صادق الطائي يكتب: العراق: متى يتحرك مقتدى الصدر؟

profile
  • clock 6 مارس 2023, 3:28:31 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

منذ أن انسحب نواب التيار الصدري من البرلمان العراقي، منتصف العام الماضي، ومتابعو الشأن العراقي ينظرون بعين الترقب إلى احتمالية حراك التيار الصدري، اعتراضا على أداء حكومة محمد شياع السوداني، التي شكلتها قوى الإطار التنسيقي، التي استثمرت انسحاب نواب التيار من البرلمان لتحول خسارتها الكبيرة في انتخابات أكتوبر 2021 التي طعنوا في نزاهتها، إلى نصر سياسي تمكنت من خلاله الأحزاب الولائية أن تسيطر على البرلمان والحكومة مع شركائهم من الكتل السنية والكردية بعد أن عزلوا وحيّدوا الصدريين سياسيا، لأول مرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما.

دعت أصوات صدرية عديدة إلى تحشيد وتحرك جماهيري احتجاجا على عمليات التصويت، التي يراد بها تمرير تغيير قانون الانتخابات في البرلمان العراقي

توقعات المراقبين كانت تتمحور حول احتمالية نفاد صبر مقتدى الصدر السريع، وعدم تحمله التهميش الذي طاله وأنصاره ومؤيديه، وبالتالي اللجوء للشارع وتحريكه مرة أخرى، وهي اللعبة التي يتقنها بحذاقة تفوق كل الطبقة السياسية، والنتيجة ستكون وضع حكومة محمد شياع السوداني أمام خيارات صعبة لا تقوى على مواجهتها، وربما تؤدي إلى استقالتها، كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي.
بعد أكثر من مئة يوم من عمر حكومة السوداني، سجل المراقبون عدة أزمات لم تقو على مواجهتها، فهنالك الأزمة الاقتصادية، وما شكله سعر صرف الدولار من تحد، وعدم إمكانية مواجهة مافيات الفساد بشكل جدي، وهنالك التوترات الأمنية، وعودة الاغتيالات التي طالت ناشطين وصحافيين وأطباء في عدد من مدن العراق، بالإضافة إلى الأزمات المزمنة التي ورثتها حكومة السوداني من الحكومات السابقة، والمتمثلة بتدهور الخدمات، وتفاقم البطالة، وعدم القدرة على دعم قطاعات الدخل القومي المختلفة كالزراعة والصناعة، واعتماد موازنة الدولة على البترول بشكل شبه تام، وبالتالي الدخول في نفق تذبذب أسعار النفط العالمية، وتأثيرها المباشر على سياسات الموازنة السنوية للبلد، لذلك صرّح مسؤول حكومي إعلامي بعد أن حضر الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء، «إن السوداني يكافح بصعوبة من أجل عدم إيقاظ التنين» في إشارة للتيار الصدري الذي يترقب اللحظة المناسبة ليتحرك، لكن الأزمات لم تحرك الشارع الصدري بشكل فعلي حتى الآن، وقد عزى بعض المقربين من التيار ذلك إلى وجود خلافات داخل البيت الصدري، لم تطفُ على السطح بعد، وإن المسعى الآن يتمثل في محاولة مقتدى الصدر والقيادات الشابة المحيطة به، من بيت الصدر، إحكام قبضتهم على الهيئة السياسية للتيار أولا، ليتمكنوا بعد ذلك من إطلاق حراك شارعهم ضد خصومهم السياسيين وهم متأكدون من طاعة أتباعهم، من دون وجود احتمال حدوث انشقاقات في التيار. كل التكهنات اليوم تصب في احتمالية عودة الحراك الصدري بعد شهر رمضان، أي نهاية شهر نيسان/أبريل المقبل، لكن هناك عددا من المؤشرات قرأت على أنها مقدمات لهذا الحراك، إذ مثّل رفض التيار المدني لتغيير قانون الانتخابات البرلمانية، الذي يرى أن مسعى العودة إلى قانون الانتخابات القديم يمثل عملية إقصاء سياسي تنفذها القوى الولائية المقربة من طهران، والمتمثلة بالدفع باتجاه العودة إلى نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، بدلاً من الدوائر المتعددة، واحتساب الأصوات وفقاً لطريقة «سانت ليغو»، خلافاً لمفهوم الفائز هو من يحصل على أكثر عدد من الأصوات، والتي تم اعتمادها في الانتخابات الأخيرة.
