ميرال حسين يكتب: المراجعة المتكاملة: كيف تنظر الحكومة البريطانية إلى التحديات العالمية الراهنة؟

profile
  • clock 18 مارس 2023, 2:58:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

استجابةً للتقلبات العالمية المتزايدة والمُعقدة، وزيادة التنافس بين الدول، وللجمع بين القوة المشتركة لكل جزء من الحكومة لضمان بقاء المملكة المتحدة آمنة ومزدهرة ومؤثرة في 2030، قام وزير الخارجية “جيمس كليفرلي”، بناءً على إعلان رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سوناك”، بتسليم مجلس العموم مراجعة للاستراتيجية المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية لعام 2021 التي قدمها “بوريس جونسون” رئيس الوزراء آنذاك.

وسلطت المراجعة الضوء على عدد من التحديات الدولية والمحلية، مثل التهديدات الجديدة من روسيا والصين، والطموح الجديد للإنفاق العسكري الطويل الأجل، فضلاً عن حماية اقتصادها والمنافسة في المجال التكنولوجي؛ الأمر الذي أثار الجدال ليس فقط حول مدى تبني الحكومة البريطانية سياسات للتعامل مع هذه التحديات، ومدى جدوى تلك السياسات، بل أيضاً حول ردود الفعل الدولية على تفاصيل تلك المراجعة.

تحديات مستحدثة

تم تكليف المراجعة المتكاملة لعام 2023 بالرد على عدد من التهديدات الجيوسياسية الناشئة، وهناك ما كان قد تم تحديده في المراجعة المتكاملة الأصلية لعام 2021، لكنها تكثفت في العامين الماضيين، مع عواقب بعيدة المدى على أمن وازدهار الشعب البريطاني؛ لذلك يمكن تناول أبرز تلك التحديات على النحو التالي:

1- التدخل الروسي في أوكرانيا: إذ وصفت بريطانيا روسيا بأنها أكبر “تهديد إقليمي”، وقالت إن الأولوية الأمنية الأكثر إلحاحاً هي إيجاد طرق لدعم أوكرانيا في أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما شددت على أن الحرب الأوكرانية ومحاولات روسيا ضم جزء من أراضي أوكرانيا السيادية يتحدى الأمن الأوروبي والنظام الدولي بأكمله؛ ما يتطلب حرمان موسكو من أي منفعة من حربها على أوكرانيا؛ حيث ذكر “سوناك” أن أمن المملكة المتحدة يتوقف على نتيجة الحرب الأوكرانية.

2- الإكراه الاقتصادي الصيني: رأت بريطانيا أن الصين تشكل “تحدياً محدداً للعصر” له تداعيات على كل مجال تقريباً من مجالات السياسة الحكومية وحياة الشعب البريطاني. وهذا يوضح قلق المملكة المتحدة من التحدي الذي يمثله الحزب الشيوعي الصيني بشأن النشاط العسكري والمالي والدبلوماسي بشكل متزايد، بالإضافة إلى أزمة سلاسل التوريد التكنولوجية.

لكن تجدر الإشارة إلى أن تصنيف الصين فقط باعتبارها “تحدياً محدداً للعصر” بعد أن كانت في استراتيجية 2021 “منافساً منهجياً”، يشير إلى معارضة “سوناك” رغبة أعضاء حزب المحافظين الذين أرادوا تصنيف بكين على أنها “تهديد”، على غرار ما يُستخدم لوصف روسيا، وهو ما كان سبب إصرار رئيسة الوزراء السابقة “ليز تراس” على إعادة فتح تحديث المراجعة المتكاملة؛ لإجراء إعادة التصنيف التي من شأنها أن تزيد من تأجيج العلاقات المشحونة بالفعل مع بكين.

3-استحداث تايوان باعتبارها تحدياً: إذ أشارت بريطانيا بأصابع الاتهام إلى سياسة الصين الخارجية، منتقدة بكين فيما يتعلق بتايوان وهونج كونج وشينجيانج والتبت وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، لكن الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من عدم ذكر قضية تايوان في استراتيجية 2021، فإن النسخة المحدثة تضمنت ذكر القضية خمس مرات.

