«فورين بوليسي»: كيف تغير الاقتصاد العالمي بسبب حرب أوكرانيا حتى الآن؟

profile
  • clock 12 أبريل 2022, 2:37:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

نشرت مجلة «فورين بوليسي» تحليلًا لآدم توز، كاتب عمود في المجلة الأمريكية وأستاذ تاريخ ومدير المعهد الأوروبي بجامعة كولومبيا، حول تأثير أزمة حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي. ويرى الكاتب أن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى سابق عهده قبل الحرب، كما يدعو إلى صياغة اتفاقية بريتون وودز جديدة؛ حيث تعاني كثير من الدول الفقيرة من أعباء الديون الشديدة، موضحًا أن تلك الدول لن تستطيع التعامل مع التداعيات الاقتصادية للحرب التي تمتد أثارها الاقتصادية إلى ما يتجاوز محيطها الجغرافي بمسافات شاسعة.

ويستهل الكاتب مقاله بالقول إنه فيما يتعلق بعلاقات الناتو والغرب مع موسكو، من الواضح أن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا يمثل نقطة تحول تاريخية. وتُعد الفظائع المرتكبة في المناطق الأوكرانية المحتلة انتهاكًا مروِّعًا للقانون الدولي. لكن هل تمثل حرب بوتين قطيعة في تطور الاقتصاد العالمي؟

نقطة تحول في تاريخ العولمة

يلفت الكاتب إلى أن بعض المعلِّقين ذهبوا إلى حد التكهن بأن هذه الحرب قد تمثل نقطة تحول في تاريخ العولمة، على المستوى نفسه لما حدث في عام 1914. ويعتقدون أن الصراع وانعدام الثقة سيقوِّضان الاستثمار والتجارة، ويطلقان العنان للتراجع العام عن الترابط الدولي. ويرى آخرون أن جهود روسيا لفتح قنوات للتجارة مع الهند والصين هي بوادر لنظام جديد متعدد الأقطاب.

ومن المبكر جدًّا إطلاق مثل هذه التكهنات. وحتى الآن أصبح الإحباط العسكري الروسي أكثر ما يميز هذه الحرب. وبالنظر إلى أداء روسيا، فسيكون من الغريب أن يرغب أي طرف، حتى أولئك الذين عُدُّوا في يوم من الأيام حلفاءً لبوتين، في ربط أنفسهم على نحو أوثق بالنظام الروسي.

ويرى الكاتب أن الأمر الذي يتطلب اهتمامًا أكثر إلحاحًا من التكهن البعيد المدى هو الصدمة التي أثارتها الحرب في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، بدءًا بالطرفين المتقاتلين، ومرورًا بالمنطقة الأوسع من أوروبا الشرقية والوسطى، وانتهاءً بأسواق الطاقة والغذاء العالمية. وقد تكون إحدى الموضوعات المستمرة لهذه الحرب هي الطريقة التي تستخدمها أوروبا لإطلاق المرحلة القادمة من التكامل.

ومع ذلك من المهم أن نلاحظ أن بعض الآثار الاقتصادية الأعمق والأكثر ارتباطاً بالحرب سيكون الشعور بها بعيدًا عن مسرح المعركة. وإلى جانب التعافي غير المتكافئ من كوفيد-19، والارتفاع الكبير في التضخم، وتشديد السياسة النقدية، تضيف الحرب أعباءً إلى بيئة غير مواتية بالفعل للاقتصادات الهشة ذات الدخل المنخفض والمثقلة بالديون واقتصادات الأسواق الناشئة.

وفيما يخص الشكل المستقبلي للاقتصاد العالمي، من المرجَّح أن الطريقة التي يتعامل بها العالم مع أزمات الديون التي أثارتها هذه الحرب في أماكن بعيدة مثل سريلانكا وتونس، ستكون على الأقل على القدر نفسه من أهمية جهود روسيا اليائسة للالتفاف على العقوبات في تجارتها مع الصين والهند. وبدلًا عن القلق بشأن البدائل المحتملة لأنظمة العملات في الغرب، يجب أن نركز على مساعدة هذه الأنظمة كي تعمل.

