عبد الحليم قنديل يكتب: حرب أوكرانيا وشتاء المصائر المعلقة

profile
  • clock 26 نوفمبر 2022, 3:50:05 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

هل يكون الشتاء الزاحف خاتمة لحرب أوكرانيا؟ روسيا من جانبها تستعد على ما يبدو لاستثمار فرصة الشتاء ومدّ بساط الثلوج، في منطقة تنزل حرارتها الشتوية إلى ثلاثين درجة تحت الصفر، وتتعطل حركة الدبابات والمدافع والمدرعات، وتختفي الغابات والغطاءات الحرجية، التي تستر اختفاء القوات.
وفي ظن موسكو أن الشتاء هو حليفها العسكري التاريخي، فقد انتصر لروسيا في حروبها الوجودية الكبرى، من حملة نابليون إلى حملة هتلر المعروفة باسم «عملية بارباروسا» أوائل أربعينيات القرن العشرين، وقتها نزلت حرارة موسكو إلى الأربعين درجة تحت الصفر، وبدأ مشوار سحق الجيش النازي المكون من أربعة ملايين جندي، وتوالت بعدها اجتياحات الجيش السوفييتي الأحمر وصولا لاحتلال برلين.
وقد يكون في الحاضر بعض الماضي، وإن كان لا يطابقه تماما، فالأوكران أيضا عاشوا قوانين حرب الشتاء، وكانوا في قلب معركة الروس السوفييت مع النازي، غير أن تكتيكات الحروب مختلفة كثيرا اليوم، وهو ما يبدو أن القيادة الروسية الحالية تدركه تماما، وهيأت مسارح الحرب الممتدة اليوم إلى شهرها العاشر، فقد لوحظ تباطؤ الزحف الروسي منذ شهور، وانقلاب الصور في معارك جرت منذ أوائل سبتمبر 2022، وحققت فيها الأطراف الغربية من وراء قناع الجيش الأوكراني عددا من الاختراقات العسكرية، بدأت بدفع القوات الروسية للوراء في مقاطعة خاركيف، ثم انتزاع عدد من بلدات الدونباس، ثم بدأ الزحف الأوكراني مؤثرا في شق خيرسون غرب نهر دنيبرو، ما دفع الطرف الروسي إلى تراجعات تكتيكية، بلغت أوجها مع سحب أربعين ألف جندي روسي من غرب دنيبرو إلى شرقه، وهو ما سمح لأوكرانيا بإعلان انتصار مجاني في خيرسون، ثم تبددت ملامح الفرح الأوكراني والغربي سريعا، وبدأوا في سحب ما تبقى من سكان مدينة خيرسون وجوارها في مقاطعة ميكولايف، وبدعوى إنقاذهم من مصائر الموت بردا في الشتاء، بينما واصلت القوات الروسية مهام إعادة التنظيم، وتحصين الدفاعات وتنفيذ خطة قائد القوات الروسية الجديد الجنرال سيرجي سوروفيكين، الذي اقترح القرار الصعب بالانسحاب المنظم من غرب دنيبرو، وجعل النهر الواسع الذي يشق أوكرانيا رأسيا مانعا طبيعيا حدوديا، ونقل قوات إلى مقاطعتي الدونباس لوغانسك ودونيتسك، بالتوازي مع إتمام عمليات تدريب قوات التعبئة الجزئية، ومع موجات قصف روسي شرس بالصواريخ والطائرات المسيرة على كل مدن أوكرانيا، وباستهداف مقصود لتدمير محطات الكهرباء والمياه ومنشآت التدفئة، ما أسفر حتى اليوم عن إخراج نصفها من الخدمة، ومضاعفة الخوف من موت الأوكران بردا في الشتاء، الذي برقت نذره، ولا تبدو حملات القصف الروسي إلى تراجع، بل ربما تشمل مع دخول الشتاء كامل بنية النقل الأوكرانية، المعتمدة أساسا على شبكات خطوط السكك الحديدية تماما كروسيا، وهو ما تعرفه موسكو تفصيلا، فهي التي أقامت كل هذه المنشآت في العهد السوفييتي، وأقامت