صادق الطائي يكتب: حرق وتدنيس نسخ القرآن… أزمات متكررة يشعلها اليمين المتطرف

profile
صادق الطائي كاتب عراقي
  • clock 30 يناير 2023, 4:10:47 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

حادثتان متزامنتان في السويد وهولندا أثارتا موجة غضب جديدة في العالم الإسلامي مرة أخرى، إذ قام راسموس بالودان زعيم حزب «سترام كورس» اليميني المتطرف الدنماركي يوم 21 كانون الثاني/يناير الجاري بحرق نسخة من المصحف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة، التي منعت اقتراب أي أحد منه أثناء ارتكابه فعلته. أما الحادثة الثانية فجاءت بعد يوم واحد إذ أقدم إدوين واجنسفيلد الزعيم الهولندي للجماعة اليمينية المتطرفة، (الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب) (PEGIDA)، بإتلاف نسخة من القرآن الكريم في مدينة لاهاي الهولندية قبل إشعال النيران فيها.
تاريخ حوادث تمزيق وتدنيس وحرق نسخ من القرآن الكريم تكررت في ربع القرن الأول من الألفية الجديدة، ففي منتصف عام 2005، أثارت مزاعم التدنيس المتعمد للقرآن أمام سجناء مسلمين في معتقل غوانتانامو الأمريكي في كوبا جدلاً واسع النطاق، وأدت إلى أعمال شغب في عدة بلدان إسلامية. وقد أكد تحقيق عسكري أمريكي أربع حالات من تدنيس القرآن على الأقل قام بها أفراد من القوات الأمريكية بغرض الضغط النفسي وتحطيم معنويات سجناء معتقل غوانتانامو، وتم وصف اثنتين منها على أنها «غير مقصودة».

يرى بعض الباحثين أن ما يقوم به اليمين المتطرف من جرائم كراهية بحق المسلمين هو نتيجة، بشكل ما، لضعف تأثير اللوبيات المسلمة في الغرب