ومن وجهة نظر الطرفين المتقاتلين – يبلغ عدد سكانهما 190 مليون نسمة – فإن الحرب كارثة لا يمكن تخفيفها، إذ انكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 16% في الربع الأول من عام 2022 مقارنةً بالربع الأول من العام الماضي، وقد ينخفض ​​بنسبة 40% بحلول نهاية العام. ولكي يستمر وجود هذا الاقتصاد، سيتعين عليه الاعتماد على المساعدات الخارجية.

روسيا تترنح تحت وطأة العقوبات

يشير الكاتب إلى أن روسيا تترنح تحت وطأة عقوبات اقتصادية هائلة. وعلى الرغم من استمرار تجارة الطاقة، عُزِلت روسيا فعليًّا عن النظام المالي العالمي. وقد يكون سعر صرف الروبل قد تعافى اسميًّا إلى مستوى ما قبل الحرب، لكن القيمة السوقية الفعلية للعملة الروسية غير معروفة بالمرة. ولم تعد هناك سوق حرة للروبل أو في الأصول المالية الروسية، وسيكون الكرملين محظوظًا إذا حقق الإنتاج تعاقدات بنسبة 10% فقط هذا العام. وضاعف انسحاب الشركات الغربية من روسيا تلك الصدمة، وحتى إذا جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن آفاق التنمية طويلة الأمد لروسيا تُعد مظلمة بالفعل.

وبعيدًا عن الطرفين المتقاتلين، سيتعين على أوروبا استيعاب تدفق هائل من اللاجئين، وسيتعين على الاتحاد الأوروبي أيضًا التعامل مع حالة انعدام اليقين فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وأسعارها، إذ شهدت أسعار الغاز تذبذبًا في الآونة الأخيرة بنسبة تصل إلى 70% في يوم واحد. ويقدِّر الاقتصاديون أنه إذا جرى قطع واردات ألمانيا من الغاز، وهو احتمال واضح الآن، فقد ينكمش الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 2 و4%. وسيمثل هذا ركودًا بحجم أزمة كوفيد-19.

ويشير الكاتب إلى أن ألمانيا دولة غنية. وحتى في حالة الركود الشديد، سيكون لديها الموارد اللازمة للتعامل مع الأمر، ولكن جيرانها من أوروبا الشرقية سيكونون في وضع أصعب بسبب انخفاض دخولهم، إذ أنهم يستوعبون غالبية اللاجئين وهم أكثر اعتمادًا على روسيا في التجارة والطاقة، وسوف يبحثون عن المساعدة من شركائهم الأكثر ثراءً في الاتحاد الأوروبي. كان ماريو دراجي، رئيس وزراء إيطاليا، يضغط منذ بداية الحرب من أجل حزمة إنفاق جماعي لتخفيف الأزمة، وتسريع الاستثمارات في استقلال الطاقة، وتعزيز دفاعات أوروبا التي قد تصل إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار. إن حزمة بهذا الحجم ستمثل قفزة عملاقة إلى الأمام للاتحاد الأوروبي وستتطلب شهورًا من الدبلوماسية ذات المخاطر العالية للتفاوض بشأنها.

التحول إلى الطاقة المتجددة

يوضح الكاتب أن أوروبا ملتزمة بكسر اعتمادها على النفط والغاز المستوردَيْن من روسيا. وعلى المدى المتوسط، من المأمول أن تسرع الأزمة من التحول نحو الطاقة المتجددة والابتعاد عن التجارة العالمية في الوقود الأحفوري. ولكن على المدى القصير، لا يتمثل التأثير في تراجع العولمة، بل في البحث عن مصادر جديدة للإمداد.

تشق ناقلات الغاز الطبيعي المسال من جميع أنحاء العالم طريقها نحو محطات في فرنسا وإسبانيا. ووقَّع روبرت هابيك وزير الاقتصاد والمناخ الألماني مؤخرًا صفقة مع قطر، ويتطلب الأمر أن تتغلب سلسلة توريد على سلسلة توريد أخرى، وحتى إذا نجحت أوروبا في تقليل استهلاكها من الوقود الأحفوري بالسرعة المخطط لها، فسيستلزم ذلك واردات جديدة من الألواح الشمسية والعناصر الأرضية النادرة لبناء أنظمة البطاريات.

