د. سعيد الشهابي يكتب: احترام المقدسات ضرورة للأمن والسلم

profile
د. سعيد الشهابي ناشط سياسي وصحفي ومعلق بحريني
  • clock 30 يناير 2023, 4:05:39 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

ما العوامل التي تساهم بشكل مباشر في الصراعات العالمية؟ من المؤكد أن هناك العديد من هذه العوامل التي تتصدرها الخلافات السياسية خصوصا عندما تتهدد مصالح الدول. كانت العنصرية من أسباب التوتر في مناطق عديدة من العالم، وكان الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية من عوامل التوتر في أوروبا وبلدان أخرى أكثر من نصف قرن.
وكانت الاختلافات على الحدود من بين أسباب النزاعات العسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط. وقد انتبه ساسة العالم بعد الحرب العالمية الثانية لانتهاكات حقوق البشر كسبب للتوتر، ووضعت القوانين والمواثيق لمنع تفاقم الأمور في هذا المجال. وطوال القرن الماضي تواصلت محاولات التوفيق بين الحقوق والحريات من جهة والسلم الاجتماعي من جهة أخرى. فاعتبر التمييز العنصري جريمة، وكذلك إثارة النعرات بين البشر على خلفية الاختلافات الدينية والعرقية والثقافية. ولطالما نشبت النزاعات بدوافع الشعور العميق بالخصوصية الدينية خصوصا عندما تنتهك. وليس بعيدا عن الذاكرة المجازر التي حدثت في رواندا بين الهوتو والتوتسي، أو حرب البوسنة والهرسك التي كانت صراعا على الهوية الدينية. وهل قام الكيان الإسرائيلي إلا على أساس الانتماء الديني الذي يدّعون أنه يمنح اليهود حق السيطرة على ما يسمونه «أرض الميعاد»؟
هذا برغم المجازر التي صاحبت تأسيس ذلك الكيان، وما تزال ترتكب بحق الشعب الفلسطيني حتى اليوم. وما التطورات الأخيرة التي جرت الأسبوع الماضي إلا ضمن فصول تلك الأزمة التي ما تزال تستعصي على الحل. ولا بد من التأكيد على براءة الأديان مما ينسب إليها من مقولات تفضي للصراع والظلم، لأن مصدر هذه الأديان هو الله العادل الذي أمر عباده بالعدل: إن الله يأمر بالعدل والإحسان. يضاف الى ذلك أن الدين الإلهي يتأسس الإيمان به على العقل والمنطق والبرهان، ويدعو أتباعه لممارسة ذلك. كما أنه عام لكل الناس ويعتبر البشر من أفضل مخلوقات الله، ولذلك كرّمهم «ولقد كرّمنا بني آدم» فلا يجيز إهانتهم او استفزاز مشاعرهم. وفي المنطق القرآني ثمة اعتبار كبير للكلمة، استشعارا لأهميتها في ترويج الخير وإشاعة السلم. قال تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد». ومنطق الدين يهدف لترويج الفضيلة، كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت»
لذلك من المعيب حقا أن يسعى البعض لاستهداف البعض الآخر خصوصا في عقائده ومقدساته. وما الحملات الشنيعة المتواصلة على الإسلام إلا تأكيد لما أسماه الشهيد سيد قطب «جاهلية القرن العشرين» التي تتواصل في القرن الحالي أيضا. هذه الجاهلية تدفع البعض لممارسات تؤجج الصراع والخلاف وقد تؤدي للحرب. فما معنى إقدام البعض على حرق نسخ القرآن الكريم أو تمزيقه؟ ما الهدف المقدس الذي يتحقق بذلك؟ وما القيم التي يمثلها هذا الفعل؟ فبالإضافة إلى أنه استهداف لشريحة واسعة من سكان الكوكب وغرس لبذور الفتنة والحقد، فإنه يؤدي لاضطراب اجتماعي ويؤسس لخلافات حضارية تلغي مقولة «حوار الحضارات» التي طرحها الرئيس الإيراني الأسبق، السيد محمد خاتمي قبل ثلاثين عاما في مقابل مقولة «صراع الحضارات» التي طرحها المفكر الأمريكي صمويل هانتنغتون. والواضح أن تلك الأطروحة لم تدم طويلا، بل صدرت في لحظة تاريخية نجمت عن تفكك الاتحاد السوفياتي وشعور الغرب بانتصار أيديولوجي وسياسي بعد 70 عاما من الصراع بين الرأسمالية والشيوعية.

