نزار بولحية يكتب: لماذا يلتفت المغاربيون إلى الوراء؟

profile
  • clock 22 مارس 2023, 4:02:49 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

لمن بترول وغاز ليبيا والجزائر؟ ولمن زيتون وبرتقال تونس وفوسفات المغرب وحديد موريتانيا؟ حديث الرئيس التونسي قبل أيام عن حقل البوري النفطي الذي تستغله ليبيا ولم تحصل منه تونس إلا على الفتات، على حد تعبيره، على الرغم من أنه يكفي لتأمين حاجاتها اليومية من النفط، كما قال، وذلك بسبب حكم جائر من محكمة العدل الدولية يقضي بضم الحقل إلى ليبيا وحرمان تونس منه، يعيد إلى السطح من جديد قضية تقاسم الثروات بين الدول المغاربية، لكنه يطرح أيضا سؤالا جوهريا وعميقا للغاية وهو، هل يؤمن هؤلاء حقا بالمصير المشترك لبلدانهم؟ أم أنهم يفضلون فقط مصالح دولهم؟

امتنع الفرنسيون الذين كانوا يملكون الوثائق والمستندات، وأشرفوا على رسم الحدود عن تقديم أي دليل مادي ورفضوا نزع فتيل المواجهات المغاربية في وقت مبكر