وفي الوقت نفسه فإن ما سيركز عليه كل من نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، هو السيطرة على مشكلة ارتفاع الأسعار. وعلاوةً على الاضطراب في سلاسل التوريد العالمية الناجم عن كوفيد19، فإنهما يواجهان الآن ارتفاعًا حادًّا في أسعار الطاقة وأسواق سلع ضيقة بوجه عام، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم في التوقعات المتوسطة والطويلة الأجل. ويطالب كل من أسواق السندات والناخبون باتخاذ إجراءات، وتبدو جولة من ارتفاع الفائدة أمرًا لا مفر منه الآن. وعلى خلفية سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة أو الصفرية ومع مستويات ديون مرتفعة تاريخيًّا، ستكون أي زيادة في أسعار الفائدة بمثابة عملية حساسة، وسوف يضغط ذلك على الحكومات والشركات المثقلة بالديون، وسيظهر التأثير في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من جميع الضغوط التي يواجهانها، تتمتع أوروبا والولايات المتحدة بثروة تعني في النهاية أن أي ضغوط ناجمة عن صدمة حرب أوكرانيا يمكن تخفيفها من خلال الإنفاق العام. وكما برهنوا على ذلك عقب اجتياح كوفيد-19، تمتلك الدول الغنية الوسائل، إذا لزم الأمر، لدعم أجزاء كبيرة من القوى العاملة لشهور متتالية. وعلى النقيض من ذلك، في الأسواق الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل، لا سيما تلك التي لديها ديون كبيرة مقوَّمة بالدولار أو اليورو، تكون الخيارات أكثر إيلامًا.

وطأة الديون

ويمضي الكاتب إلى أنه حتى قبل اجتياح كوفيد-19، كانت هناك مخاوف بشأن مستويات الديون التي لا يمكن تحملها على نحو متزايد. وفي عام 2019 كان هناك 33 دولة مؤهلة للحصول على تمويل بشروط ميسرة على أساس الفقر جرى تصنيفها من قِبل البنك الدولي على أنها تعاني من وطأة الديون، أو معرضة لها إلى حد كبير.

شهدتْ صدمة كوفيد -19 لعام 2020 سقوط كل من لبنان والأرجنتين والإكوادور وزامبيا في حالة تخلف عن السداد، بيد أن تلك البلدان كانت جميعها مضطربة قبل انتشار الجائحة. وبوجه عام، كان الضرر الذي حدث في 2020-2021 أقل حدة مما توقعه كثيرون منا، غير أن ذلك لا ينبغي أن يشجع على الرضا عن الذات والتراخي.

كانت حقيقة أننا لم نشهد أزمة ديون أكبر في عام 2020 نتيجة لكل من الاحتياطيات التي تراكمت من قِبل بعض اقتصادات الأسواق الناشئة الأقوى وتخفيف السياسة النقدية المتساهلة للغاية التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي مع المقترضين ذوي التصنيف المنخفض. ومع وصول أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصفر، تدفقت الأموال عبر الاقتصاد العالمي بحثًا عن معدل عائد إيجابي. وفي غضون ذلك ساعد التحفيز المالي الأمريكي على تعزيز الواردات؛ مما وفَّر الأسواق للمنتجين في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2022 كانت المؤشرات مختلفة تمامًا؛ حيث أعلن كل من نظام الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي أنهما يشددان السياسة النقدية ويرفعان أسعار الفائدة. وحتى الآن من المسلَّم به أن زيادات أسعار الفائدة كانت متواضعة، والعائدات على الاقتراض طويل الأجل ترتفع على نحو أبطأ من عوائد القروض القصيرة الأجل. لكن اتجاه المسير واضح؛ لقد انتهى عصر أسعار الفائدة الصفرية أو حتى الأسعار السلبية. وارتفاع هذه الأسعار إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية، يمثل تحديًا كبيرًا للبلدان المَدِينة المُجهَدة.

وفي الوقت الحالي يحذر البنك الدولي من أن عدد البلدان المعرضة لخطر وشيك من ضائقة الديون قد ارتفع إلى 35 دولة، وأن ما يصل إلى 12 دولة قد تكون غير قادرة على سداد الديون بحلول نهاية العام. وتشمل قائمة برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة للبلدان المعرضة لخطر مشكلات الديون الفورية بليز، وجرينادا، وأنجولا ولاوس، والجابون، وجميعها مثقلة بديون كبيرة مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص.

