محمد جميل يكتب: لن نسمح بسرقة ما تبقى لنا من فطرة سليمة

profile
  • clock 1 ديسمبر 2022, 5:28:37 م
  • eye 81
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

لست من عشاق كرة القدم أو من متابعيها بل من المنتقدين دائما لما وصلت إليه هذه الصناعة من بذخ يفوق الخيال وعلى وجه الخصوص أجور المشاهير من اللاعبين في الدول الغربية التي تصل إلى مئات الملايين تفوق بمئات المرات أجور الأطباء والمهندسين والعلماء وميزانيات مراكز الأبحاث العلمية وغيرها مما يفيد البشرية في حاضرها ومستقبلها.

لست هنا لنقد اللعبة وبيان ما لها وعليها، لكن استضافة دولة عربية مسلمة لأول مرة كأس العالم ونجاح التنظيم الذي دلل عليه الافتتاح أبهرنا جميعا باعتبار الهدف الأسمى من استضافة هذا الحدث أن يتعرف العالم أجمع عن قرب على رسالة العرب والمسلمين بأنها رسالة تسامح وسلام ومحبة.

وهذا ما كان، فقد أجمع الجميع أن الرسالة وصلت وأن الهدف الأول الذي تحقق في هذه البطولة عندما تلا صاحب الهمم غانم المفتاح في حفل الافتتاح قوله تعالى "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ."

لكن في غمرة انغماس عشاق الكرة بمتابعة مجريات الحدث العالمي تصاعدت حملة الشيطنة تحت عناوين مختلفة أبرزها انتهاك الدولة المستضيفة لحقوق العمال وحقوق المثليين، بل انتقاد كافة قوانين الأسرة والقيم التي يقوم عليها المجتمع وحتى إثارة قضايا ليس للإنسان يد فيها مثل ارتفاع درجة الحرارة وهي قضية تم التعامل معها باقتدار.
 

لقد تملكتني الدهشة وأنا أستمع للمتحدثين لما تضمنته كلماتهم من حقد وعنصرية وأكاذيب وتضليل، وكأنني بما يسمى صراع الحضارات قد ابتدأ لتوه وأن هؤلاء القوم لا يفرقون بين الخير والشر طالما أنك تنتمي إلى الحضارة العربية والإسلامية


البرلمان الأوروبي وبتحريض من نواب ماكرون افتتح ما يشبه الملطمة للنيل من الدولة المستضيفة فأحدهم قال إن قطر تستغل الحدث لنشر الإسلام، وأخرى قالت إن قوانينها المستمدة من الشريعة الإسلامية تسمح بنزع حضانة الأم لمصلحة الأب، والعجب العجاب أن أحدهم تساءل كيف يتم عقد حدث عالمي كهذا في صحراء درجة الحرارة فيها مرتفعة لا تناسب اللعبة، وبالطبع لم تغب قضية انتهاكات حقوق العمال والمثليين في كلمات المتحدثين.

لقد تملكتني الدهشة وأنا أستمع للمتحدثين لما تضمنته كلماتهم من حقد وعنصرية وأكاذيب وتضليل، وكأنني بما يسمى صراع الحضارات قد ابتدأ لتوه وأن هؤلاء القوم لا يفرقون بين الخير والشر طالما أنك تنتمي إلى الحضارة العربية والإسلامية.

جلسة البرلمان الأوروبي التي عقدت على نحو مفاجئ مساء الإثنين بتاريخ 21/11 تطرح علامات استفهام سيما أنها جاءت بعد جلسة عامة عقدتها لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي بحضور مسؤول حكومي بتاريخ 14/12 نوقشت خلالها الإصلاحات الحقوقية في الدولة وبعد نهاية النقاش بدا الجميع سعداء بما تحقق واتفق الجميع على مواصلة الإصلاحات.

المعلومات التي رشحت وطريقة إخراج قرار في البرلمان الأوروبي في يوم وليلة أكدت أن دولة جارة عربية وإسلامية استخدمت كافة الوسائل القذرة لإقناع مجموعة برلمانية بأن الوقت مناسب مع بدء فعاليات كأس العالم لطرح مثل هذا القرار سيما أن قضية المثليين تحظى بدعم كبير في المجتمعات الغربية بالمقارنة مع قضايا أخرى.

