد عربي، فلا بد من احترام تقاليد وثقافة وقيم هذا البلد ومن لا يعجبه ذك فليبق في بلاده ويغرد كما يشاء. وأفضل من عبّر عن هذا النفاق الأوروبي رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، عندما قال: «أنا أوروبي وبسبب ما كنا نفعله منذ 3000 سنة حول العالم يجب أن نعتذر لنحو 3000 سنة مقبلة قبل إعطاء دروس أخلاقية. هذا الدرس الأخلاقي أحادي الجانب هو مجرد نفاق».

فلسطين الحاضر الأكبر في مونديال قطر وأطلق عليها الفريق الثالث والثلاثون والفريق العربي الخامس، وكانت قضية فلسطين العامل المشترك الموحد لكل الجماهير العربية

* سيبقى مونديال قطر، ونحن نتكلم قبل نهايته، عالقا في الذاكرة على أنه مونديال العرب كرويا أيضا، عدا عن المكان. فقد قدمت الفرق العربية عروضا سيذكرها التاريخ وتستقر في الوجدان حيث أطاحت بعمالقة الكرة وساداتها. لن ننسى أن الأخضر السعودي أطاح بفريق التانغو الأرجنتيني وقدم للعرب أولى فرحتهم في المونديال. كما أن فريق نسور قرطاج أطاح بفريق الدولة التي استعمرت تونس. وكم كانت هزيمة فرنسا قاسية للفريق الذي يحمل لقب كأس العالم في طبعة 2018. حتى لو أن النتيجة لم تغير في ترتيب الفرق المتقدمة لدور الستة عشر، إلا أن خروج النسور من المونديال بهذا الفوز الكبير كان أجمل هدية يقدمها النسور للشعب التونسي والشعوب العربية. أما الفريق الذي نقل مشاركة الفرق العربية من فخر المشاركة فقط إلى تحدي المنافسة مع الفرق الكبرى فهو فريق «أسود الأطلس» المغربي، الذي أتحف الجماهير العربية، والمغربية خاصة، بمباريات راقية ومن طراز فريد، ونقل مستوى المواجهات الرياضية للفرق العربية إلى مستويات الندية مع كبار الفرق العالمية مثل، المنتخبات البلجيكية والكرواتية والكندية والإسبانية. وقد كان فوزه النظيف على المنتخب الإسباني قمة الإنجازات الكروية العربية لغاية الآن، الذي رفع منسوب الحلم العربي بوصول المربع الذهبي إلى مستوى الأمل والإمكانية.
* لقد جسد مونديال قطر وحدة الشعوب العربية بحق، التي التفّت حول كل فريق عربي ساعة المنازلة مع الفرق العالمية الأخرى. لقد اعتبر الفوز السعودي على الأرجنتين فوزا للعرب جميعا من مشرق البلاد إلى مغربها، وكذلك الفوز التونسي على فرنسا والانتصارات المغربية جميعها. أصبحت الجماهير العربية العامل المؤثر والأكثر حضورا في الملاعب. فعندما تنزل الفرق العربية إلى الميدان فلا ترى إلا أعلام تلك الدولة تنتشر في المدرجات وشوارع الدوحة والعواصم العربية. وما أن تنتهي المباراة بفوز الفريق العربي حتى ترى تفاعلات الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج مع الفريق الفائز مهنئة ومحتفلة ومشجعة بانتظار المزيد من الإنجازات. الوحدة العربية الشعبية تجسدت في أجمل صورها عاكسة حقيقة مشاعر الشعوب بعيدا عن السياسة والخلافات والانقسامات بين الأنظمة والحكام.
* لقد كانت فلسطين الحاضر الأكبر في مونديال قطر، وأطلق عليها الفريق الثالث والثلاثون والفريق العربي الخامس. لقد كانت قضية فلسطين العامل المشترك الموحد لكل الجماهير العربية. وظل العلم الفلسطيني يرتفع في كل المباريات والهتافات لفلسطين تصدح باللغات جميعها حيث انضم مشجعو الفرق العالمية إلى الجماهير العربية التي بدأت تهتف لقضية العدل والحق. وقد كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا تحت عنوان «المشجعون العرب والفرق العربية المشاركة، استخدموا المنبر العالمي لمباريات كأس العالم لرفع العلم الفلسطيني، الفريق المشارك بطريقة غير رسمية». وشرحت الصحيفة كيف أن الفريق المغربي ومدربيه وطواقمه بعد فوزه على اسبانيا، تجمعوا لأخذ صورة جماعية إلا أنهم انتظروا وصول العلم الفلسطيني الذي عرض في وسط المجموعة ليأخذ نصيبه من لحظة المجد الكبرى. لقد عبرت الجماهير في المدرجات والفرق العربية المشاركة عن تضامنها والتفافها ووحدتها حول القضية الفلسطينية، ما يشكل رسالة للمطبعين العرب وأنصارهم بأن الالتفاف حول عدالة القضية أمر عابر للحدود والشعوب العربية بعيدا عن خلافات الحكام. «فلسطين قضيتنا. فلسطين محور نضالنا في العالم العربي، كل العالم العربي»، كما صاح مشجع مغربي أثناء التقاط الصورة التي اصبحت الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي.