البلدان المنخفضة التدخل ستمثل اضطرابات كبيرة لمناطقها

يلمح الكاتب إلى أن البلدان المنخفضة الدخل تشكل اليوم 9% فقط من سكان العالم، إنهم يمثلون جزءًا ضئيلًا من الاقتصاد العالمي. لكن هذه الدول إجمالًا هي موطن لـ700 مليون شخص، وستؤدي إلى اضطرابات كبيرة عبر مناطقها. وتعيش الغالبية العظمى من سكان العالم في البلدان ذات الدخل المتوسط ، والعديد من هذه البلدان يعاني من ضائقة أيضًا، لقد تعثرت الأرجنتين، ولبنان، وفنزويلا، وزامبيا، والإكوادور، جميعها في سداد ديونها.

وتعيش باكستان متنقلة من برنامج إلى برنامج آخر لصندوق النقد الدولي. ويميل محللو البنوك على نطاق واسع إلى أن تونس ستحتاج إلى الدخول في مفاوضات بشأن الديون في الأشهر المقبلة، واحتياطياتها الأجنبية آخذة في النضوب بسرعة، كما أن تكلفة المعيشة آخذة في الارتفاع. إن الغالبية الساحقة من ديون تونس المستحقة للمستثمرين الأجانب هي بالعملة الأجنبية، مما يعرضها لضغوط مالية هائلة عندما تنخفض قيمة عملتها. ولا تمضي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على النحو المأمول. كما أن النظام السياسي في تونس، الذي كان موضع إشادة ذات مرة باعتباره قصة لنجاح الديمقراطية الوحيدة للربيع العربي لعام 2011، في حالة من الاضطراب.

وفي غضون ذلك وصلت سريلانكا بالفعل إلى نقطة اللاعودة. وهناك انقطاع مستمر للكهرباء يصل إلى 13 ساعة، وأعمال شغب، والآن هناك إعلان حظر تجوال على مستوى البلاد. وأعلنت الحكومة أنها ستستمر في الوفاء بديونها، وهو ما يعتبره الكاتب تصرفًا خاطئًا، إذ سيؤدي الاستمرار في سداد الديون إلى زيادة استنزاف الاحتياطيات بينما يظل التخلف عن السداد في نهاية المطاف أمرًا لا مفر منه، ومن الأخبار الجيدة أن سريلانكا وافقت على إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الديون.

وفي حين أنه قد يكون من المنطقي التكهن بأنماط جديدة من العولمة، فيما يخص القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصين والهند، لا يوفر التراجع عن العولمة لتونس ولا لسريلانكا أي خيارات جذابة. وعلى المدى القصير تحتاج الدولتان إلى تنازلات من دائنيهم الرئيسين وبذل جهود متضافرة لإعادة تعويم اقتصاداتهما.

ويرى الباحث أنه إذا كانت هناك بالفعل منافسة نشطة على النفوذ في الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي بين الصين والغرب، فقد تأمل البلدان المَدِينة مثل تونس أو سريلانكا في اللعب على الجانبين لتحقيق مصلحتها. لكن الصين تقلص إقراضها الخارجي، وهناك إقبال قليل على الالتزامات العامة من قِبل الغرب. ولا تكمن المشكلة في التنافس على النفوذ بل في حقيقة وجود فراغ في المكان الذي يجب أن يوجد فيه نظام مالي عالمي.

وكانت برامج تخفيف عبء الديون المتعلقة بالجائحة التي نظمها البنك الدولي في عام 2020، والمعروفة باسم «مبادرة تعليق خدمة الديون»، هزيلة النطاق وانتهت صلاحيتها في عام 2021. ولم يجتذب ما يسمى بـ«الإطار المشترك» لإعادة هيكلة الديون الذي وافقت عليه مجموعة العشرين سوى ثلاث دول حتى الآن، هي تشاد، وإثيوبيا، وزامبيا، وكان التقدم في تخفيض ديونها مخيبًا للآمال.

الحاجة إلى بريتون وودز جديدة

ونوَّه الكاتب إلى أنه في كتاب جديد طموح يحمل عنوان «The Case for a New Bretton Woods»، يدافع كيفن جالاجر وريتشارد كوزول-رايت عن اتفاقية بريتون وودز جديدة (في إشارة إلى اتفاقية بريتون وودز وهو اسم مؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في 22 يوليو (تموز) 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية وحضره مندوبو 44 دولة، وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع تنمية التجارة بعد الحرب العالمية الثانية).

