عبد الحليم قنديل يكتب: حتى آخر أوكراني

profile
  • clock 14 يناير 2023, 9:42:39 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

خط أحمر وحيد لم يتم اجتيازه في حرب أوكرانيا، هو الانتقال إلى حرب عالمية نووية بدمار كوني، في حين جرى اجتياح كل الحواجز في الحرب ذات الطابع العالمي، وصولا لوجود غير رسمي لقوات حلف الأطلنطي هناك، في صورة جماعات مرتزقة من العسكريين المتقاعدين المؤهلين، وفي صورة جيوش شركات الحروب غير الرسمية، تتقدمها «بلاك ووتر» الأمريكية، إضافة لخدمات مئات الأقمار الصناعية المدنية والعسكرية على مدار الساعة، وجنرالات أمريكيين وبريطانيين وغيرهم، يتولون تخطيط وإدارة العمليات المنسوبة ظاهريا للجيش الأوكراني، عدا التدفق الرسمي الهائل المعلن وغير المعلن لأحدث طرازات الأسلحة الأمريكية والغربية، وبأرقام تمويل فلكية، زادت في مجموعها الأمريكي والأوروبي على 120 مليار دولار، أضيف إليها نحو 50 مليار دولار، رصدتها واشنطن وحدها لدعم أوكرانيا في العام الجديد.
ولا يخفى الهدف من حمى السلاح والمال، وهو إضعاف روسيا وهزيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع ما بدا من صعوبة إنجاز الهدف، بينما العام الأول للحرب يكاد يطوي أوراقه، لجأت عصبة الأطلنطي وحلفاؤها بمجموع خمسين دولة إلى استنفار عام، وفتحت كل مخازن سلاحها الفائق التطور، وأعلنت تباعا استعدادها لتزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة دفاعية وهجومية، وانتقلت من أنظمة الدفاع الجوي، ونظام «باتريوت» الأمريكي في قمتها، إلى رفد قوات أوكرانيا بالمدرعات والدبابات.

لم تنجح خطة واشنطن في تحويل أوكرانيا إلى مقبرة استنزاف لروسيا، وكادت تتحول الحرب إلى استنزاف معاكس للغرب ولهيبة أمريكا

