وائل عصام يكتب: ما قصة زعيم تنظيم «الدولة» الغامض الذي قتل في درعا؟

profile
وائل عصام كاتب فلسطيني
  • clock 3 ديسمبر 2022, 4:08:40 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

جاء الإعلان الأمريكي عن مقتل زعيم تنظيم «الدولة» (داعش) أبو الحسن الهاشمي أو عبد الرحمن العراقي، ملتبسا بالكثير من الغموض عن شخصية الرجل، الذي بدا أنه لا ينتمي لقيادات الصف الأول المعروفين في تنظيم «الدولة» أو قاعدة العراق سابقا، ولم يعرف عنه التميز في مواقع عسكرية أو شرعية أو أمنية، وهو ما يعني أن التنظيم استنفد معظم قادته الكبار من الصف الأول واضطر للاعتماد على قيادات كانت الى زمن قريب ثانوية. ومن الواضح أن ساحة سوريا باتت أكثر أمنا للتنظيم ولو نسبيا من العراق رغم وجود مناطق مثل حمرين وما يجاوره من قرى في ديالى وصلاح الدين والطارمية ووادي حوران وما حول البعاج شمالا.

لم تعلن أي جهة أمنية أو صحافية اسم زعيم التنظيم القتيل أو تقدم معلومات عن سيرته، لكن بالاستقصاء عنه في بلدته راوة غرب الأنبار، تمكنا من تحديد هويته، واسمه الحقيقي هو نور كريم مطني (بتشديد الياء) كما تلفظ باللهجة العراقية الدارجة، وهو من البوعبيد في راوة، تلك البلدة الوادعة المتكئة على نهر الفرات التي دائما ما تبرز منها أسماء قيادية سواء في عهد صدام حسين أو عهد التنظيمات الجهادية، وحتى في مجال الأكاديميين المتعلمين. وبسبب تميز راوة وجارتها المنافسة عانة في الحقل التعليمي، أطلق على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق تندرا: وزارة التعليم العاني والبحث الراوي.
وتشير المعلومات الخاصة عن سيرته الى أن رحلة زعيم التنظيم الأخير نور كريم مطني بدأت في العراق بعد أن أراد الانتقام لخطف وقتل شقيقه وسبعة من أقاربه عام 2005، على يد ميليشيات شيعية من لواء الذئب وهي ميليشيات عراقية كانت تابعة لوزارة الداخلية، وعرفت في الوسط العربي السني بممارساتها الطائفية، وصدرت عدة تقارير حقوقية دولية بالانتهاكات التي مارستها الميليشيات الشيعية في عهد حكومة الجعفري وما بعدها، إذ قامت هذه القوة المنتمية للداخلية بهجوم عام 2005 على أحد مكاتب الصيرفة في حي الأعظمية في بغداد. وكان الضحايا آنذاك سبعة من أبناء راوة، بينهم شقيق زعيم التنظيم وأولاد عمومته. وخلال انتمائه لتنظيم «الدولة» عرف بداية في العمل اللوجستي دون أن يتسلم مهام أمنية أو عسكرية الى أن اعتقل ابن مدينته مناف الراوي والي بغداد السابق في التنظيم، ليعمل العراقي في إدارة ولاية بغداد ويطلق عليه حينها «سيف بغداد»، وظلت مسيرته محاطة بالكتمان وبعيدا عن أعين أجهزة الأمن العراقية على ما يبدو الى عام 2014 حيث انتقل الى البوكمال السورية. وتتحدث بعض المصادر عن أن له شقيقا آخر يدعى فراس تم اعتقاله في إدلب قبل ستة شهور على يد هيئة تحرير الشام. وتقول مصادر أخرى إنه انتقل الى أربيل.
كذلك يرتبط زعيم التنظيم بصلة قرابة مع عدة شخصيات مالية في الأنبار، تمتلك مكاتب صيرفة وحوالات مالية في عدة دول مجاورة، اتهمتهم الولايات المتحدة بتمويل تنظيم «الدولة»، وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليهم عامي 2018 و 2019 ، في إطار ما يعرف بشبكة الراوي، وقالت إنهم ضالعون بالتعامل مع تنظيم «الدولة» من خلال «تقديم المساعدة أو الرعاية أو الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو الخدمات المالية الأخرى».

 المعروف أنه لم يكن يوما في اللجنة المفوضة كما لم يعرف عنه أنه مؤهل بالعلم الشرعي ولم يكن من الرعيل الأول أو من قيادات الصف الأول فيما عدا أنه قرشي النسب