وينقل التحليل ما أورده الكاتبان: «بعد مرور ما يقرب من 80 عامًا على اتفاقية بريتون وودز، يحمل العالم الذي نعيش فيه تشابهًا غير مريح مع العالم الذي كان المندوبون يأملون في زواله إلى الأبد». إن المسؤولية عن هذه الحالة المؤسفة – معاناة البلدان المثقلة بالديون والازدهار غير المقيد للائتمان العالمي وانهياره – تكمن كما يصران، في المقام الأول ليس على السياسيين الشعبويين أو سياسات القوة العظمى، ولكن في النشاط العادي للاقتصاد السياسي الرأسمالي. وتهيمن المصالح الراسخة على بنية الاقتصاد العالمي.

فيما يخص البلدان المنخفضة الدخل، جعل الاعتماد المتزايد على الائتمان الخاص تشكيل نظام عقلاني لإعادة الهيكلة العقلانية لديون البلدان الفقيرة أمرًا صعبًا على نحو أكثر من أي وقت مضي. إن تصحيح هذا التوازن ليس مجرد مسألة توحيد الغرب، أو الشعارات الأخرى التي أطلقتها الحرب في أوكرانيا. وما تستلزمه هذه الأوضاع هو دفعة من القاعدة إلى القمة لتجديد المؤسسات العامة والأهداف الجماعية على المستوى الوطني، باعتبار ذلك تمهيدًا لإعادة تأسيس نظام للتعاون الدولي والقيادة العالمية.

فقراء العالم والأفعوانية المرعبة

بصراحة تبدو احتمالات ذلك أقل حتى مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. ولكنها تقدم تصحيحًا مهمًا للعديد من الإنشاءات الشائعة في لحظتنا الحالية، ولم تؤدِّ حرب بوتين إلى تعطيل نظام اقتصادي عالمي سليم ومستقر، ويعد نظام الدولار الحالي عبارة عن ارتجال متداعي يوفر دعمًا سخيًا لنواة داخلية، بينما يُترك جزء كبير من سكان العالم لركوب الأفعوانية المرعبة لدورة الائتمان العالمية.

وأفاد الكاتب أنه قبل الأزمة الأوكرانية، كان يمكن للمرء أن يقول إن مجموعة العشرين هي المنتدى الوحيد الذي يمكن للمرء أن يأمل في توليه زمام القيادة. ولمواجهة تحيزها تجاه الدول الغنية، اقترحت جالاجر وكوزول رايت أن تكون مسؤولة أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. وإذا كان ذلك طموحًا قبل الأزمة، فلم يعد من الممكن تصوره الآن. وسيكون من المدهش إذا تمكنت مجموعة العشرين من الاجتماع على مستوى القيادة هذا العام.

وفي المأزق الحالي قد يأتي الدافع الأكثر إيجابية للعمل بشأن المشكلات الاقتصادية العالمية في الواقع من المنافسة الجيوسياسية وليس من التعاون. ونظرًا للتدخل الروسي في ليبيا ومالي، لا تستطيع أوروبا أن تنظر برضا عن الذات إلى الصعوبات التي تواجهها تونس.

إذا كانت واشنطن تهدف إلى أن يكون لديها إستراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ ترقى إلى مستوى أي شيء، فمن المؤكد أنها يجب أن تنخرط مع الهند في معالجة الصعوبات التي تواجهها سريلانكا. وسريلانكا، على أي حال، هي المكان الذي صيغ فيه النقد الغربي لدبلوماسية الديون الصينية العدوانية، بحسب الكاتب. والسؤال إذًا هل يمكن للثقل الذي يلوح في الأفق للصين أن يدفع الحكومات الغربية أخيرًا إلى الانخراط في دبلوماسية ديون نشطة خاصة بها؟

ويختتم الكاتب مقاله قائلًا: لنكن واضحين، هذا ليس احتمالًا جذابًا. إن التشابك بين سياسات القوى العظمى والديون أمر خطير. ولكن ما هو البديل؟ إن الخطر من وجهة نظر المجتمعات الأكثر هشاشة وتعرضًا للخطر هو أقل من إعادة ترتيب الاقتصاد العالمي بطريقة تنافسية وأكثر من استمرار الوضع الراهن الذي لا يطاق ولا يجري من خلاله عمل أي شيء على الإطلاق.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)