ألمانيا التي انتظرت الآخرين الخمسين، وتستضيف اجتماعاتهم السرية في قاعدة «رامشتاين»، أعلنت اعتزامها تزويد أوكرانيا بدبابات «ليوبارد» بعد دبابات «جيبارد»، فوق مدرعات «ماردر»، وبريطانيا سبقت بدبابات «تشالنجر»، وفرنسا لحقت بدباباتها المدرعة القتالية الخفيفة AMX-10RC، وأمريكا فتحت المزاد بصفقة عاجلة، وصلت قيمتها إلى نحو ثلاثة مليارات دولار، تضمنت 50 مدرعة من طراز «برادلي»، مع تجهيزات أخرى سبقت وتلحق، أشهرها منظومة «هيمارس»، وقد يجدي ذلك كله قليلا، ويطيل أمد الحرب، لكن روسيا على ما يبدو، استعدت جيدا هذه المرة للنزال الأخير، وتركت روح الاستهانة، التي ميزت عملها العسكري لشهور طويلة، وأعادت تنظيم قواتها العاملة في أوكرانيا، وزادت عديدها بالتعبئة العسكرية الجزئية، التي تضيف نحو 350 ألف جندي، شارف إعدادهم وتدريبهم على الاكتمال، وقد تلجأ إلى تعبئة إضافية، بعد أن قررت مضاعفة إنفاقها الحربي، ودفع مصانع السلاح للعمل بكامل طاقتها، وزجت إلى ميادينها في أوكرانيا أسلحة أكثر حداثة، من نوع الطائرة الروسية الشبحية «سو ـ 57»، التي شوهدت على مقربة من مسارح العمليات، فوق حل مشاكل الروس السابقة في الإمداد اللوجيستي، وبتدرج يبدو مدروسا أكثر هذه المرة، وبقيادة أكفأ، بانت كراماتها، بعد تراجعات في خاركيف وكراسني ليمان، أغرت الغرب بإمكانية هزيمة الروس، ولجأت القيادة الجديدة إلى انسحاب منظم من منطقة في خيرسون غرب نهر الدنيبرو، بدا متوافقا مع خرائط بوتين السياسية بعد قراره ضم المقاطعات الأربع شرق وجنوب أوكرانيا، وعلى جبهة سلاح طويلة فوق الألف كيلومتر، مع التركيز على هدف استكمال السيطرة في مقاطعة دونيتسك بالذات، والتقدم المحسوب باتجاه مدن باخموت وكراماتورسك وسلافيانسك، رغم ظروف الشتاء الأكثر قسوة في هذه المناطق، والحرص على خفض الخسائر البشرية للروس إلى أدنى حد، واستخدام المدرعات والدبابات الروسية الأخف حركة، والاعتماد بالأساس على جماعة «فاغنر» والمقاتلين الشيشان والمحليين والمظليين الروس، واللجوء إلى تطويق باخموت عاصمة المناجم من الشرق والجنوب، وصولا لمفاجأة السيطرة على سوليدار، وتكمن أهميتها العسكرية في تلالها المرتفعة، التي تمنح مجموعات القتال الروسي الصغيرة ميزة حاسمة في السيادة النيرانية، ربما تمهيدا لخنق خمسين خط دفاع أوكراني في باخموت الخالية من السكان، وتكرار تكتيك «اصطياد الفئران» على طريقة ما جرى في معركة «آزوف ستال» في ماريوبول، مع تكثيف القصف الجوي والصاروخي وبالطائرات المسيرة على كل مدن أوكرانيا، وتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية، خصوصا في مدن دونيتسك المتبقية تحت السيطرة الأوكرانية، وتحصين خطوط الدفاع من اختراقات واردة، وقد فاجأت القوات الروسية أغلب المراقبين العسكريين، وداومت على القتال المتمهل في فصل الشتاء، المعيق في العادة لحركة المدرعات والدبابات والجنود، وتواصل إعداد المسرح الحربي لهجوم كاسح على ما يبدو، مع أوائل فصل الربيع، تحتاج إليه لحسم الموقف العسكري كله، وقد تتجه به إلى العاصمة كييف في الشمال، وربما إلى أوديسا في الجنوب، بعد أن أعلنت شروطا حاسمة لوقف الحرب بالتفاوض، تعرف أن الغرب لن يسلم بها بسهولة، من نوع نزع سلاح نظام كييف وقبوله لضم المقاطعات الأربع (دونتسك ولوجانسك وزاباروجيا وخيرسون) إلى روسيا، كما شبه جزيرة «القرم»، التي استعادتها روسيا أواسط 2014، وقد نصح هنري كيسنجر أمريكا قبل أسابيع، ودعا لتقبل المطالب الروسية في جملتها، وإن اقترح إجراء استفتاء آخر في المقاطعات الأربع، برقابة الأمم المتحدة، مع التسليم طبعا بأحقية روسيا في شبه جزيرة القرم، لكن الإدارة الأمريكية تتردد في قبول نصائح كيسنجر، وتستمر في مطاردة وهم هزيمة روسيا، وتعتبر التجاوب مع المطالب الروسية هزيمة للغرب، ونهاية لسلطانها الأوحد في النظام الدولي، وإغواء للصين بضم تايوان بأسلوب الجبر العسكري.