وبعد نشر هذه المعلومات ثار النقاش مجددا حول انتقال القيادة بين أمراء التنظيم، وهو أمر كتب عنه الزميلان الخبيران في الجماعات الجهادية حسن حسن ورائد الحامد، وأحاطاه بالكثير من التحليل والبحث، خصوصا بعد الجدل الذي تمحور حول القيادي الصميدعي المعتقل في تركيا منذ شهور. ويقول رائد الحامد إن بشار الصميدعي أو حجي زيد المعتقل في تركيا منذ أواخر مايو/ايار أدلى باعترافات نشرتها جهات رسمية تركية أكد فيها أنه قَبلَ تكليفه بإمارة التنظيم بعد مقتل حجي عبدالله قرداش في فبراير/شباط الماضي. ويضيف الحامد «يبدو الأمر شائكا في التوصل الى الحقيقة. إذا كان حجي زيد هو أمير التنظيم، كما اعترف بنفسه وكما تؤكد الكثير من المصادر،
فهل أن أبو عبد الرحمن العراقي قد عين أميرا بعد اعتقال حجي زيد لكنه احتفظ باللقب نفسه أبو الحسن الهاشمي القرشي؟ هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه. وإذا لم يكن العراقي قد عيّن خلفا لحجي زيد فهذا يقودنا الى استنتاج أن أبو عبد الرحمن العراقي لم يكن أميرا للتنظيم وأنه كما هو في حقيقته والي جنوب سوريا لا أكثر، فالمعروف عنه أنه لم يكن يوما في اللجنة المفوضة كما لم يعرف عنه أنه مؤهل بالعلم الشرعي ولم يكن من الرعيل الأول أو من قيادات الصف الأول فيما عدا أنه قرشي النسب».
ويستند حديث الزميل حامد هنا حول ترجيح أن يكون الصميدعي قد شغل بالفعل منصب «الخليفة» الى نقطتين، احداهما ثابتة والأخرى ما زالت محل شكوك، الثابتة هي الأهلية والمكانة التي تؤهل الصميدعي لتولي هذا المنصب، فالرجل يمتلك من التاريخ والمسيرة مع التنظيم وقبله حتى مع التنظيمات السلفية شمال العراق، ما يجعله المرشح الأول بلا شك، لكن النقطة الثانية التي تبقى محل شك ونقاش، هي الاعتماد على ما نشر عن «اعترافه» في تركيا في موقع صحافي مطلع على لائحة الاتهام التركية، وهو موقع «ميدل ايست أي» المقرب من السلطات التركية، وعندما نأتي للنص الوارد في موقع «ميدل ايست أي» سنجد عبارات غير حاسمة منقولة عن اعترافاته،
والنص الذي نحن معنيون به هو التالي:
«لائحة الاتهام التركية المؤرخة في10 أكتوبر/تشرين الأول، والتي تستند إلى شهادة من داخل «الدولة» الإسلامية ومعلومات أخرى تقول إن الصميدعي هو على الأرجح الرجل المعروف باسم القرشي، الخليفة الثالث للجماعة. وقال الصميدعي للمدعين إنه قبل إمكانية أن يصبح القائد الجديد للجماعة بسبب شعبيته بين المقاتلين، ولأن قلة قليلة من كبار المسؤولين تركوا التنظيم، لكنه أضاف أن الإعلان صدر ضد رغبته».
انتهى نص الموقع، وهنا نلاحظ نقطتين: الأولى أن لائحة الاتهام التركية تستخدم عبارة «على الأرجح» أنه متهم بقيادة التنظيم، النقطة الثانية هي أن الصميدعي استخدم عبارة أنه «قَبلَ إمكانية» أن يصبح القائد الجديد، وقد يكون عنى بعبارة «قبل إمكانية» أي أنه قبل «الترشيح» للمنصب، ومن ثم تأتي عبارة «الإعلان صدر ضد رغبته» وهي عبارة أكثر وضوحا على أنه يقصد إعلان مبايعته. وهكذا فإن النص الوارد نقلا عن اعترافاته لا يبدو حاسما، خاصة إذا أضفنا هذه العبارات الغير منسجمة تماما، والتي تقفز من «على الأرجح» الى «قبل إمكانية» الى «الإعلان صدر ضد رغبته» في شهادته، الى أن الرئيس التركي ووكالة الأناضول الرسمية ظلت تصفه بالقيادي في داعش، حتى بعد شهرين من التحقيق معه، ولم تطلق عليه ابدا وصف قائد «داعش». والأهم من هذا أن قضية استقصاء موقع الصميدعي لا يمكن أن تحسم تماما اعتمادا على ما ورد في الموقع الذي سرد اعترافاته بدون صدور ما يؤكد ذلك من مصادر التنظيم المعتمدة والتي عادة ما تعلن الأسماء الحقيقية لقياداتها، وإن بعد فترة، والإشكال هنا أن مجلة «النبأ» أنكرت بل ونفت أن يكون الصميدعي هو «الخليفة»، ولكن بالمقابل تبدو مصداقية إعلام التنظيم مؤخرا مهتزة، خصوصا مع فقدانه ثلاثة من الأمراء بشكل متلاحق، وقد يكون من الممكن أيضا أن التنظيم تخلص من الإحراج باعتقال «خليفته» بتعيين آخر وإنكار موقع الصميدعي. كل هذه احتمالات تبقى مطروحة، وما يجعل من الصعب البت فيها هو شحة المصادر الموثوقة المقربة من الصفوف الأولى من التنظيم مع انقراض جيل كامل من كوادره ونخبه، ليبقى الاعتماد على قيادات معتقلة تدلي باعترافات عند أجهزة الأمن العراقية أو غيرها من الأجهزة، وهي اعترافات، وإن كانت توفر مادة غنية وصحيحة في كثير من حيثياتها، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها بالكامل ولا يمكن الركون لدقتها بالكامل خاصة أن كوادر التنظيم مدربون على إطلاق اعترافات مزيفة معدة للتحقيقات.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)