الهجمة المسعورة لم تكن وليدة اللحظة إنما ابتدأت قبل 12 عاما عندما حظيت قطر باستضافة كأس العالم، جن جنون الإعلام الغربي فكيف لدولة عربية وإسلامية أن تحظى باستضافة مثل هذا الحدث وبدأ النبش وفتحت التحقيقات حول رشى مزعومة لكنها جميعا توصلت إلى حقيقة أن عملية الاختيار لم يشبها أي فساد.

لكن هذه النتيجة لم تعجب الإعلام الغربي فاستمر في حملة الشيطنة.. فتارة يثير قضية انتهاك حقوق العمال وتارة أخرى انتهاك حقوق المثليين.. ونشرت أرقام خاصة في صحيفة الغارديان حول أعداد الوفيات في صفوف العمال وكأنهم في ساحات حرب.. وتبين أنها أرقام غير صحيحة بتقارير من منظمة العمل الدولية.

وصف الإعلام الغربي لأعداد الوفيات المهول راق للكثير من السياسيين، حيث أصبح يستخدم كمرجع في خطاباتهم ومواقفهم من الدولة دون التحقق منها.. وعلى هذا المنوال أي معلومة سلبية تنتشر حتى اللحظة كالنار في الهشيم وكأن هناك تعليمات لتجنب ذكر أي إيجابيات على خلاف البطولة الأخيرة التي عقدت في روسيا عام 2018.

في ذلك الوقت لم تكن روسيا هدفا للإعلام الغربي وأجندات الساسة في الغرب.. فما فعلته روسيا في سوريا من قتلها لمئات الآلاف وتدميرها للمدن وتشريد الملايين لا يعنيهم حرفيا أو أن الإعلام الغربي وجد أن إثارة هذه القضية خاسرة كون الغرب سبقوا روسيا في تدمير العراق وأفغانستان وقتلوا وشردوا الملايين.
 

الغرب يتحدث عن حرية المعتقد والرأي فكيف يمكن أن يدعو الدولة المستضيفة لفرض مثل هذه العلاقات على المجتمع الذي يرفضها.. ولو حاول النظام فرضها على المجتمع بأي شكل من الأشكال لثار الناس وانتشر العنف.


فيما يتعلق بقضية المثليين وطريقة فرضها الفج معركة خاسرة بامتياز، فهي ليست رهن قرار أو تشريع من النظام الحاكم، فأي نظام في الشرق الأوسط وإفريقيا والعديد من الدول الإسلامية وحتى في دول ذات طابع علماني مسيحي لا يملك إباحة هذا النوع من العلاقات فالأمر برمته يتعلق بمعتقدات وتقاليد وثقافة المجتمعات المعنية..

ووفقا لنهج الديمقراطيات الغربية العتيدة لا يمكن فرض نقاش حول موضوع لا ترغب المجتمعات بنقاشه فقضية المثليين بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية محسومة فهي من العلاقات المحرمة والمرفوضة وغير خاضعة لأي مساومات.

الغرب يتحدث عن حرية المعتقد والرأي فكيف يمكن أن يدعو الدولة المستضيفة لفرض مثل هذه العلاقات على المجتمع الذي يرفضها.. ولو حاول النظام فرضها على المجتمع بأي شكل من الأشكال لثار الناس وانتشر العنف.

إن محاولة فرض مفهوم جديد للأسرة لن ينجح فكافة المجتمعات في أنحاء المعمورة على اختلاف عقائدها تعتبر أن الأسرة تقوم على العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، هذه النواة التي تتشكل منها المجتمعات نصت القوانين الدولية والقوانين المحلية على حمايتها باعتبارها الضمانة الوحيدة لاستمرار الجنس البشري.

طوال فترة الإعداد للحدث لم يشر الإعلام الغربي إلا ما ندر إلى الإصلاحات التي أدخلتها الدولة على منظومة حقوق العمال من أبرزها إلغاء نظام الكفالة وتعديل الأجور وإنشاء صندوق لتعويض العمال ووضع منظومة رقابة ومحاسبة لملاحقة أي انتهاك.