محطة زاباروجيا النووية لتوليد الكهرباء في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وكانت مفاعلاتها الستة توفر خمس احتياجات أوكرانيا من الكهرباء،، ونقل الرئيس فلاديمير بوتين ملكيتها إلى مؤسسة «روس أتوم»، بعد قرارات ضم المقاطعات الأربع لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون إلى الأراضي الروسية، وقد لا تعوق ظروف الشتاء حركة السلاح الجوي والصاروخي الروسي، بل ربما يكون الشتاء هو الموسم المثالي لدورات القصف المركز، خصوصا أن صواريخ الدفاع الجوي الغربية المتقدمة المرسلة من ألمانيا وأمريكا بالذات، قد لا تكون كافية ومؤثرة في حماية ما تبقى من البنية التحتية الخادمة لدعم القوات الأوكرانية، وربما لن يكون مفاجئا، أن تزحف القوات الروسية، رغم ظروف الشتاء، وأن تسيطر بتمهل على مدن من نوع باخموت وكراماتورسك وسلافيانسك، ظلت إلى اليوم خارج سيطرة الروس في مقاطعتي الدونباس.

رغم أن الأطراف الغربية المناوئة لروسيا، تواصل الكلام علنا عن دعم أوكرانيا بلا حدود ، إلا أن ثقة هذه الأطراف تراجعت في إمكانية الانتصار على روسيا

وقد لا يصح أن يستهين عاقل بهجمات مضادة واردة من الجيش الأوكراني، الذي جرى تغيير جلده وتجديده مرات بعد فناء طبعته الأصلية، وبإسناد هائل من عشرات الدول في حلف الناتو وخارجه، وبمشاركات فعلية غير معلنة رسميا، شملت الاستخبارات والتخطيط، إضافة لإمدادات السلاح الغربي المتطور، والمعلومات اللحظية المتدفقة من مئات الأقمار الصناعية المدنية والعسكرية، لكن ذلك كله، يصطدم على ما يبدو بحواجز الإنهاك العسكري والاقتصادي، الذي أصاب دول الاتحاد الأوروبي التابعة لواشنطن، التي دفعت مع حلفائها لأوكرانيا معونات عسكرية واقتصادية، تجاوزت المئة مليار دولار بكثير، ورغم أن الأطراف الغربية المناوئة لروسيا، تواصل الكلام علنا عن دعم أوكرانيا بلا حدود وبلا سقف زمني، وإلى حد إصدار البرلمان الأوروبي لقرار غير ملزم باعتبار روسيا دولة راعية للإرهاب، إلا أن ثقة هذه الأطراف تراجعت في إمكانية الانتصار على روسيا في الحرب الجارية ذات الطابع العالمي، فرغم تأثر الاقتصاد الروسي تحت ضغط 12 ألف صنف من العقوبات الصارمة، واحتمالات تراجع الناتج القومي الروسي بنحو 4%، إلا أن تحول الاقتصاد الروسي إلى الشرق ينجيه من الانهيارات، ثم إن الكمون العسكري الروسي على مدى شهور، بل التراجعات والانسحابات المتكررة، كانت كلها على ما يبدو تحضيرا لحملة الشتاء، ومراهنة على إضعاف تماسك الناتو ودوله، وهو ما بدت بوادره متدافعة مرئية في الشهور الأخيرة، مع تصاعد نبرة الصين في دعم الموقف الروسي، وتكريس معاني الشراكة بين موسكو وبكين، وفشل واشنطن في دق إسفين بين الطرفين، واتضاح استحالة عزل روسيا، واضطرار واشنطن للمبادرة بإجراء اتصالات ومفاوضات تهدئة مع موسكو، على نحو ما تواتر سرا ثم علنا، باجتماعات استخباراتية رفيعة المستوى بين الطرفين في أنقرة، ثم باجتماعات تقنية في القاهرة، تدور في أغلبها حول التهدئة النووية، وتجديد اتفاقات