رغدة البهي تكتب: قصور القوة: لماذا تصاعدت مطالب تحديث الدفاع الجوي الأمريكي عقب حادث البالون الصيني؟

profile
  • clock 25 فبراير 2023, 3:09:00 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

سلط حادث المنطاد الصيني – الذي أسقطته القوات الأمريكية فوق أراضي الولايات المتحدة بداية شهر فبراير الجاري – بجانب توغل طائرات مجهولة، وظهور وإسقاط ثلاثة أجسام كانت تُحلِّق في المجال الجوي لأمريكا الشمالية؛ الضوء على عدد من مَواطن الخلل التي تعتري أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي، في ظل تعدد التحديات التي تُقوِّض فاعلية القيادة الشمالية الأمريكية (Northern Command) وقيادة الفضاء الأمريكية الشمالية (NORAD) التي تُعَد منظمة ثنائية القومية بقيادة الجيشَين الأمريكي والكندي، وهو ما أبرز أهمية تفعيل عمليات تبادل المعلومات الاستخبارية التي تُعَد جوهر عمليات الدفاع الجماعي/المشترك، بجانب ضرورة تحديث قدرات الدفاع الجوي الأمريكي الذي تباطأت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في تحديثه إلى حد بعيد، وهو الأمر الذي سبق أن أشار إليه الجنرال “جلين فانهيرك” (قائد قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية) في العام الماضي، حين أكد وجود ما يشبه “فجوة الوعي” التي ترجع في المقام الأول إلى صعوبة مواكَبة التطورات العسكرية المتلاحقة.

تحديات بارزة

تتعدَّد التحديات التي تواجه قدرات الدفاع الجوي الأمريكي لتشمل التقادم التكنولوجي، وتنامي القدرات الصينية والروسية، وصعوبة رصد المنطاد الصيني، وعدم تحديد ماهية بعض الأجسام المجهولة الهوية، وهو ما يمكن الوقوف عليه تفصيلاً من خلال النقاط التالية:

1– عدم القدرة على رصد البالون الصيني: على الرغم من وجود مركز العمليات الضخم في قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية، الذي يضم شاشات فيديو ضخمة، وغرف تحكم معنية في الأساس بمراقبة المجال الجوي فوق الولايات المتحدة وكندا وما يحدث في الدول الأجنبية، لا سيما الدول المعادية، بجانب مراقبة الطرق البحرية للولايات المتحدة وكندا، والبحث عن أي تهديدات محتملة؛ فإنها لم تتمكن من التقاط المنطاد الصيني الذي يُضاهِي في حجمه مبنى مُكوَّناً من 10 طوابق.

وقد أرجعت بعض التحليلات ذلك إلى طبيعة الرادارات والأقمار الصناعية المستخدَمة لمراقبة أجزاء بعينها من العالم، التي تركز على أنواع معينة من التهديدات، وبخاصة الطائرات والصواريخ، دون أن تولي اهتماماً بالأجسام الأصغر حجماً مثل مناطيد الطقس أو مناطيد التجسس التي تجد الرادارات صعوبة في التقاطها. ومن ثم، فإن الرادارات الأمريكية كانت قادرة على التقاط الأقمار الصناعية وعمليات إطلاق الصواريخ دون التقاط المنطاد الصيني.

2– معضلة تقادُم التكنولوجيا المستخدَمة: تعتمد القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الفضاء الأمريكية الشمالية على ما يسمى نظام الإنذار الشمالي، وهو عبارة عن مجموعة من الرادارات قصيرة/طويلة المدى في شمال كندا وألاسكا بجانب أماكن أخرى، وهي الرادارات التي وضعت في أماكنها في أواخر الثمانينيات؛ ما يعني أن التكنولوجيا الأمريكية المستخدمة إنما تعود جذورها إلى عقود عدة مضت على نحو يدلل على تقادم بعضها من ناحية، وأن قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية لا تملك المتطلبات التكنولوجية اللازمة للدفاع الناجع عن أمريكا الشمالية من ناحية ثانية. ولا شك في صعوبة تحديث هذه الأنظمة بالنظر إلى ارتفاع تكلفتها وبخاصة مع دعم الأقمار الصناعية والاستخبارات الأمريكية اللازم لها، ناهيك عن وجود الرادارات في ظروف تشغيل قاسية تلعب العوامل الجغرافية دوراً بارزاً فيها.

3– تراجع وتيرة التحديث العسكري: منذ إنشاء قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية رسمياً في عام 1958، تخضع لبرنامج تحديث يحرز تقدماً بطيئاً بمرور السنين. وفي هذا السياق، وصفت وزيرة الدفاع الوطني الكندية “أنيتا أناند” – خلال زيارة قامت بها في 10 فبراير الجاري إلى البنتاجون – مسألة تحديث أنظمة الدفاع الجوي بأنها أولوية قصوى. وعليه تأمل الحكومة الكندية أن تتلقى مزيداً من الدعم السياسي الأمريكي عندما يزور الرئيس “جو بايدن” أوتاوا للقاء رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” في شهر مارس المقبل، وهو ما يمكن فهمه بالنظر إلى النسبة التي تُخصِّصها الدولتان لتحديث أنظمة قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية التي تبلغ 60% في حالة الولايات المتحدة و40% في حالة كندا.

