كيف تؤثِّر المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا على قدرات واشنطن العسكرية؟

profile
  • clock 20 مايو 2022, 4:20:41 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

مع دخول الحرب الروسية–الأوكرانية شهرها الثالث، جعلت الولايات المتحدة من دعم أوكرانيا أولوية أمنية، وهو ما أسفر عن تضخم حجم المساعدات العسكرية الموجهة إليها، لتُعَد حاليّاً أكبر مُتلقٍّ للمساعدات العسكرية الأمريكية حول العالم، وهي المساعدات التي تنوَّعت صورها، لتشمل الأسلحة، ورواتب المسؤولين العسكريين، بجانب أشكال أخرى من المعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي والتدريب. وقد أثار ذلك تساؤلات عن تداعيات تلك المساعدات على الجيش الأمريكي بين مَن يدفع بتعدُّد تداعياتها الإيجابية ومَن يحذر من مخاطرها المحتملة.

الآثار الإيجابية

ساهمت المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في دفع وتعزيز الصناعات العسكرية الأمريكية؛ وذلك على النحو الآتي:

1– تزايد تصنيع طائرات “الشبح”: لقد أثبتت صناعة السلاح الأمريكية إمكانية التعويل عليها لانتشال الاقتصاد الأمريكي من كبوته، حتى بات نمو المجمع الصناعي–العسكري من أهم أهداف إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”. وفي هذا الإطار، عمل سلاح الجو الأمريكي على تصنيع الطائرات المُسيَّرة التي يُطلق عليها “الشبح” التي دخلت في صفقة أسلحة جديدة بقيمة 800 مليون دولار لأوكرانيا، وهي الطائرات التي تبرز أهميتها بالنظر إلى قدرتها على الاستجابة للاحتياجات الأوكرانية من ناحية، وتماثُل قدرتها مع قدرات الطائرات من دون طيار المُسلَّحة المعروفة باسم “سويتش بليد” التي استهدفت القوات الروسية من ناحية ثانية.

2– دعم شركات الأسلحة الأمريكية: لقد استخدمت أوكرانيا صواريخ “ستينجر” و”جافلين” بجانب الطائرات من دون طيار، مثل طائرات “بيرقدار” التركية، و”سويتش بليد” الأمريكية بفاعلية دون الحاجة إلى الاقتراب من أهدافها؛ لذا من المتوقع أن تسفر الحرب الروسية–الأوكرانية عن تضاعف ثروات شركات الأسلحة الأمريكية، مثل “رايثيون” و”لوكهيد مارتن”، في ظل مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية لوزارة الدفاع الأمريكية (USAI)، وبرنامج التمويل العسكري الخارجي التابع لوزارة الخارجية، اللذين يُمولِّان شراء الأسلحة الأمريكية، وكذلك تعدُّد العقود المُوقَّعة لإمداد صاروخ “ستينجر” المضاد للطائرات وصاروخ “جافلين” المضاد للدبابات، وهما الصاروخان اللذان قدَّمتهما واشنطن بالآلاف إلى أوكرانيا.

3– رفع كفاءة عمليات التدريب: تتولَّى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” تدريب القوات الأوكرانية في منشآت عسكرية أمريكية بألمانيا، وهي الجهود التي تعتمد على التدريب الأوَّلي على المدفعية الذي تلقَّته القوات الأوكرانية بالفعل، وستشمل أيضاً التدريب على استخدام أنظمة الرادار والمركبات المُدرَّعة التي أُعلن عنها مؤخراً بوصفها جزءاً من حزمة المساعدة العسكرية لأوكرانيا؛ إذ تُعَد ألمانيا واحدة من 3 مواقع تستخدمها الولايات المتحدة لتدريب الأوكرانيين خارج بلادهم. وفي هذا السياق، تتولَّى قوات الحرس الوطني الأمريكية الجزء الأكبر من تدريب الجنود الأوكرانيين.