ومن جانبه، أوضح “سوناك” أن موقف الصين الأكثر عدوانيةً تجاه تايوان واحد من عدة تهديدات بإنشاء نظام عالمي محدد بـ”الخطر والفوضى والانقسام، ونظام دولي أكثر ملاءمة للاستبداد”، كما كررت بريطانيا موقفها مرة أخرى في المراجعة بأن “قضية تايوان يجب تسويتها سلمياً من قبل الطرفين على جانبي مضيق تايوان من خلال الحوار، وليس من خلال أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن”.

4- استمرار تهديد الإرهاب: أشارت المراجعة إلى التهديدات المرتبطة بالشرق الأوسط، معتبرة أن التحديات الأمنية العابرة للحدود ما زالت تمثل خطراً معتبراً لدى المملكة المتحدة، وتبقى محور تركيز كبير لجهات إنفاذ القانون ووكالات الاستخبارات، كما أشارت المراجعة إلى أن الجماعات الإرهابية تحافظ على طموحها بشن هجمات ضد المملكة المتحدة ومصالحها في الخارج؛ لذلك لا يمكن استبعاد إمكانية حصول عودة كبيرة لنشاط هذه الجماعات.

ومع ذلك، فإن هذا التوجه يشير أيضاً إلى التحول في العقلية البريطانية من مواجهة الفاعلين من غير الدول في حالة الإرهاب؛ وذلك بعد تراجع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومقتل زعيمها “أبو بكر البغدادي”، إلى مواجهة الفاعلين من الدول، وبالأخص التقارب بين روسيا والصين وإيران، لكونهم فاعلين حكوميين بميزانيات أكبر، ويتاح لهم المزيد من الأسلحة والأدوات المتطورة.

سياسات هشة

حدد التقرير عدداً من الإجراءات ذات الأولوية الإضافية للاستراتيجية المحدثة بشكل مباشر، التي يمكن ترجمتها في صورة سياسات تتبناها الحكومة البريطانية للتعامل مع هذه التهديدات؛ وذلك على النحو التالي:

1- زيادة التمويل الدفاعي: إذ تؤكد المراجعة المتكاملة لعام 2023 أنه سيتم تقديم 5 مليارات جنيه إسترليني إضافية إلى وزارة الدفاع على مدار العامين المقبلين؛ للمساعدة في تجديد مخزونات الذخيرة الحيوية وتعزيزها؛ وذلك نتيجة تعرض “سوناك” لضغوط لبذل المزيد لمساعدة وزارة الدفاع على مكافحة التضخم وتعويض الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا.

بالإضافة إلى تخصيص 3 مليارات جنيه إسترليني لتحديث المؤسسة النووية في المملكة المتحدة وتمويل المرحلة التالية من برنامج الغواصة AUKUS. ويأتي ذلك بعد زيادة نقدية قدرها 24 مليار جنيه إسترليني على مدى أربع سنوات في الإنفاق الدفاعي في عام 2020، وهي أكبر زيادة مستدامة منذ الحرب الباردة.

كما حدد رئيس الوزراء طموحاً لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل؛ هذا إلى جانب تمسك المملكة المتحدة بمكانتها مساهماً رئيسياً في حلف الناتو وشريكاً دولياً موثوقاً به، حول الموقف المستقبلي وتقاسم الأعباء في قمة الناتو في ليتوانيا هذا الصيف.

ولكن على الرغم من إعلان “سوناك” إعادة الالتزام بهدف رفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي “على المدى الطويل”، على غرار ما أعلنه “جونسون” في آخر قمة للناتو حضرها في يونيو، فإن الأخير حدد “موعداً مستهدفاً، وهو 2030، للوفاء بالتعهد، أما “سوناك” فلم يفعل ذلك.

2- تبني نهج متسق وقوي تجاه الصين: إذ أوضحت المراجعة أن على بريطانيا العمل مع الصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل تغير المناخ والاستقرار المالي العالمي. وقالت المراجعة إن الخطوط العريضة الثلاثة لاستراتيجيتها الجديدة تجاه الصين ستكون حماية الأمن القومي، بما في ذلك البنية التحتية وسلاسل التوريد، والتحالف مع الحلفاء للحد من نفوذ الصين، والمشاركة حيثما يتفق مع اهتماماتها.