4– تنامي قدرات الخصوم: تواجه قدرات الدفاع الجوي الأمريكي مجموعة واسعة من التهديدات التي نمت بسبب التطور المستمر في قدرات الدفاع الجوي الصيني والروسي، واستثمار كل من الصين وروسيا بكثافة في مجال الأسلحة فرط الصوتية، بجانب الأسلحة السيبرانية. ومع تنامي قدرات هذين الخصمين، تتزايد أهمية تكثيف الجهود الاستخباراتية لمجابهتها، بيد أنه في اتجاه مضاد لذلك، أبرزت أزمة المنطاد الصيني صعوبة مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين جهازَي الاستخبارات الكندي والأمريكي من جراء الطابع الثنائي للقيادة الشمالية الأمريكية.

5– طول أمد التحقيقات في حوادث الأجسام الطائرة: تحقق الولايات المتحدة وكندا في الأجسام الطائرة المجهولة الهوية فوق ألاسكا وكندا وميتشيجان، التي أسقطتها الطائرات المقاتلة الأمريكية مؤخراً؛ الأمر الذي تطلَّب تعديلات واسعة في أنظمة الرادارات لرصد بعض الحوادث غير المبررة بالقرب من القواعد العسكرية في السنوات الأخيرة. ومن ذلك – على سبيل المثال – ما رصده مسؤولون عسكريون من ومضات ضوئية للرادار فوق مونتانا وويسكونسن وميتشيجان.

وقد أوضحت تحقيقات الكونجرس والاستخبارات الأمريكية طول أمد عمليات التحقيق في حالات اختراق المجال الجوي الأمريكي، بل صعوبة الجزم بمصدرها على وجه الدقة؛ إذ لم يستبعد المسؤولون الأمريكيون احتمالات وقوع مزيد من الحالات التي قد تتسبب فيها الصين أو قوى أجنبية أخرى. ومن ذلك – على سبيل المثال – الجسم الذي رُصد بالقرب من بحيرة هورون وهو يطير على ارتفاع 20 ألف قدم على نحو يشكل تهديداً محتملاً للطيران المدني، إلى أن أمر “بايدن” بإسقاطه. وفي تقرير عام صدر الشهر الماضي، قالت أجهزة المخابرات إنه من بين 366 حادثة غير مفسرة، تم تحديد 163 فيما بعد على أنها مناطيد.

أوجه الإصلاح

تدور الإصلاحات المقترحة لقدرات الدفاع الجوي الأمريكي، مدفوعة بتوجهات الرئيس “بايدن” والكونجرس الأمريكي، حول النقاط التالية:

1– تحديث أنظمة الرادارات الأمريكية: إن تفعيل قدرات الدفاع الجوي الأمريكي إنما يتطلب تفعيل الإنذار الفضائي والدفاع الجوي والإنذار البحري من خلال استخدام تقنيات متطورة متمثلة في أجهزة استشعار جديدة، وتحديداً أحدث أنظمة الرادار على تعاقب أجيالها؛ فعلى الرغم من تعدد تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي أكدت ضرورة إجراء ذلك التحديث منذ عام 2021، تباطأت عمليات التحديث على النحو السالف ذكره.

ومن ثم، تتزايد أهمية تحسين قدرات مختلف الرادارات الأمريكية التي سيتم جمع بياناتها وتحليلها ومشاركتها في قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية في كولورادو لتأمين المجال الجوي الأمريكي على نحو أفضل؛ فمن شأن تعديل أنظمة الرادار، أن يضمن تفعيل قدرة الولايات المتحدة على اكتشاف بعض التهديدات التي يصعب الكشف عنها في ظل أنظمة الرادارات الراهنة، مدفوعة بالوعي والغضب الناجمَين عن المنطاد الصيني.

2– مجابهة مختلف التهديدات غير التقليدية: تنطلق عمليات الإصلاح الأمريكية المرتقبة من تعدُّد التهديدات غير التقليدية التي يجب الاهتمام بها جميعاً بصورة متزامنة؛ ما يعني ضرورة تفعيل عمليات الرقابة والاستشعار في مختلف المجالات، بما في ذلك الفضاء والبحر والأرض والجو، مع اهتمام مُوازٍ بالتهديدات السيبرانية؛ إذ تتمثل مهمة قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية في اكتشاف وردع أي تهديدات محتملة والتغلُّب عليها.

3– تكثيف العمليات في منطقة القطب الشمالي: في ظل تحوُّل منطقة القطب الشمالي إلى ساحة دولية مفتوحة للتنافس الاستراتيجي، بات لزاماً تفعيل قدرات الدفاع الجوي الأمريكي لإثبات جاهزيتها واستعدادها للدفاع عن كندا والولايات المتحدة في بيئة القطب الشمالي ذات الظروف الجوية الصعبة. ولعل العمليات التي أجرتها قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية في مواقع متعددة في القطب الشمالي، لا سيما عملية “نوبل ديفندر” بين يومي 15 و31 يناير 2023، إنما تدلل على قدرة الولايات المتحدة على إجراء عمليات فوق الدائرة القطبية الشمالية، على الرغم من الظروف الجوية القاسية من ناحية، وكذا تفعيل مفهوم التكامل مع شركاء القطب الشمالي الرئيسيين للدفاع عن أمريكا الشمالية من ناحية ثانية.