* التضامن مع قضية فلسطين، رافقه رفض جماهيري شامل للحضور الإسرائيلي في المونديال، الذي فرضته شروط تنظيم مباريات كأس العالم. لقد ظلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتلقى الصدمة وراء الأخرى، عندما حاولت أن تأخذ ولو تصريحا واحدا من الجماهير العربية، أو تجري مقابلة مع أحد المشجعين. كان تتلقى الرفض، سواء كان الشخص سعوديا أو قطريا أو لبنانيا أو كويتيا أو جزائريا أو مغربيا. المطاعم رفضت تقديم الخدمات لهم والمقاهي وحتى سيارات الأجرة. لقد وصل بهم الأمر أن توصلوا إلى نتيجة صادمة بالنسبة لهم وهي أن التطبيع مع الشعوب العربية أمر مستحيل ما دام هذا الكيان الغاصب يمارس القتل والاضطهاد والتدمير والظلم ضد الشعب الفلسطيني المناضل. وقد شكت صحيفة «يديعوت أحرونوت» من أن الرفض الإسرائيلي تجسد أكثر في أن إسرائيل ليست مدرجة على الخريطة المنشورة على موقع الفيفا الخاص بمونديال قطر في تشرين الثاني/ نوفمبر، وأي شخص يرغب في شراء حزم الضيافة، سيكتشف أن اسم إسرائيل غير مدرج في القائمة، واستعيض عنها بالخيار الوحيد المسمى «الأراضي الفلسطينية المحتلة».
«مونديال الكراهية»، أطلقت الماكنة الإعلامية الإسرائيلية هذا الوصف على مونديال قطر في سياق تعليقها على ردود أفعال المشجعين العرب المناهضين للتعاطي مع المراسلين الإسرائيليين. لقد رفع المشجعون العرب وأنصار الحق والعدل في وجوه الصهاينة الأعلام الفلسطينية، واعتمر بعضهم الكوفية الفلسطينية، وانتشرت في شوارع الدوحة الصور والشعارات الوطنية الفلسطينية، وردد المشاركون الأناشيد والأهازيج الفلسطينية، ونشروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فنية وأخرى سياسية، تعبر كلها عن العنصرية العدوانية الصهيونية، وتوضح المظلومية والمعاناة الفلسطينية. لقد تحولت المشاركة الإسرائيلية إلى محاكمة جماهيرية للاحتلال لدرجة أن إسرائيل تقدمت بشكوى ضد قطر والفيفا معا. لقد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن العرب جميعاً يكرهونهم، ولا يريدون التعاون معهم ولن يعترفوا بهم، ولا يوجد من يقبل أن يلتقط صورة معهم أو يدافع عن وجودهم. مراسل القناة «12» العبرية قال: «بالنسبة للجماهير العربية الحاضرة في قطر، فلسطين أهم شيء في المونديال جاؤوا من أجلها، لا من أجل البطولة، حيث تراهم منشغلون بالمشاركة في التظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال اليوم الذي ستلعب فيه منتخباتهم، عدا عما يقومون به على المدرجات من رفع شعارات داعمة للفلسطينيين». وكما عبر عن ذلك الصحافي جوناثان ريغيف المتخصص في الشؤون الأمنية: «لا تزال إسرائيل كياناً مكروهاً بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، رغم التطورات السعيدة جداً التي شوهدت في السنوات الأخيرة مع اتفاقيات إبراهيم، فإسرائيل قوة محتلة، من وجهة نظرهم».
يبدو أن هذا الاستقبال العربي للصهاينة في مونديال قطر كان وراء زيارة رئيس الكيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، لكل من البحرين ودولة الإمارات في هذا الوقت بالذات. وكأن الرسالة تقول: لا يهمنا موقف الجماهير العربية، بل سنحافظ على علاقاتنا مع الدول المطبعة. خذوا الجماهير أيها الفلسطينيون وأعطونا الأنظمة». ولا أشك في أن الفلسطينيين يقبلون بهذه القسمة.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

التعليقات (0)