4– تحسين عمليات الشحن والتدقيق: يتولَّى الجيش الأمريكي مهمة إعداد الشحنات العسكرية، لا سيما مدفعية “هاوتزر”، استعداداً لإرسالها إلى أوكرانيا. وفي سياق متصل، نشر الجيش الأمريكي في أوائل مايو الجاري مقاطع فيديو لعملية شحن تلك المدفعية من عيار 155 ملليمتراً على متن طائرات C17 تمهيداً لوصولها إلى القوات الأوكرانية، كما يتولى الجيش الأمريكيالفحوصات النهائية لناقلات الأفراد المُدرَّعة من طراز إم 113. وقد تعدَّدت بالفعل مقاطع الفيديو التي تُوضِّح كيف يقوم أفراد الحرس الوطني بفحص وتجهيز ناقلات الجنود قبل شحنها إلى أوكرانيا.

5– اختبار الصواريخ فرط الصوتية: في منتصف مايو الجاري، أعلن سلاح الجو الأمريكي عن إجراء اختبار ناجح لصاروخ فرط صوتي تفوق سرعته سرعة الصوت، بعد إطلاقه بنجاح من قاذفة قنابل طراز “بي–52” قبالة سواحل جنوب كاليفورنيا؛ إذ تفوق سرعة الصاروخ المُختبَر سرعة الصوت، كما يستخدم صاروخاً معززاً لزيادة سرعته لتصل إلى خمسة أمثال سرعة الصوت. وقد عانى برنامج الأسلحة بالقوات الجوية الأمريكية من ثلاثة إخفاقات في اختبار هذا الصاروخ سلفاً من جراء عيوب تقنية أسفرت عن تأجيله. وقد ركَّز “البنتاجون” بدرجة متزايدة على تطوير الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بعد أن أصبحت روسيا هي أول دولة على الإطلاق تستخدم ذلك النوع من الأسلحة عندما أطلقت صواريخ “إسكندر” و”كينزال” على أوكرانيا.

الآثار السلبية

ويترتَّب على المساعدات العسكرية الأمريكية جملة من التداعيات السلبية التي يمكن الوقوف عليها على النحو الآتي:

1– استنزاف مخازن البنتاجون: قد تسفر المساعدات العسكرية الأمريكية – بما في ذلك شحنات الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا – عن استنزاف الترسانة العسكرية القابعة في المخازن الأمريكية التي قد تتزايد الحاجة إليها حال تصاعد التوتر مع إيران أو الصين أو كوريا الشمالية على سبيل المثال؛ إذ تقلع الطائرات الأمريكية بوتيرة شبه يومية من قاعدة “دوفر” الجوية في ولاية ديلاوير وهي محملة بصواريخ “جافلين” و”ستينجر” ومدافع “هاوتزر” وغيرها من الأسلحة التي تُنقل إلى أوروبا الشرقية؛ ما يعني أن استمرار الحرب لفترات أطول قد يُقوِّض قدرة الولايات المتحدة على شحن كميات هائلة من الأسلحة إلى أوكرانيا مع المحافظة في الوقت نفسه على مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة الذي قد تحتاجه مستقبَلاً.

2– نقص صواريخ “جافلين” و”ستينجر”: وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قدَّمت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 7 آلاف صاروخ “جافلين” إلى أوكرانيا، وهو ما يعادل ثلث مخزونها تقريباً، كما أرسلت ما يعادل ربع مخزونها من صواريخ “ستينجر”. وبالنظر إلى محدودية إنتاج كلا الصاروخَين في السنوات القليلة الماضية، يواجه المخزون من كلَيهما مشكلة حقيقية. وفي هذا الإطار، قال السيناتور الجمهوري “توم كوتون” خلال إحدى جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ إن “من المقلق للغاية أن التقارير أشارت إلى أن الولايات المتحدة قدَّمت ما يتراوح بين ربع وثلث مخزونها من جافلين وستينجر إلى أوكرانيا”، فيما أفاد مساعد وزير الاستحواذ واللوجستيات والتكنولوجيا “دوج بوش” بأن القاعدة الصناعية الأمريكية ستكون قادرة على استعادة مخزوناتها من كلا الصاروخَين، ولكن هذا لن يحدث على الفور.