كما تضمنت المراجعة إجراءات جديدة لتعزيز الأمن الاقتصادي للمملكة المتحدة، والقدرات التكنولوجية، وعروض التنمية الدولية في مواجهة التهديد الصيني المتنامي، وكذلك مضاعفة التمويل لبرنامج قدرات الصين على مستوى الحكومة، بما في ذلك الاستثمار في التدريب على لغة الماندرين، وخبرات الصين الدبلوماسية، وتعزيز قدرات الأمن القومي عبر الحكومة.

لذلك شدد رئيس الوزراء “سوناك” على ضرورة تبني هذا الاتجاه عبر الحكومة، متجذراً في المصلحة الوطنية ومتوافقاً مع حلفائها، لتحصين الدفاعات الوطنية من الأمن الاقتصادي إلى سلاسل التوريد التكنولوجية والخبرة الاستخباراتية؛ لضمان عدم تعرض بريطانيا مرة أخرى لأعمال قوة معادية.

لكن ما تعنيه اللغة الجديدة لنهج سياسة بريطانيا تجاه الصين على وجه التحديد أقل وضوحاً؛ حيث إن تعزيز الوجود العسكري البريطاني الضئيل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ليس ذا قيمة جيدة مقابل تمويل القوات المسلحة البريطانية الممتدة؛ وذلك في الوقت الحالي على الأقل؛ حيث إن التهديد الأساسي من بكين ضد بريطانيا يكمن بالأساس في مجال الملكية الفكرية، وليس في عدد القوات المسلحة.

3- لعب دور قيادي في الأمن الأوروبي الأطلسي: تؤكد المراجعة أن المملكة المتحدة ستستمر في هذا الدور، لكن مع تعزيز التحول الاستراتيجي الذي حققته بالميل نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبالفعل كخطوة أولى لتحقيق هذه الأولوية، فقد حضر رئيس الوزراء “سوناك” إلى سان دييجو في 13 مارس لعقد اجتماع مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ورئيس الوزراء الأسترالي “أنتوني ألبانيز” للمُضي قدماً في المرحلة التالية من برنامج غواصات AUKUS.

وتستهدف هذه السياسة دحض توقعات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي تشير إلى عكس ذلك، ولتأكيد أن أمن أوروبا يمثل أهمية استراتيجية بالنسبة لبريطانيا، بل يجب تركيز إعادة الاستثمار الحذر في القدرة العسكرية البريطانية على مساعدة أوكرانيا ودول الناتو في الخطوط الأمامية لحماية نفسها.

4- تأسيس هيئة وطنية جديدة لأمن الحماية: فقد تم إنشاء تلك الهيئة داخل وكالة الأمن والاستخبارات المحلية المعروفة أيضاً باسم MI5، اعتباراً من 13 مارس لتزويد مجموعة واسعة من الشركات والمؤسسات الأخرى في المملكة المتحدة بإمكانية الوصول الفوري إلى مشورة أمنية متخصصة.

5- إطلاق مبادرة الردع الاقتصادي لتعزيز قوة إنفاذ العقوبات: وتستهدف هذه المبادرة إغلاق الطرق أمام منتهكي حقوق الإنسان، ومحاولة بعض الأطراف التهرب من العقوبات. وبحسب المراجعة، تعزز المبادرة الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للرد على الأعمال العدائية وردعها. وبتمويل يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني على مدار عامين، ستعمل المبادرة على تحسين تطبيق العقوبات وإنفاذها، وبالتبعية “تعظيم تأثير عقوبات بريطانيا التجارية والنقل والعقوبات المالية؛ وذلك عن طريق وسائل تشمل قمع التهرب من العقوبات. كما ترتبط المبادرة بمحاولات تحديث نظام الرقابة على الصادرات البريطانية؛ لمعالجة عمليات نقل التكنولوجيا الناشئة الحساسة، والعمل مع الشركاء الدوليين لجعل الضوابط المتعددة الأطراف أكثر فاعليةً.