صحيح أن هذه الإصلاحات غير مثالية وتشوبها الكثير من الثغرات ويحتاج الأمر إلى كثير من الوقت حتى نصل إلى نظام حقوقي عمالي عادل، فقد قطعت هذه الدولة أشواطا في سبيل ذلك وتحتاج إلى التشجيع لمواصلة العمل في هذا الطريق والحفاظ على ما تم إنجازه في مقابل محيط يرفض مثل هذه الإصلاحات.

الغرب نفسه الذي يتشدق بالحقوق والحريات لم يصل إلى نظام مثالي يحافظ على حقوق العمال والمهاجرين والأقليات فأزمات عديدة فضحت التعامل القاسي على أساس عرقي وديني مع هذه الفئات.

خارج حدود دول الاتحاد الأوروبي والغرب عموما أنشئت مصانع في مختلف المجالات ومحطات تنقيب عن المعادن والنفط والغاز في دول آسيوية وإفريقية، حيث آلاف العمال يعملون في ظروف سيئة ويتقاضون أجورا متدنية 50 ـ 100 دولار شهريا وقضى الآلاف نحبهم دون أي تحرك لتحسين أوضاعهم.

وهناك دول مثل فرنسا ترفض التخلي والاعتذار عن ماضيها الاستعماري في إفريقيا، فهي لا زالت تحرك الانقلابات وتمارس مهنة الاغتيال ضد كل من لا ينصاع لسياساتها في السيطرة على القوى العاملة وثروات البلاد من الطاقة والمعادن وغيرها من الخيرات التي يحرم منها سكان البلاد وتستمتع بها فرنسا.

الغرب عندما يتحدث عن العبودية الحديثة فهو وقح ومنافق ومضلل، يشير مؤشر العبودية العالمي إلى أرقام مرعبة في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، التي تغطي 51 دولة، حيث يوجد أكثر من 3،5 ملايين شخص محاصرون في نوع من أنواع العبودية الحديثة.
 

إن قطر بصغر مساحتها أثبتت عندما تم افتتاح كأس العالم بنجاح باهر أن إمكانياتها كبيرة، فهي ليست بحاجة إلى الثناء من الغرب وليست بحاجة إلى قنوات الـ "بي بي سي" لبث احتفالية الافتتاح ليشاهدها العالم، ففي مشارق الأرض ومغاربها حظي الحدث بتغطية هائلة واهتمام وتقدير فلم تعر الدولة المستضيفة اهتماما لناكري الجميل..

‎يؤكد "الموجز الإقليمي لأوروبا وآسيا الوسطى" (2017) أن العبودية الحديثة لا تشمل فقط البالغين، ولكن أيضًا الأطفال. 4.1٪ من جميع الأطفال في المنطقة هم ضحايا عمالة الأطفال، والغالبية العظمى منهم في الوظائف عالية الخطورة.

‎ويشير تقرير آخر لمنظمة العمل الدولية عن اقتصاديات العمل الجبري إلى أنه في الاقتصادات المتقدمة والاتحاد الأوروبي، يدر العمل الجبري 46.9 مليار يورو من الأرباح سنويًا، وتأتي النسبة الأكبر من هذه الأرباح من الاستغلال الجنسي.

هذا الواقع المرير والانتهاكات ونهب ثروات الشعوب على يد الغرب فضحه رئيس الفيفا جياني إنفانتينو حيث قال بالحرف: "لقد تعلمنا العديد من الدروس من الأوروبيين والعالم الغربي، أنا أوروبي، وبسبب ما كنا نفعله منذ 3000 عام حول العالم، يجب أن نعتذر لنحو 3000 سنة قادمة قبل إعطاء دروس أخلاقية".

لذلك كله نقول: إن قطر بصغر مساحتها أثبتت عندما تم افتتاح كأس العالم بنجاح باهر أن إمكانياتها كبيرة، فهي ليست بحاجة إلى الثناء من الغرب وليست بحاجة إلى قنوات الـ "بي بي سي" لبث احتفالية الافتتاح ليشاهدها العالم، ففي مشارق الأرض ومغاربها حظي الحدث بتغطية هائلة واهتمام وتقدير فلم تعر الدولة المستضيفة اهتماما لناكري الجميل.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)