وفي عام 2010، أثار القس المسيحي تيري جونز من مركز دوف للتوعية العالمية، وهي كنيسة في غينزفيل في ولاية فلوريدا، موجة غضب إسلامية بعد إعلانه نيته حرق نسخة من القرآن في ذكرى هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية. ونتيجة الضغوط ألغى خطته؛ لكنه عاد في 20 آذار/مارس2011 لخططه وأشرف على حرق نسخة من المصحف. ورداً على ذلك، قامت تظاهرات حاشدة في أفغانستان أمام السفارة الأمريكية، تم فيها حرق العلم الأمريكي ودمية تمثل القس المتطرف، ثم تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف قتل فيها 12 شخصاً. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية في 8 نيسان/أبريل 2013، أن تيري جونز خطط لعملية أخرى لحرق القرآن في 11 سبتمبر 2013. ونشرت الوكالة تصريحات لنائب إيراني قال فيها إن الغرب يجب أن يوقف جرائم الكراهية، وحذر من أن، «هذه الخطوة ستثير موجة من الغضب لا يمكن السيطرة عليها بين أكثر من 1.6 مليار مسلم في أنحاء العالم». ووفقا لمقال نشر في 14 أبريل 2013 في «ذا نيشن» أشعل المتظاهرون في باكستان النار في العلم الأمريكي ودمية القس الأمريكي تيري جونز، وأدانوا خططه لحرق القرآن. أما الدول الإسكندنافية فقد شهدت عدة حوادث تدنيس لنسخ من القرآن على يد أحزاب اليمين المتطرف، وبالنتيجة قامت في هذه البلدان موجات غضب بين الجاليات المسلمة، تحولت إلى أعمال عنف راح ضحيتها العشرات، ففي أيار/مايو 2019 قام زعيم حزب «الشعب الفنلندي أولا» اليميني المتطرف ماركو دي ويت في العاصمة هلسنكي، بتمزيق نسخة من القرآن الكريم ورميها أرضا، وذلك، في إطار حملته الدعائية لانتخابات البرلمان الأوروبي. ومنذ أن أصبح لارس ثورسن زعيما لـ»مجموعة أوقفوا أسلمة النرويج» في عام 2019، بدأت الجماعة في عمليات حرق القرآن في مسيراتها في مدن النرويج. كما قامت المجموعة أيضا بتمزيق أجزاء من القرآن والبصق على نسخ منه وجرها على الأرض. وفي الدنمارك بات تدنيس المصاحف أمرا قانونيا منذ عام 2017، وشهدت مدن الدنمارك عدة حالات لحرق نسخ القرآن، وأحيانا تدنيسه بلفه في لحم الخنزير المقدد، أو عبر استعمال أشكال أخرى من التدنيس مثل رمي الكتاب على الأرض التي أصبحت حوادث معتادة في التجمعات الحاشدة لحزب «سترام كورس» اليميني المتطرف الذي يرأسه راسموس بالودان. وقد دعا بالودان مرارا أنصاره إلى تدنيس القرآن بمختلف الطرق، وكان يطلق عليه تسمية «كتاب القرف»، ويصف النبي محمد (ص) بـ»القاتل والشاذ جنسيا». كما دبر الفرع السويدي لحزب «سترام كورس» عمليات حرق القرآن في العديد من المدن السويدية، ففي أبريل 2022 خطط راسموس بالودان زعيم الحزب، لعدة عمليات حرق للقرآن، وقد أدى ذلك إلى العديد من أعمال الشغب في المدن السويدية ضد التدنيس المخطط له، ولاسيما موجات أعمال الاحتجاج والعنف التي قامت بها الجاليات المسلمة في السويد عامي 2020 و2022. وعلى إثر الحادثتين الأخيرتين، اندلعت احتجاجات حاشدة في العديد من البلدان الإسلامية، بما في ذلك اليمن والعراق والأردن وتركيا، وقام المتظاهرون أمام السفارة السويدية في تركيا واليمن بإحراق العلم السويدي وأدانوا بشدة حادثة حرق نسخ القرآن. وتجمع آلاف المتظاهرين في شوارع اليمن وتركيا ورفعوا شعارات مناهضة للسويد. ودعوا أيضا إلى مقاطعة جميع العلامات التجارية السويدية مثل H&M وIKEA
وSkype وVolvo وEricsson. أما ردود الأفعال الرسمية من الدول الإسلامية على الحادثتين الأخيرتين فقد جاءت متباينة، إذ أدانت بعض الدول الحدث، بينما أبلغت دول أخرى شجبها للسفيرين السويدي والهولندي في بلدانها، بينما كان الرد الأقوى من تركيا، لأن حادثة السويد كانت موجهة لها رسميا، إذ قام بالودان بحرق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية ستوكهولم.
وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب ألقاه عقب اجتماع للحكومة في المجمع الرئاسي في أنقرة بقوله؛ إن «السويد يجب ألا تتوقع دعم تركيا لملف عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعد احتجاج قرب السفارة التركية في ستوكهولم مطلع الأسبوع تخلله حرق نسخة من القرآن الكريم». وأضاف «إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا منا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو». وتابع «لا يحق للإدارة السويدية أن تتحدث إلينا عن الحقوق والحريات. إذا كنتم تحترمون الحقوق والحريات إلى هذا الحد، فعليكم أن تحترموا أولاً المعتقدات الدينية لجمهورية تركيا والمسلمين».
ويرى بعض الباحثين أن ما يقوم به اليمين المتطرف من جرائم كراهية بحق المسلمين هي نتيجة، بشكل ما، لضعف تأثير اللوبيات المسلمة في الغرب، وعدم فاعليتها في مجتمعاتها الجديدة، وكثيرا ما تتم المقارنة بين الموقف من المسلمين والموقف من اليهود، إذ لا يجرؤ أحد من السياسيين الغربيين على مس بعض المعطيات اليهودية مثل الهولوكوست وحق اليهود في وطن قومي في فلسطين، ومن يتجرأ على ذلك تقوم اللوبيات الإسرائيلية بتحطيم مستقبله السياسي عبر اتهامه بمعاداة السامية والعنصرية وارتكاب جرائم الكراهية. ويرى البعض أن الغرب وبحجة حرية الرأي والتعبير يسمح للمتطرفيين اليمينيين بارتكاب جرائم الكراهية وإثارة النعرات العنصرية في مجتمعات الغرب ضد الجاليات المسلمة، ولأن هذه الدول لا تفهم إلا الضغوط الاقتصادية، لكي توقف جرائم الكراهية، لذا دعت مشيخة الأزهر في مصر إلى مقاطعة المنتجات السويدية والهولندية؛ احتجاجاً على حرق نسخ من القرآن في الدولتين خلال الأيام الماضية، وجاء في البيان الرسمي للأزهر الذي نُشر على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، إنه يطالب الشعوب العربية والإسلامية بمقاطعة جميع المنتجات السويدية والهولندية، و»اتخاذ موقف قوي موحد نصرةً لكتاب الله». وأضاف الأزهر في بيانه أن المقاطعة تعتبر «رداً مناسباً على حكومتَي هاتين الدولتين، في إساءتهما إلى أكثر من 1.5 مليار مسلم، والتمادي في حماية الجرائم الدنيئة والبربرية». كما شدّد الأزهر على ضرورة «الالتزام بهذه المقاطعة، وأن أي عزوف أو تقصير في هذا الأمر هو تخاذل صريح عن نصرة الدين».
كاتب عراقي

التعليقات (0)