ويتحدث الكرملين كثيرا عن الحوار والمفاوضات، وكنوع من المناورة والعمل السياسي، وربما كسب وقت إضافي للإعداد والحسم العسكري، ودفع الغرب ودميته الأوكرانية فولوديمير زيلينسكي للاستسلام، خصوصا مع الإرهاق الأوروبي الظاهر في الاقتصاد، مع إفراغ مخازن السلاح لتقديمها إلى أوكرانيا، ولجوء الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق شراكة جديد مع حلف شمال الأطلنطي، بهدف توفير الحماية البديلة من أخطار محتملة، وبالذات مع تزايد التلويح الروسي بحرب دمار نووي، وتحول صادرات موسكو إلى أسواق طاقة بديلة للسوق الأوروبي، وتوثيق التحالف الاقتصادي والعسكري مع الصين الزاحفة باطراد إلى عرش العالم، واللقاء المنتظر بين الرئيس الروسي والرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي قد يطور العلاقة «بلا حدود» بين موسكو وبكين إلى «تحالف بلا حدود»، تدفع إليه «شراسة بلا حدود»، يبديها الغرب باتجاه البلدين معا، تعجل بالانتقال رسميا من عالم «القطب الوحيد» إلى العالم المتعدد المتواجه الأقطاب، فيما تبدو حرب أوكرانيا كجسر عبور إجباري، لا خيار لروسيا سوى أن تجتازه، وتحقق نصرا فيه، يبدو كقضية حياة أو موت للرئيس الروسي، الذي يغريه ما جرى حتى اليوم، فلم تنجح خطة واشنطن في تحويل أوكرانيا إلى مقبرة استنزاف لروسيا، وكادت تتحول الحرب إلى استنزاف معاكس للغرب ولهيبة أمريكا، التي لن يقتنع حلفاؤها بجدوى التعويل عليها حال انتصار روسيا، فيما لا تبدو واشنطن مؤهلة لكسب حرب سعت إليها، ولا تبدو الإدارة الأمريكية في أحوال مريحة، فقد استنفدت كل مراحل الدعم الممكن بالمال والسلاح، ولم يبق سوى أن تعلن دخولها الحرب رسميا وبجيوشها، والقفز على نظرية الحرب بسلاحها، وبأرواح الآخرين حتى آخر أوكراني، ولا تملك الإدارة الأمريكية أن تخاطر بفتح أبواب الجحيم النووي مع موسكو، التي تواصل تعبئة دروعها النووية الأقوى بامتياز، والمحصلة أنه ما من بديل آخر متاح عند واشنطن، سوى أن تواصل ما تفعله، وبحماس واندفاع قابل للعرقلة، مع انتخاب الجمهوري كيفن مكارثي لرئاسة مجلس النواب، ومع الانتعاش النسبي لحركة دونالد ترامب غريم الرئيس العجوز جو بايدن، الذي صدم أخيرا باكتشاف وثائق رسمية حساسة في مكتب مؤقت في جامعة بنسلفانيا، اختاره بعد نهاية ولايتيه كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو ما نظر إليه كفضيحة للرئيس، الذي يحرص على الظهور في صورة رجل الدولة المنضبط، مقابل تسيب وعشوائية سلفه ترامب، الذي ضبطت وثائق سرية مماثلة في قصره الخاص في ولاية فلوريدا، ومقابل تنكيل مجلس النواب السابق بزعامة الديمقراطيين ومحاكماتهم الصاخبة لسلوك ترامب، فقد انفتح الباب هذه المرة لمجلس النواب الجديد بزعامة الجمهوريين، الذين يتربصون للأخذ بالثأر، وإقامة محاكمات تستهدف بايدن، والفساد المنسوب لنجله هانتر في صفقات مريبة بأوكرانيا والصين، وتمزيق الصورة السياسية لبايدن، الذي يحلم بإعادة ترشيح نفسه في انتخابات رئاسة 2024، كان ترامب قد أعلن رسميا عن ترشحه فيها، إضافة لإعاقة تصرفات بايدن المالية في ما تبقى من مدة رئاسته الحالية، وتقييد دعمه بالمال والسلاح في حرب أوكرانيا، خصوصا أن رئيس مجلس النواب الجديد، سبق أن أعلن عن نيته وقف منح «شيكات على بياض» للرئيس الأوكراني، وهو ما قد يؤجج الصدام في أروقة واشنطن، ويحول الرئيس إلى «بطة عرجاء» مشغولة بإعاقاتها عن أوكرانيا وغيرها.
كاتب مصري

التعليقات (0)