ما الحملات الشنيعة المتواصلة على الإسلام إلا تأكيد لما أسماه الشهيد سيد قطب «جاهلية القرن العشرين» التي تتواصل في القرن الحالي أيضا. هذه الجاهلية تدفع البعض لممارسات تؤجج الصراع والخلاف وقد تؤدي للحرب

فحين يتم الترويج لما يعتبره أكثر من ملياري إنسان (عدد المسلمين في العالم) عدوانا غير مبرر على دينهم، قبل حدوثه بأيام من خلال وسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي، وحين تنبري حكومتا السويد وهولندا لتبرير ذلك بما تسميه «حرية التعبير» يتعمق الوهم حول بعض المقولات والمفاهيم العصرية التي تضر بالسلم والأمن الدوليين. ذلك العمل الذي قام به السويدي راسموس بالودان كان عدوانا مكشوفا ارتكب عمدا مع سبق الإصرار والتخطيط، ولم يكن حادثا عفويا تم في لحظة غضب أو انفعال. وقد اعتاد هذا الشخص مدعوما من الأطراف اليمنية المتطرفة على حرق نسخ القرآن عندما كان في الدنمارك. ولما لم يفز في الانتخابات هاجر الى السويد واستمر في استهداف القرآن الكريم.
وليس مستغربا أن يكون هناك ردة فعل من جانب المسلمين الذين يعتزون بدينهم ونبيهم وقرآنهم ويرفضون أية إساءة لأي من هذه المقدسات. فالأزهر الشريف دعا الشعوب العربية والإسلامية لـ «مقاطعة المنتجات الهولندية والسويدية بكافة أنواعها، واتخاذ موقف قوي وموحد نصرة لكتاب الله ولقرآننا الكريم، كتاب المسلمين المقدس». وتصدّرت تركيا الموقف الدبلوماسي من الجانب الإسلامي، فانتقدت الحكومة السويدية لسماحها بانتهاك قداسة القرآن الكريم ورفضت التفاوض معها حول دعم طلب عضويتها بحلف الناتو مع فنلندا. واعتبرت حرق القرآن عملا لا يتناسب مع العلاقات المفترضة بين أعضاء الحلف. واعتبرت جماعة العلماء والمدرسين بمدينة قم الإيرانية ذلك الفعل «استمرارا لحرب الغرب ضد الإسلام ومواجهة التعاليم الإسلامية وتجاهل الشعوب المسلمة». وزاد العمل بشاعة تكرره بشكل آخر في هولندا. ففي 22 يناير، عمد زعيم منظمة «بيجيدا» اليمينية المناهضة للإسلام، إدوين واغنسفيلد، تحت إشراف شرطة لاهاي، إلى تمزيق نسخة من القرآن الكريم،. وبدلا من اتخاذ إجراءات لذلك العمل العدواني، برر وزير الخارجية الهولندي فوبكه هويكسترا ذلك الفعل المشين بأنه يقع ضمن «حرية التعبير المسموح بها في البلاد». وقامت وسائل الإعلام بالترويج لذلك الفعل. فلماذا يحدث ذلك؟ إن استهداف الكتاب المقدس لدى المسلمين يمثل جانبا من استهداف ممنهج للإسلام كدين سماوي يحظى بانتشار واسع في العالم، وكهوية لأكثر من ربع سكان العالم، وكشريك روحي وثقافي وسياسي في عالم متعدد المحاور، يبحث عن أطر لتحقيق تفاهم مكوناته البشرية، وتطوير آليات التعايش السلمي والتعاون الحياتي والتبادل السياسي والاقتصادي والثقافي. ومن المؤكد أن هذه الأساليب لا تخدم هذه الأهداف. ولطالما ندّد الغربيون بحرق كتاب «سلمان رشدي» في العام 1989، معتبرين حرق الكتب مؤشرا لعدم احترام الرأي والثقافة، مع العلم أن ذلك الكتاب كان استهزائيا واستفزازيا ولم يكن كتابا سماويا أو علميا أو منطقيا. وما تزال الوثائق الغربية تؤكد حرق كتب جاليليو التي قالت ان الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، وتعتبر ذلك نقطة سوداء في التاريخ الأوروبي.
إن من الصعب فصل جريمة «حرق القرآن» عن الأعمال العدوانية الأخرى التي تستهدف الإسلام ومقدساته. فقد تكرر استهداف نبي الإسلام نفسه برسوم كاريكاتيرية في الدنمارك تنال من قداسته وشخصه الذي أحدث تغيرا في المسار البشري، ومدحه المفكرون العقلاء عبر التاريخ، كما انتقده آخرون بأساليب لا تخرج عن الذوق. وتحت مقولة «حرية التعبير» تصر صحيفة «تشارلي إيبدو» الفرنسية على إعادة نشر الرسومات المذكورة، إمعانا في الإيذاء والاستفزاز. لماذا لا يستخدم هؤلاء المنطق والبرهان لدحض الإسلام ومفاهيمه بأساليب علمية ومنطقية؟ لماذا لا يدعو هؤلاء لمؤتمرات فكرية واسعة للتداول في قضايا الاختلاف العقيدي أو الفكري؟ أم أن التراشق أصبح البديل للحوار المنطقي والعلمي؟ هل تستطيع هذه الجهات الإعلامية استخدام مقولة «حرية التعبير» للتشكيك في المحرقة مثلا؟ هل بإمكانها تجاهل ظاهرة الشذوذ او استهدافها بالنقد وإن كان علميا؟ فلماذا يبقى الإسلام أرضا رخوة يطأها الجاهلون باستمرار ويرفض المناطقة والفلاسفة والعلماء التعاطي الفكري والإيديولوجي معه؟ ولماذا تفرض القيم التي تناقض الدين على المسلمين بأساليب الترهيب والتخويف والتنمر؟

كاتب بحريني

التعليقات (0)