رغدة البهي تكتب: تحركات مضادة: هل يفقد "ترامب" شبكات التمويل الانتخابي الداعمة للجمهوريين؟

profile
  • clock 17 فبراير 2023, 5:08:16 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

يواجه الرئيس الجمهوري السابق “دونالد ترامب” معضلة تمويلية كبرى؛ إذ لم يؤكد عدد من كبار مانحيه في عامَي 2016 و2020 موقفهم من تمويله بعد، وهو ما ينصرف إلى بعض المانحين على غرار “أندي سابين” و”ستيفن شوارزمان” الرئيس التنفيذي لشركة (Blackstone) و”كين جريفين” الرئيس التنفيذي لشركة (Citadel)، و”تحالف الفرص الأمريكي” (American Opportunity Alliance) بقيادة الملياردير “بول سينجر”، كما تخطط المجموعتان الجمهوريتان المعروفتان باسم “أمريكيون من أجل الازدهار” (American for Prosperity) و”نادي النمو” (The Club for Growth) لضخ ملايين الدولارات من أجل منعه من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري.

توجهات المانحين

يمكن الوقوف على موقف أبرز شبكات التمويل الجمهورية من “ترامب” من خلال النقاط التالية:

1– البحث عن بديل محتمل لـ”ترامب”: لقد أعلنت المجموعة المحافِظة “أمريكيون من أجل الازدهار” التي أسَّستها أسرة “كوش” (وتحديداً المليارديرَين “تشارلز جي” و”ديفيد إتش كوخ”) أنها ستدعم مرشحاً محدداً بحلول نهاية الصيف. أما المجموعة المحافِظة المعروفة باسم “نادي النمو” المناهضة للضرائب والمتحالفة سابقاً مع “ترامب” والمقربة من عدة مرشحين محتملين، فمن غير المرجح أن تتفق على مرشح بعينه؛ لذا أشارت إلى 6 مرشحين محتملين؛ يأتي حاكم فلوريدا “رون ديسانتيس” في مقدمتهم، لا سيما أنه على وشك اتخاذ قرار نهائي بشأن الترشح للسباق الرئاسي لعام 2024، في ظل تواصل مستشاريه بالفعل مع موظفي حملته الانتخابية المحتملين، وترقبه الوقت المناسب للإعلان عن نواياه. وترى مجموعة “نادي النمو” أن “ديسانتيس” يشكل تهديداً مباشراً للرئيس السابق “ترامب” بحسب عدد من استطلاعات الرأي التي أجرتها.

2– المشارَكة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية: في سابقة هي الأولى من نوعها، تستعد “أمريكيون من أجل الازدهار” التي تُوصف بأنها “شبكة مانحين” Donor Network)) للمشاركة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية؛ إذ تضم تلك الشبكة مجموعة من الجماعات السياسية والدعوية المدعومة من قبل مئات المحافظين المتطرفين المؤثرين في السياسة الأمريكية طوال عقد مضى؛ حيث أنفقت ما يقرب من 500 مليون دولار لدعم السياسات المحافِظة والمرشحين الجمهوريين في انتخابات 2020 فحسب، دون أن يسبق لها دعم أي مرشح في مرحلة الانتخابات التمهيدية الرئاسية سلفاً، وهي الخطوة التي ستُشجِّع مرشحين جمهوريين آخرين على خوض السباق الرئاسي من ناحية، وستشجع أيضاً مانحين آخرين على الوقوف خلف أي من هؤلاء المرشحين من ناحية ثانية.

3– التشكيك في اختيارات الحزب الجمهوري: على الرغم من ترشح “ترامب” بمفرده حتى الآن لخوض السباق الرئاسي، حدد بعض المانحين أهدافهم من الانتخابات الرئاسية المقبلة في وقت مبكر. وتتمثل أبرز دوافعهم في سوء اختيارات الحزب الجمهوري الذي يقف خلف مرشحين يطرحون أفكاراً تتناقض مع المبادئ الأمريكية الراسخة من ناحية، واعتقادهم رفض المواطنين الأمريكيين هؤلاء المرشحين من ناحية ثانية، وعدم فاعلية جهود الحزب الجمهوري في الاستجابة بنجاعة لهؤلاء المرشحين من ناحية ثالثة.