4– تخصيص مزيد من الموارد المالية: طالب عدد من المُشرِّعين الأمريكيين بضرورة زيادة الميزانية المُخصَّصة لتحديث أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي، وإن أعربوا عن إحباطهم من جراء دخول ما سمَّوها “الأجسام المنخفضة التقنية ذات الأصول الغامضة” المجال الجوي لأمريكا الشمالية، على الرغم من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على الدفاعات الأمريكية المتطورة؛ فعلى خلفية الإحاطة السرية التي قدَّمتها إدارة “بايدن” لأعضاء مجلس الشيوخ حول الأجسام المجهولة الهوية، تعهَّد كثير من المشرعين بمراجعة ميزانية وقدرات قيادة الفضاء الأمريكية الشمالية لسد الثغرات التي تكشفت على صعيد مراقبة المجال الجوي الأمريكي. وفي هذا الإطار، أكدت سيناتور ولاية مين “سوزان كولينز” – على سبيل المثال – أن لجنة الاعتمادات واللجان الفرعية للإنفاق الدفاعي، ستنظر في الثغرات الناتجة عن نقص المعدات أو أجهزة الاستشعار أو الرادارات.

5– جمع مزيد من المعلومات الاستخبارية عن الخصوم: عقاب المنطاد الصيني، تدرك الولايات المتحدة أهمية وضرورة الوقوف على قدرات الخصوم التكنولوجية، لا سيما تلك التي قد تخترق المجال الجوي الأمريكي، ناهيك عن الوقوف على طبيعة المعلومات الاستخبارية التي تمكَّنت الصين من جمعها عن الولايات المتحدة ذات الصلة بقدرات الرادارات الأمريكية وأنظمة الإنذار المبكرK كما تتزايد أهمية الوقوف على الكيفية التي تدرك بها كل من الصين وروسيا قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخباراتية، بل مدى سرعة استجابتها وقدرتها على التدخل.

6– تكثيف الدراسات المتخصصة: وجه الكونجرس بضرورة تكثيف الدراسات الاستراتيجية المتخصصة التي يجريها كل من البنتاجون ووكالات الاستخبارات؛ للوقوف على الحوادث غير المبررة بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية في السنوات الأخيرة. ومن شأن تلك الدراسات أن تسلط الضوء على ما يسميها مجتمع الاستخبارات “الظواهر الجوية غير المحددة”، بجانب تقييم التدريبات العسكرية ومراجعة القواعد العسكرية الأمريكية.

ويُلاحَظ في هذا الصدد، أن بعض المشرعين الأمريكيين بدؤوا يطرحون مقترحات تشريعات لتعزيز القدرة على تحديد ماهية الأجسام الطائرة المجهولة؛ فعلى سبيل المثال، يعمل السيناتور الديمقراطي بولاية أريزونا “مارك كيلي” على تشريع يتطلب من بالونات الطقس حمل أجهزة إرسال واستقبال يمكن أن تتواصل مع أنظمة التحكم في الحركة الجوية؛ لتحديد هوية البالونات وتمييزها عن الأجسام الغامضة،

7– تفعيل أنظمة الرصد المبكر والاستباقي: أكد حادث البالون الصيني مركزية آلية الإنذار المبكر وضرورة امتلاك أنظمة فعالة للرصد البكر والاستباقي تسمح للولايات المتحدة بمجابهة التهديدات قبل أن تصل إلى داخل الأراضي الأمريكية؛ فالبالون الذي أثار الأزمة مع الصين وصل إلى الولايات المتحدة عبر كندا، كما أن هناك تقارير ظهرت خلال الأيام الماضية بأن ثمة بالوناً آخَر كان يمر عبر أمريكا اللاتينية. هذه المسارات المحتملة لحركة الأجسام الطائرة، من الشمال والجنوب، تفرض على واشنطن تفعيل آليات الرصد المبكر مع دول الجوار، والعمل على تلافي مشكلات التنسيق والتعاون مع هذه الدول، التي كشف عنها حادث البالون.

وختاماً، لقد كشف المنطاد الصيني النقاب عن أوجه القصور في أنظمة الإنذار الأمريكية والرادارات وأجهزة الاستشعار في أمريكا الشمالية، وأوضح الصعوبات التي كافحت الولايات المتحدة لمجابهتها، بيد أنه دفع عملية الإصلاح قدماً كي تشهد الولايات المتحدة استثمارات مكثفة في أنظمة الرادارات الحديثة للتصدي الناجع لمختلف التهديدات المحتملة، بل مجابهة التحديات الاستراتيجية التي تفرضها كل من الصين وروسيا على نحو أفضل.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)