3– تنامي الفجوة بين العرض والطلب: أكد “جريج هايز” الرئيس التنفيذي لشركة “رايثيون تكنولوجيز”، أن شركته التي تصنع أنظمة الأسلحة لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج حتى العام المقبل؛ بسبب نقص قطع الغيار؛ فعلى الرغم من تزايد أرباح الصناعات الدفاعية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، يواجه مقاولو الدفاع التحديات التي تعاني منها سلاسل التوريد (ومنها نقص العمالة، وتقادُم قطع الغيار، وغير ذلك)، وهي التحديات التي يواجها المُصنِّعون الآخرون؛ لذا يعمل البنتاجون مع مقاولي الدفاع على تقييم خطوط إنتاج أنظمة الأسلحة لمجابهة الاختناقات المحتملة في كل مرحلة من مراحل عملية التصنيع، بجانب دراسة الخيارات المتاحة لتعزيز إنتاج الصواريخ المطلوبة.

4– تزايد تكلفة تجديد المخزون: أدرجت الإدارة الأمريكية التمويل اللازم في مشروع قانون أوكرانيا التكميلي لتجديد المخزون الأمريكي من الأسلحة المستنفدة، على الرغم من تزايد تكلفة ذلك. وعليه منح البنتاجون عقوداً بقيمة 309 ملايين دولار لتمويل 1300 صاروخ مضاد للدبابات لإعادة ملء المخزون الأمريكي. وبالإضافة إلى أنظمة “جافلين” التي تهدف إلى استبدال تلك المرسَلة إلى أوكرانيا، فإن الصفقة التي بلغت قيمتها 238 مليون دولار، والتي تم الإعلان عنها في 6 مايو الجاري، بجانب تلك التي بلغت قيمتها 71 مليون دولار والتي تم الإعلان عنها في 12 مايو الجاري، تشمل أيضاً طلبات العملاء الدوليين، ومنهم النرويج وألبانيا ولاتفيا وتايلاند.

5– حدوث نقص في التمويل: تأمل شركة “لوكهيد مارتن” زيادة إنتاجها من صاروخ “جافلين” من 2100 إلى 4000 وحدة سنوياً. ومع ذلك لا يمكن الجزم بشأن إذا ما كانت الأموال المُقدَّمة لها ستُمكنها من توسعة مرافق الإنتاج الخاصة بها أو شراء مواد إضافية من الموردين؛ إذ سيتطلَّب ذلك تمويلاً خاصّاً. وبالتوازي مع ذلك، من المُحتمَل أن يفتقر البنتاجون إلى 5.7 مليار دولار، وهو المبلغ المرغوب لتمويل 126 مشروعاً عبر مختبرات ومنشآت الاختبار التابعة للخدمات العسكرية التي تم استبعادُها من طلب ميزانية العام المالي 2023 للبناء العسكري.

استنزاف حادٌّ

وختاماً.. مع تزايد حجم المساعدات العسكرية الأمريكية المُقدَّمة إلى أوكرانيا، وبناءً على تقارير وزارة الدفاع نفسها، من المُحتمَل أن يتعرَّض مخزون الولايات المتحدة الاستراتيجي من الأسلحة لاستنزاف حادٍّ قد يستغرق إعادة مَلئِه ما لا يقل عن 12 شهراً، كما قد يستغرق تجديد المخزون الاستراتيجي نحو 32 شهراً. وعلى الرغم من المليارات التي تتكبَّدها الولايات المتحدة لتخصيص المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، يرى “بايدن” أن تكلفة التوقُّف عن إرسال تلك المساعدات ستفوق تكلفة إرسالها.

 

المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)