ووفقاً لصحيفة “نيويورك بوست”، يرى كبار المانحين الجمهوريين أن “ترامب” “سم سياسي”؛ فعلى الرغم من تنوع خلفياتهم التي ينحدرون منها (لتشمل “وول ستريت”، وبعض شركات دالاس، وشركات ريادة الأعمال، وغير ذلك)، فإنهم لا يرغبون في ترشح “ترامب” للرئاسة على الرغم من انحيازهم لسياساته؛ لأنه لن يستطيع التغلب على الرئيس الأمريكي “جو بايدن” على الرغم من ضعفه من ناحية، وضعف أداء الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي من ناحية ثانية؛ فهم يعارضون وبشدة سياسات “بايدن” التي دفعت البلاد صوب اليسار، وتسببت في أزمة حدودية، وقادت إلى انسحاب كارثي من أفغانستان، وأهدرت تريليونات الدولارات دون جدوى، وتسببت في ارتفاع معدلات التضخم، وغير ذلك. ومع تعدد تلك السياسات، تتزايد أهمية التكاتف خلف مرشح جمهوري قوي بخلاف “ترامب”، وبخاصة في ظل شخصيته النرجسية، وفشله في مكافحة كوفيد–19، وغير ذلك من الانتقادات التي تُوجَّه إليه.

4– إمكانية تشكيل تكتل تمويلي موحد الموقف: من المتوقع أن تنصرف رؤية بعض الجهات المانحة إلى مانحين آخرين في إطار ما يعرف باسم Stand Together))، وهو ما تتزايد أهميته بالنظر إلى حجم إنفاق مجموعة (PAC) التابعة لجماعة “أمريكيون من أجل الازدهار” الذي وصل إلى 80 مليون دولار في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. ومع تزايد حجم التمويل، تتزايد أهمية النظر في رؤية هؤلاء المانحين للحملات التمهيدية؛ فقد خلصوا – بناءً على خبرتهم في دورة الانتخابات النصفية لعام 2022 – إلى حقيقة مفادها أن الصوت الأعلى في كل حزب سياسي يحدد نغمة الانتخابات بأكملها. وعليه تعالت تأكيداتهم بضرورة طي صفحة الماضي وصولاً إلى رئيس جديد.

وفي هذا الصدد، يبدو أن الجماعات والشركات الفرعية التي تتبع كبار المانحين تنتهج موقفهم نفسه تقريباً، وربما يتبنى بعض المانحين الآخرين الموقف نفسه، فيتكون ما يشبه الموقف الجماعي ضد ترامب، وهو أمر مهم مع حجم تمويل كبار المانحين الذي اتضحت أهميته في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

التداعيات المحتملة

يثير موقف كبار المانحين من “ترامب”، كما تقدم، جملة من التداعيات المحتملة التي يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:

1– التأثير المحتمل على التماسك الداخلي للحزب الجمهوري: تتزايد حدة الصراع المحتدم بالفعل بين كبار مانحي الحزب الجمهوري من ناحية، وقاعدة “ترامب” الشعبية من ناحية ثانية. وقد سبق أن تجلى هذا الصراع في الانتخابات الرئاسية السابقة؛ إذ يميل المانحون المحافظون إلى دعم سياسات الهجرة المنفتحة، والتجارة الحرة، والرعاية الطبية، وجميعها قضايا عارضها “ترامب” بشدة منذ عام 2016، وهو ما دفع بعض التحليلات إلى القول إن “ترامب وقف بوجه هذه الأرثوذكسية المحافظة”، لا سيما في ظل الحرب التجارية المشتعلة مع الصين، وتطبيق سياسات صارمة لمجابهة الهجرة، وإلغاء قانون “أوباما كير”. ومع تجدد هذا الصراع مرة أخرى، يمكن القول إن هذه المعركة السياسية ستحسم – بجانب عوامل أخرى – مستقبل الحزب الجمهوري الذي قد يعاني من انقسامات حادة لحسم المرشح الجمهوري المحتمل للسباق الرئاسي القادم.

2– محاولة احتماء “ترامب” بقاعدته الشعبية الداعمة: في اتجاه مضاد لتحركات المانحين الذين يبحثون عن بديل محتمل للرئيس السابق “ترامب” لخوض السباق الرئاسي المقبل في 2024، فإنه لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة منذ الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2016؛ ولذا قللت بعض التحليلات أهمية انعدام تمويل بعض المانحين، لا سيما أن “ترامب” فاز في انتخابات الحزب الجمهوري السابقة على الرغم من عدم كفاية التبرعات اللازمة لحملته الانتخابية، على عكس منافسيه الجمهوريين الآخرين، وهو ما أرجعه البعض إلى نجاح شعاراته ورسائله الرسائل السياسية والاجتماعية آنذاك، في ظل قدرتها على الوصول إلى قاعدة شعبية واسعة فاقت في أهميتها حجم التمويل الذي حصل عليه.

