د. رغدة البهي تكتب: دوافع الجدل الأمريكي بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو

profile
  • clock 1 يونيو 2022, 2:14:45 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

حظي طلب انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” بدعم أمريكي غير مسبوق؛ فقد سبق أن قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن فنلندا والسويد تتمتعان بالدعم الكامل من الولايات المتحدة، وأكد أنهما بانضمامها إلى الحلف سيُعزِّزانه، وأن حلف الناتو القوي والمُوحَّد هو أساس الأمن القومي الأمريكي. كما أعرب كل من زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر، وزعيم الأقلية الجمهوري في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل، عن دعمهما هذا الإجراء. ورغم ذلك، فإن هناك تياراً يضم عديداً من المحللين والكتاب الأمريكيين، ولا سيما التيار المحافظ، يعارض انضمام الدولتين إلى الحلف.

دوافع الرفض

يستند رأي التيار الأمريكي المعارض لتوسيع حلف الناتو شمالاً إلى جملة من الحجج يمكن إجمالها على النحو الآتي:

1– تخوفات من توسيع نطاق الصراع الأوروبي–الروسي: دفعت الأصوات المعارضة بأن الحدود المشتركة بين فنلندا وروسيا قد تزيد فرص الصراع مع موسكو التي سبق أن هددت فنلندا باتخاذ “خطوات انتقامية”، بعد أن دعا رئيس فنلندا ورئيسة الوزراء كذلك إلى الانضمام إلى حلف الناتو، كما سبق أن حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره الفنلندي خلال مكالمة هاتفية، من أن انضمام بلاده إلى حلف الناتو والتخلي عن وضعها المحايد سيكون “خطأ”.

وبموازاة تلك التهديدات الرسمية المعلنة، تتجه شركة “آر إيه أو نورديك” الروسية إلى تعليق إمدادات الكهرباء إلى فنلندا بذريعة عدم سداد مستحقاتها المالية. وقد وصف بعض المحللين هذا القرار بأنه علامة مبكرة على الإجراءات الانتقامية التي سبق أن أشارت إليها الخارجية الروسية؛ إذ تشترك فنلندا مع روسيا في حدود يبلغ طولها 1300 كيلومتر. وحتى الآن، بقيت هلسنكي بعيدة عن الناتو تفادياً لاستعداء جارتها الشرقية.

2– عدم قدرة الدولتين على الوفاء بالتزاماتهما الدفاعية: إنغالبيةالأصوات المعارضة لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، تأتي من الحزب الجمهوري؛ لتخوفه من عدم قدرة الدولتين على الوفاء بالتزاماتهما الدفاعية ضمن الحلف، ومن ثم استنزاف الجيش الأمريكي؛ حيث إن إنفاقهما الدفاعي لا يتجاوز 2% من قيمة ناتجهما القومي الإجمالي، وإن تعهدت السويد بزيادة إنفاقها الدفاعي. ولا يمكن النظر إلى المعارضة الجمهورية بمعزل عن الاستقطاب الحزبي داخل الولايات المتحدة، ولا سيما أن الآراء التي عبر عنها بعضهم تحظى بدعم أوسع بين قاعدة الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب.

3– أولوية تكثيف الاهتمام الأمريكي بالقارة الآسيوية: يعارض بعض المُشرِّعين الجمهوريين – كالسيناتور الجمهوري راند بول (ولاية كنتاكي)، والسيناتور الجمهوري مايك لي – توسيع الحلف؛ لأنه يعني ضمنياً مزيداً من الالتزامات الأمنية الأمريكية في القارة الأوروبية، في الوقت الذي يجب أن تكرس فيه مزيداً من الاهتمام بالقارة الآسيوية، وتحديداً في مواجهة الصين. وفي هذا الإطار، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية ميزوري “جوش هاولي” الذي عارض أيضاً حزمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا: “لست موافقاً تلقائياً، فلنضع الأمر على هذا النحو … وجهة نظري هي أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن توسع التزاماتنا الأمنية في أوروبا؛ لأن علينا أن نفعل المزيد في آسيا”.

4– تجنب استفزاز روسيا دون تحقيق عائد حقيقي: يجادل آخرون بأن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف سيمثل استفزازاً غير ضروري لروسيا دون أن تضيف الدولتان إسهاماً يُذكَر إلى قوة الحلف، وهو ما يعني استفزاز روسيا دون أي إضافة حقيقية لقدرات الحلف العسكرية. وقد أوضحت موسكو رسمياً موقفها من نية انضمام الدولتين إلى حلف الناتو، وحذرت من عواقب ذلك، كما سبق أن أكد الكرملين أن رد موسكو على توسع الحلف المحتمل سيعتمد على الكيفية التي سينقل بها الحلف عتاده العسكري نحو روسيا، والبنية التحتية التي ينشرها.