6-إنشاء صندوق أمان متكامل جديد: لتحقيق الأهداف الأساسية للمراجعة المتكاملة في الداخل وحول العالم، بما في ذلك في مجال الأمن الاقتصادي والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، تم إنشاء صندوق جديد بقيمة مليار جنيه إسترليني. والجدير بالذكر أن هذا يحل محل صندوق الصراع والاستقرار والأمن (CSSF) الحالي.

7- تحديث لاستراتيجية المعادن الحرجة في المملكة المتحدة: وذلك لضمان حصول المملكة المتحدة على وصول موثوق إلى المكونات الحيوية للتكنولوجيا اليومية والمستقبلية، باعتبارها محوراً أساسياً في الاقتصاد البريطاني. وفي هذا الإطار، أكدت المراجعة أهمية الشراكة مع الحلفاء الدوليين لتعزيز الاستفادة من المعادن الحرجة، وذكرت على سبيل المثال، الحوار الجديد الذي تم إطلاقه حول سلسلة إمداد المعادن الحرجة بين المملكة المتحدة وكندا لبناء سلاسل إمداد آمنة ومتكاملة للمعادن الحيوية.

8- زيادة الاهتمام بتطوير وسائل الإعلام: إذ أعلن “سوناك” توفير 20 مليون جنيه إسترليني إضافية لتمويل شبكة “بي بي سي” العالمية؛ ما يضمن استمرارها في تقديم 42 خدمة لغوية حيوية، بما في ذلك في البلدان التي تستهدفها الدول المعادية للمعلومات المضللة.

معارضة صينية

بدورها، أعربت الصين عن استيائها ومعارضتها الشديدتين للمراجعة المتكاملة المحدثة التي أصدرتها الحكومة البريطانية، والتي تصور الصين على أنها “تحدٍّ محدد للعصر” وتثير مسألة تايوان. وقال بيان صحفي للسفارة الصينية في المملكة المتحدة إنه بالنسبة إلى جميع الدول، تعتبر الصين فرصة تحدد حقبة وليست تحدياً، وأكد المتحدث باسم السفارة أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وأعرب عن معارضته تدخل الدول الأخرى في الشؤون الداخلية للصين.

وبناءً على ذلك، فإن التركيز المكثف في المراجعة على الفاعل الصيني على وجه التحديد يمكن إرجاعه إلى أنه وسيلة لتحويل الانتباه من عدم الكفاءة في إدارة الفوضى السياسية المحلية إلى الدول الأجنبية، وهو ما تتبناه بعض الدول في أوروبا والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. أما بالنسبة إلى الإشارة المتكررة إلى قضية تايوان في المراجعة، فإن موقف المملكة المتحدة الأكثر صرامة بشأن مسألة تايوان هو تلبية الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، نظراً إلى أن مسألة تايوان واحدة من أكثر الموضوعات إثارة في الغرب هذه الأيام؛ فقد ترغب المملكة المتحدة في ممارسة التهديد مواكبةً مع الولايات المتحدة.

وإجمالاً لما سبق، يأتي تحديث المراجعة المتكاملة للدفاع والسياسة الخارجية بعد عامين فقط من النسخة الأصلية. وإذا فاز حزب العمال بالانتخابات، فقد يستمر ذلك لفترة زمنية مماثلة فقط. كما أن ذلك لم يكن ليحدث لولا فوضى المحافظين؛ لأن إعادة فتح المراجعة كانت من بنات أفكار “ليز تراس” التي لم تدم طويلاً، كما أنه على الرغم من تركيز “سوناك” على التهديد الصيني، فإن هذه المراجعة أكدت أن أمن أوروبا هو العامل الحيوي بالنسبة للمملكة المتحدة؛ فقد كانت استنتاجات تلك المراجعة بمنزلة معادلة بين استراتيجيات الدفاع والردع والدبلوماسية والتجارة والاستثمار والاستخبارات والأمن والتنمية الدولية والعلوم والتكنولوجيا على مدار العامين الماضيين.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)