ستارت، على نحو ما تعلنه واشنطن، وإن كانت موسكو تميل إلى تضمين الموضوع الأوكراني في المفاوضات الروسية الأمريكية، باعتبار أن أمريكا هي الطرف المقابل لروسيا في الحرب، ورغم إعلان واشنطن رسميا أكثر من مرة، أن التفاوض في الوضع الأوكراني من مسؤولية فولوديمير زيلينسكي، وحث الأخير على التفاوض مع موسكو، مع إشارات متتابعة لضغط أمريكي على الرئيس الأوكراني، الذي أعلن مرات عن اشتراط انسحاب روسيا من المقاطعات الأربع وشبه جزيرة القرم، فيما صدرت تصريحات عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، بدت في صورة نصائح ثم تحذيرات، كنصيحة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي دعا الأوكران علنا للتوقف عن المطالبة باستعادة شبه جزيرة القرم، ثم توقعات الجنرال مارك ميلي رئيس أركان الجيوش الأمريكية، الذي حذّر من تخيل إمكانية استعادة أوكرانيا للمقاطعات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها، وقال بوضوح إن هذا غير وارد عسكريا، وهو ما كان له أثره الموجع في كييف، التي اعترف مسؤولوها بوجود ضغوط غربية عليهم للتفاوض وربما للاستسلام، فقد أصبحت حرب أوكرانيا ومضاعفاتها عبئا فوق طاقة احتمال الغرب، وبالذات بعد افتضاح خدعة زيلينسكي، وانكشاف حقيقة الصاروخين اللذين سقطا على الأراضي البولندية، وأنهما أطلقا من قبل القوات الأوكرانية، بهدف توريط حلف الناتو في حرب نووية مع روسيا، ما اضطر واشنطن للمسارعة بتبرئة روسيا، مع رجحان كفة اتهامات موسكو لواشنطن ولندن بتدبير انفجارات خطي «نورد ستريم»، بعد إعلان نتائج تحقيقات السويد، التي لم تتهم روسيا كما رغبت واشنطن، وهو ما يضاعف آلام أوروبا، التي تدفع أثمانا فلكية لواردات الغاز الطبيعي البديلة للغاز الروسي الأرخص بكثير، وتشعر بخيانات الحليف الأنكلوساكسوني الأمريكي والبريطاني، الذي يكسب على حساب الدمار الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي، وكلها تطورات تؤثر سلبا في قوة الاندفاع الأمريكي في حرب أوكرانيا، وبالذات مع نتائج انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونغرس، التي أدت لنصر ملحوظ للجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، وتأكيد انتقال رئاسة مجلس النواب إلى كيفن مكارثي حليف ترامب، الذي أعلن اعتزامه الترشح مجددا للرئاسة، ما يجعل جو بايدن الطامح للتجديد الرئاسي في زحمة انشغال بالمصائر، قد يحسن معها التخفف من عبء الدعم المطلق لأوكرانيا، فقد تكون أغلبية الجمهوريين ضئيلة، لكنها كافية لإعاقة التصرفات المالية للبيت الأبيض، ومكارثي الجمهوري أعلن مرات أنه لا شيكات على بياض بعد اليوم لأوكرانيا، وهو موقف ترامب ذاته المتربص بالرئيس، الذي لن يفيده كثيرا فوز الديمقراطيين بصوت واحد زائد في مجلس الشيوخ، فصلاحيات الأخير منصرفة أساسا لتمرير تعيينات الإدارة، إضافة لنية جماعة ترامب إثارة حروب شخصية ضد بايدن، من نوع ملفات نجله هانتر وفساد صفقاته مع حكام أوكرانيا.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)