عوائد إيجابية

فند الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية حجج التيار المعارض لتوسع حلف الناتو بانضمام فنلندا والسويد. وتتمثل أبرز الحجج المضادة فيما يأتي:

1– اهتمام واشنطن بالحفاظ على الأمن الأوروبي: لطالما كانالتحالف الأوروبي–الأمريكي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ إذ تتخوف الولايات المتحدة من إمكانية إضافة القوة الاقتصادية الأوروبية إلى قوة أعدائها؛ ما قد يدفعها إلى حرب قد تخسرها أو قد تنتقص من أمنها على أقل تقدير. وهو ما يظل صحيحاً على الرغم من صعود الصين والهند بجانب دول أخرى من ناحية، والتغير المحتمل في موازين القوى العالمية من ناحية ثانية؛ إذ لا يزال اقتصاد الاتحاد الأوروبي مجتمعاً أكبر من اقتصاد الصين على الرغم من نموه الهائل. ومن شأن اصطفاف أوروبا مع الولايات المتحدة على الصعيد العالمي أن يقوض فرص الصراع في المحور الأوراسي ضد الصين وروسيا وإيران. وفي المقابل، فإن التخلي عن أوروبا يعني مزيداً من المخاطر الأمريكية في المستقبل المنظور.

2– ضرورة معالجة المخاوف الأمنية للحلفاء: على الولايات المتحدة أن تفعل ما في وسعها لمعالجة المخاوف الأمنية للحلفاء الأوروبيين على نحو يكفل ردع روسيا؛ فقد أثبتت الحرب الروسية–الأوكرانية خطأ حسابات القوى الأوروبية التقليدية، مثل ألمانيا وفرنسا؛ لأنهم فضَّلوا – من وجهة النظر الأمريكية – التكامل مع الاقتصاد الروسي باعتباره سبيلاً محتملاً لردع موسكو عن التوسع، بيد أنها أدركت الآن أن إعادة التسلح والمواجهة باتت ضرورية لتحجيم الهيمنة الروسية على الرغم من ارتفاع الثمن الاقتصادي والعسكري لذلك. وفي هذا السياق، تتطلب الاحتياجات الأمنية الأمريكية مزيداً من الانخراط العالمي لتقويض النفوذ الروسي في الخارج.

3– التوظيف الجيوسياسي لموقع فنلندا والسويد: من شأن الموقع الاستراتيجي لكل من فنلندا والسويد أن يضيف إلى أمن حلف الناتو؛ فقد عززت روسيا نفوذها في بحر البلطيق خلال سنوات عدة ممتدة شهدت فيها تلك الدول استفزازات عسكرية عدة، وهو ما دفع السويد – على سبيل التحديد – إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية وتعاونها غير الرسمي مع الجيش الأمريكي. ومن شأن إضافة الدولتين رسمياً إلى الناتو، زيادة قدرته على حماية أعضاء الناتو الثلاثة في منطقة البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) إن هددتها موسكو.

4– تعزيز الموقف الأمريكي في مواجهة الصين: من شأن انضمام الدولتين إلى الحلف أن يعزز قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الصين بنجاح، لا سيما أن الدول الأوروبية تعيد النظر في موقفها منها؛ بسبب دعمها الضمني للحرب الروسية–الأوكرانية؛ لذا يجب على الولايات المتحدة أن تشجع هذا التحول؛ لأنه يُسهِّل استخدام القوة الاقتصادية في مواجهة العدوان الصيني والحد منه. وقد يعيد القادة الأوروبيون التفكير مرة أخرى إذا أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تبتعد عنهم برفضها قبول دول الشمال؛ فهذا من شأنه أن يضعف موقفها في صراعها ضد الصين.

غلبة المؤيدين

ختاماً، لطالما رأت الولايات المتحدة – حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية – أن حلف الناتو هو أنجح تحالف دفاعي في التاريخ؛ لذلك أيدت فكرة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف عقب عقود من الحياد؛ لتعزيز قدرات الحلف، وتشكيل جبهة موحدة ضد التهديدات التي يتعرَّض لها النظام الليبرالي الذي تقوده. ولا شك أن الأصوات المعارضة لتوسُّع حلف الناتو بانضمام الدولتَين، لا تعدو كونها أقلية محدودة عددياً داخل الولايات المتحدة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)