لا شك في أن حجرا ثقيلا جدا لا يزال يشدهم إلى ماض قريب مشحون بكم هائل من الخلافات والصراعات والتوترات الحادة، وربما حتى العنيفة في بعض الأحيان. وهكذا بعد أكثر من ستين عاما من مغادرة المستعمر رسميا لبلدانهم، يجد الليبيون والتونسيون والجزائريون والمغاربة والموريتانيون أنفسهم عاجزين عن فك القيود والأغلال التي كبلهم بها.. ويبقى حديثهم في تلك الحالة عن الاستقلال والسيادة الوطنية فاقدا لأي معنى أو قيمة، في الوقت الذي لا يمكنهم فيه لا تحريك الخرائط ولا تغيير الحدود، التي هي في الأصل صناعة أجنبية محضة، وفدت من وراء البحار وفرضت عليهم بطريقة مسقطة، راعت فقط مصالح ومخططات القوى الاستعمارية في المنطقة على المدى القريب والبعيد، بل حتى جعل تلك الحدود منافذ للتقارب والتواصل الطبيعي بين بعضهم بعضا، لا نقاط توتر وتقطيع للأواصر والأرحام التي تجمع بينهم. لقد غادرت الجيوش الأجنبية أراضيهم، لكنها لم تفعل ذلك إلا وقد اطمأنت إلى أن الألغام والقنابل الموقوتة، التي زرعتها على امتداد تلك الخطوط الوهمية التي فصلت كل قطر عن الآخر، وبات البعض يعتبرها قدس الأقداس، ستكون كفيلة بأن تكمل ما فعلته ترسانتها الحربية في زمن سابق، من تنكيل بالشعوب وتمزيق لروابط الجوار والقربى، التي عرفتها على مرّ التاريخ. ولعل كثيرين قد يتساءلون بعد ذلك هل كان الأجدى بالمغاربيين أن يرفضوا في تلك الحالة، ومن البداية تلك الترسيمات الفرنسية والإيطالية والإسبانية الرعناء والعشوائية لحدودهم، قبل أن يوقعوا، سواء بعد استفتاءات أو اتفاقيات على استقلال دولهم؟ لا شك في أنه لم يكن من السهل عليهم أن يفعلوا ذلك في وقت كانوا فيه منشغلين بشكل أساسي بتحرير أوطانهم من الحضور الاستعماري المباشر فيها. لكن هل يصح القول بأنهم سقطوا ضحايا طمعهم في حلوى مغشوشة اسمها الاستقلال، وزعها المستعمر على البعض منهم قبل الآخر، حتى يبعدهم عن أي تفكير في تحقيق حلم الوحدة الذي راود أجيالا متعاقبة منهم؟ لعل كثيرين قد يتفقون مع ما قاله الوزير التونسي الراحل أحمد المستيري في مذكراته، من أن التونسيين والمغاربة كانوا يعتقدون أن «انطلاق الكفاح التحريري في البلدين سبق الثورة المسلحة في الجزائر، وكان الدافع لها، وأن حصول تونس والمغرب على الحكم الذاتي ثم الاستقلال هو الذي وفّر للمقاتلين الجزائريين الملاجئ الآمنة، ومسالك التزود بالسلاح، والسند الخارجي الضروري لمواصلة الحرب التحريرية.. بينما يقول الإخوة الجزائريون كما أضاف «إنهم هزموا الجيش الفرنسي لوحدهم، وإن هذا الانتصار العسكري هو الذي حقق استقلال الجزائر وبالتالي عجل باستقلال المغرب وتونس». وفي الواقع فإن ذلك التناقض كان وجها من وجوه الأزمة، لكن لم يكن من السهل على تونس والمغرب بالذات أن يربطا جلاء الفرنسيين عن أراضيهما باستقلال الجزائر، أو باتضاح الصورة أمامهم وبشكل تام حول الحدود المقبلة للدول الثلاث في المرحلة التالية. لقد كانوا يعتقدون أن لهم جميعا عدوا واحدا فقط هو فرنسا، وأن أي خلافات بينهم يمكن أن تحل وتسوى لاحقا بطريقة ودية وأخوية، وأنه بمجرد خروج الفرنسيين فإنه سيكون ممكنا للمغاربيين أن يجلسوا معا إلى طاولة حوار هادئ ومفتوح يقودهم إلى التوصل إلى حلول توافقية ومقبولة حول كل القضايا والمسائل العالقة بينهم. لكن هل كان ذلك التصور وهما وسرابا خادعين؟ أم كان خطأ استراتيجيا فادحا ارتكبوه لقلة خبرتهم وربما حتى لحسن نواياهم، وحتى سذاجتهم؟ أم انهم دفعوا أصلا للوقوع فيه بفعل فاعل؟
خلف كل المآسي والكوارث التي حصلت في المنطقة المغاربية، بسبب الصراع على الحدود، فإن العامل الأكثر حسما وتأثيرا في تأجيج الخلافات التي وصلت في 1963 حد المواجهة العسكرية بين الجزائر والمغرب، في ما عرف بحرب الرمال، كان التلاعب الفرنسي بذلك الملف. لقد امتنع الفرنسيون الذين كانوا يملكون الوثائق والمستندات، وأشرفوا على رسم تلك الحدود عن تقديم أي دليل مادي لأي طرف من الأطراف، ورفضوا بالتالي حسم تلك الخلافات ونزع فتيل المواجهات المغاربية في وقت مبكر نسبيا. وكان من الواضح جدا أنهم كانوا يريدون وعن سابق تصميم، أن يتركوا الحبل على الغارب، وان يدقوا إسفينا عميقا بين أكبر بلدين مغاربيين، أي المغرب والجزائر، ثم يعمقوا الأزمات والتوترات بين باقي دول المنطقة. والنتيجة هو أن ذلك أدى في الأخير إلى أن يسود مناخ من عدم الثقة بين الدول المغاربية، وأن يتسابق البعض منها إلى جمع السلاح وتكديسه ويعمل الأقل قوة ومالا على نسج التحالفات والارتباط بقوى من خارج الإقليم. وحتى فكرة الوحدة في حد ذاتها أفرغت من محتواها وتحولت تماما إلى ما يشبه الكابوس، أي إلى ابتلاع الدول الكبرى المغاربية لتلك الأقل منها حجما وثروة. ألم يفكر الرئيس التونسي الراحل بورقيبة في ذلك لما أجاب الرئيس الجزائري الراحل بومدين، حين عرض عليه في بداية السبعينيات وحدة بين البلدين بأنه يوافق على ذلك من حيث المبدأ، غير أن تونس دولة صغيرة وحتى تصبح الوحدة قائمة بين بلدين متكافئين نسبيا في الحجم، فإنه يجب على الجزائر أن تتخلى لفائدتها عن بعض المناطق بما فيها قسنطينة؟ لقد كانت الآمال واسعة في الخمسينيات في ظهور ذلك المغرب الكبير، الذي كان وجوده سيقلب وبلا شك كل المعادلات والموازين الإقليمية وربما حتى الدولية. ولعل بورقيبة البراغماتي كان حالما جدا حين قال في إحدى خطبه في1957: «يبدو أن مجالا جديدا للازدهار الاقتصادي سيفتح أمامنا وهو الصحراء. هذا الخضم من الرمال يشكل المنطقة الخلفية لعديد الدول الافريقية التي نالت بعد استقلالها، أو ستحصل عليه قريبا والاستفادة من ثروات الصحراء، لا يمكن أن تتم من دون تعاون وثيق يكون متفقا عليه بكل حرية مع البلدان المجاورة، وتلك القادرة على عملية الاستغلال تقنيا». فما حصل بعدها هو ليس فقط أن الحلم المغاربي بات يتبخر عاما بعد آخر، بل إن الثروات الطبيعية التي ظن البعض أنها ستكون عنصرا إضافيا لجمع المغاربيين كانت هي العامل الذي ساعد على تشتيتهم. وسواء تعلق الأمر بحقل البوري النفطي أو بغيره، فإن الإشكال ظل واحدا، وهو أنه كلما حاول هؤلاء النظر للأمام فإنهم سرعان ما يلتفتون للخلف، وتلك فعلا معضلة تستعصي إلى الآن على الحل.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)