3– بحث “ترامب” عن مصادر تمويل أخرى: في الوقت الراهن، لا يزال “ترامب” يحتفظ بشبكة قوية من المتبرعين الصغار على الرغم من تباطؤ عملية جمع التبرعات منذ أواخر العام الماضي وحجم إنفاقه الضخم؛ حيث أنفقت لجنة جمع التبرعات الرئيسية التابعة له المعروفة باسم (The Save America Joint Fundraising Committee) أكثر مما جمعته في ديسمبر 2022.

بيد أن ذلك لا يقلل من شأن التحديات التي يواجهها، لا سيما في ظل تغير توجهات المانحين الكبار من ناحية، وصعوبة حث الحلفاء القدامى على تأييده من ناحية ثانية. والجدير بالذكر أن تلك التحديات لم تؤثر بعد في خطابه السياسي؛ فعوضاً عن الرد على النقاد والمانحين الأثرياء ممن تراجع إيمانهم برسالته، واصل” ترامب” مزاعمه عن تزوير انتخابات عام 2020، وتعالت انتقاداته لخصمه المتوقع في السباق التمهيدي “ديسانتيس”، وانتقد سياسات الطاقة التي ينتهجها “بايدن” على الرغم من التداعيات السلبية لذلك على شعبيته، بل انتقد في منشور له على موقع (Truth Social) صحيفة “وول ستريت جورنال”، كما انتقد وَصْفها بأنها “عالمية”؛ لنشرها تقارير عن شبكات التمويل التي حثَّت الجمهوريين على الابتعاد عنه و”كتابة فصل جديد” في عام 2024.

4– تزايد فرص مرشحين محتملين آخرين: في ظل تعدد جهود الممولين الجمهوريين لتقويض “ترامب”، تتزايد – في المقابل – فرص كل من حاكم فلوريدا “رون ديسانتيس”، وحاكمة ساوث كارولينا السابقة “نيكي هالي”، ونائب الرئيس السابق “مايك بنس”، وسيناتور ولاية كارولينا الجنوبية “تيم سكوت”، وحاكم ولاية فيرجينيا “جلين يونجكين”، ووزير الخارجية السابق “مايك بومبيو”.

ومن الجدير بالذكر أن “ترامب” أتى في المرتبة الثانية بعد “ديسانتيس” في استطلاعات الرأي الوطنية؛ فمؤخراً، أظهر أحد استطلاعات الرأي في ولاية نيو هامشاير أن “ديسانتيس” يتفوق بنسبة تتراوح بين 30–42% من الناخبين الجمهوريين في تلك الولاية التي فاز بها “ترامب” في عام 2016. وعلى تعدُّد هؤلاء المرشحين المحتملين، يترقَّب الجميع المرشح الذي ستحتشد خلفه مجموعة “كوخ”؛ لأن ذلك سيُعطِيه دفعة كبرى، لا سيما أن مواردها المالية تجاوزت في بعض الأحيان الموارد الخاصة باللجنة الوطنية الجمهورية. ومن شأن ذلك أن يدلل على تحول جذري في سياسة تلك المجموعة التي بدأها الأخَوَان “كوخ” خلال إدارة الرئيس الأسبق “جورج دبليو بوش” كمحاولة لإعادة توجيه الحزب الجمهوري والسياسة الأمريكية بما يتفق مع رؤيتهما.

ختاماً.. يتكاتف مانحو الحزب الجمهوري ضد “ترامب”، وينظرون في أفضل السبل لمنعه من الترشح للسباق الرئاسي مرة أخرى، بيد أنهم لا يملكون خطة واضحة لذلك من ناحية، ولم يتفقوا بعدُ على أفضل المرشحين المحتملين دونه من ناحية ثانية، ولا يملكون حلولاً يمكنها التغلب على انقسام الحزب الجمهوري المحتمل من جراء تعدد المنافسين المحتملين من ناحية ثالثة، ويتخوفون من احتمالية انتصار “ترامب” مرة أخرى في ظل الانقسام الجمهوري ليحصل على نسبة التي حصل عليها في الانتخابات التمهيدية المبكرة في عام 2016 (والتي تراوحت بين 30–40%) من ناحية رابعة. وفي هذه الخلفية، قد يتراجع تأثير كبار المانحين مع استمرار دعم صغار المانحين والقادة الإنجيليين، بجانب تعدد وسائل جمع التبرعات، بما في ذلك الإنترنت، أو قد يتحول الحزب الجمهوري إلى جيل جديد من القادة في ظل دعوات علنية وصريحة تحذر من “ترامب”.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)