ويرى منقذ داغر، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤسسة «غالوب» الدولية، أن عودة الصدر للحراك السياسي «ستكون مرتبطة بالظروف المناسبة على الساحة السياسية، التي ربما ستدفعه إلى العودة بشكل أشد من السابق، لذلك هو يختار حالة السبات السياسي والمراقبة في الوقت الراهن». وعلى الجانب الآخر يبدو أن مناوئي الصدر من الجماعات الموالية لإيران «يدركون أن الصدر سيقطع العزلة السياسية في أية لحظة»، ويشير داغر إلى أن هذا الأمر هو ما دفع قوى الإطار التنسيقي إلى «القيام بحملة اجتثاث كبيرة لمناصري الصدر والكاظمي في مؤسسات الدولة لتثبيت أيديهم على المفاصل الأساسية في الحكومة». وبالعودة إلى أزمة استعمال طريقة «سانت ليغو» في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية، وحسب شروح الباحثين وفقهاء القانون الدستوري، يتم اعتماد آلية «سانت ليغو» في توزيع أصوات الناخبين في الدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وإن أصلها هو تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. لكن في العراق تم اعتماد القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهذا الأمر جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الفرديين من المستقلين والتيارات المدنية الصغيرة. لذلك مثلت العودة إلى آلية «سانت ليغو» خطوة تصعيدية مناسبة حركت الشارع التشريني، الذي يعتبر تغيير قانون الانتخابات أحد المكتسبات القليلة التي حققتها انتفاضة تشرين، وبالتالي فإن تغيير قانون الانتخاب يمثل ضربة ستوجهها القوى الولائية لهذا المكسب. وقد صوت مجلس النواب في جلسته ليوم 27 شباط /فبراير على تأجيل القراءة الثانية ومناقشة مقترح قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 إلى جلسة يوم السبت 5 آذار/مارس بناء على طلب مقدم من 55 نائبا، وقامت القوات الأمنية العراقية بإغلاق جسر الجمهورية وسط بغداد، والطرق المؤدية إلى مبنى مجلس النواب من جهتي كرادة مريم ووزارة الخارجية، تحسبا لخروج تظاهرة رافضة لتعديل قانون الانتخابات المحلية المقررة نهاية العام الجاري. ودعت أصوات صدرية عديدة إلى تحشيد وتحرك جماهيري احتجاجا على عمليات التصويت، التي يراد بها تمرير تغيير قانون الانتخابات في البرلمان العراقي، إذ نشر حاكم الزاملي القيادي في التيار الصدري، على صفحته في فيسبوك مقطعاً مصوراً لممثل المرجعية الدينية عبد المهدي الكربلائي وكتب عليه: «لا للقائمة المغلقة، لا للدائرة الواحدة». كما صرح مسؤول في الهيئة السياسية للتيار الصدري إعلاميا بالقول: إن» التيار سيكون له موقف إذا أصرت القوى السياسية على تمرير مشروع القانون الانتخابي وفق المقترح المقدم أمام مجلس النواب». وكشف أن «العودة لقانون الانتخابات السابق وفق آلية سانت ليغو، مرفوضة ليس فقط من قبل الصدريين، بل من قبل تنسيقيات تشرين والقوى الناشئة الجديدة». وكان لتحرك سرايا السلام، الجناح المسلح للتيار الصدري، يوم الاثنين 27 فبراير، والانتشار في المطعم التركي، قرب جسر الجمهورية المؤدي للمنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، أثر ملحوظ في زيادة التوتر الامني والسياسي في العاصمة بغداد، وبينت تعليقات رسمية عراقية: أن «قوات سرايا السلام انتشرت داخل المطعم وسيطرت عليه بشكل كامل، وأن خطوة السرايا كانت استباقية لمنع دخول أي قوة أخرى غيرها داخل المكان». وأوضح المصدر، أن «انتشار قوات السرايا، داخل المطعم التركي الذي يمثل المكان الرمزي لاحتجاجات تشرين في العراق عام 2019 جاء لحماية المتظاهرين الرافضين لتغيير قانون انتخابات المحافظات الذي يراد تغييره والعودة إلى سانت ليغو». والنتيجة التي يعيشها الشارع العراقي اليوم هي بقاء السيناريوهات مفتوحة أمام الحراك المقبل للتيار الصدري الذي سيكون مرهوناً بطبيعة المتغيرات ولحظة الإعلان عن العودة للممارسة السياسية. وإن انتظار انتهاء شهر رمضان ليس ببعيد.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)