سليمان صالح يكتب: الإسلاموفوبيا خطر يهدد البشرية.. هل يمتلك العالم الحكمة لمواجهته؟

profile
  • clock 9 فبراير 2023, 4:30:36 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

هل تشكل الإسلاموفوبيا خطرا على العالم؟ الإجابة تحتاج إلى خيال علماء يحررون أنفسهم من التبعية للغرب، ويقرؤون التجارب التاريخية بعمق، فالذين ينشرون الإسلاموفوبيا يدفعون العالم إلى الصدام والبحث عن مبررات لإبادة الشعوب!

كان من أهم نتائج الإسلاموفوبيا حرمان الشعوب الغربية من حقها في معرفة الإسلام، وما يمكن أن يقدمه من حلول للأزمات العالمية. فبالرغم من أن أميركا تفخر دائما بحرية الإعلام، فإن الإسلاموفوبيا شكلت قيودا على إنتاج المضمون، وأدت إلى استخدام أميركا للنظام الإعلامي العالمي في إدارة الصراع مع الإسلام.

ما الذي دفع الغرب للتخلي عن الحرية؟

بعد أحداث 11 سبتمبر، تم استخدام وسائل الإعلام في أميركا وأوروبا لنشر الرعب في النفوس، فدفع ذلك الشعوب للتخلي عن الحرية والحق في المعرفة والتعبير عن الرأي، مما أدى إلى تأييد العدوان الأميركي على أفغانستان والعراق.

لم يفكر الأميركيون في الجرائم التي ارتكبها جيشهم ضد الإنسانية في أفغانستان والعراق، لأن الرعب الذي نشرته وسائل الإعلام شل تفكيرهم، فكل ما فكروا فيه هو إشباع شهوتهم للانتقام بدون وعي!

يوضح ذلك أن الغرب افتقد الحكمة والرشد في التعامل مع الإسلام، فلم يدرك الكثير من الحقائق، ومن أهمها أن المسلمين يقترب عددهم من ملياري نسمة ينتشرون في كل أنحاء العالم، وأن الحضارة الإسلامية شكلت قوة دافعة للتقدم والعدالة أكثر من 10 قرون، وأن المسلمين حرروا العالم من ظلم الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وأن الإسلام سيكون فاعلا في بناء مستقبل البشرية.

لذلك يجب أن يحرر الغرب نفسه من التحيز والعنصرية لكي يتمكن من رؤية الحقائق التي تمكنه من صياغة علاقات جديدة مع العالم الإسلامي، وأن يدرك النتائج السلبية للصدام مع الإسلام.

 

لماذا تعمّد تشويه صورة الإسلام؟

في كتابها "الإسلام وسياسات الإمبراطورية"، تقول ديبا كومار أستاذة الصحافة والإعلام بجامعة روتجرز: "إن النخب الحاكمة في أوروبا عملت على تشكيل صورة الإسلام كعدو لتحقيق أهداف سياسية، لذلك قامت هذه النخب بإخفاء الحقائق عن فضل الحضارة الإسلامية على المعرفة الإنسانية، وقامت بإثارة مشاعر المسيحيين الدينية لشن الحروب الصليبية، ثم قامت باستخدام المستشرقين -الذين تصفهم ديبا كومار بأنهم وكلاء الاستعمار- في تشويه صورة الإسلام لتمهيد الطريق لسيطرة أوروبا على العالم الإسلامي".

مصدر معلومات الأميركيين

تقول ديبا كومار: "إن المصدر الرئيس لمعلومات الأميركيين -طوال القرن التاسع عشر- عن الشرق الأوسط كان: ألف ليلة وليلة؛ لذلك سيطرت الأفكار الرومانسية على الثقافة الشعبية الأميركية، وتبنى الأميركيون الخرافات التي أنتجها المستشرقون".

يوضح ذلك أن تجهيل الشعب الأميركي كان هدفا أساسيا للنخب الحاكمة بعد الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك التجهيل من أهم العوامل التي دفعت الشعب الأميركي لتقبل الكثير من الخرافات عن الإسلام.

شيطنة العرب

توضّح دراسة خطاب الإسلاموفوبيا المعاصر ارتباطه بشيطنة العرب، ووصفهم بالعنف وعدم الديمقراطية، وإنفاق الأموال بسفه، والتحكم في أسعار النفط.

ساهمت أحداث 11 سبتمبر في ربط الإسلام بالعرب، وتجاهل الحقائق عن وجود ملايين المسلمين من الأوروبيين والأميركيين، وعدم ارتباط الإسلام بعرق، فهو دين عالمي يعتنقه الكثير من المنتمين إلى أعراق وثقافات ومناطق جغرافية مختلفة، وأن الإسلام يرفض التفرقة العنصرية، ويتمتع فيه المسلمون من كل الأجناس والألوان بالمساواة، فهو دين للإنسانية كلها، وليس للعرب وحدهم كما تم تصوير ذلك في وسائل الإعلام الغربية بهدف تضليل الشعب الأميركي.

 

لذلك وجّه الأميركيون عدّاءهم للعرب والإسلام؛ هذا يفسر استخدام القوة الغاشمة ضدهم في العدوان الأميركي على العراق، واستخدام التعذيب في سجن أبو غريب بهدف إذلال الشخصية العربية. لكن ذلك يطرح سؤالا جديدا.. هل كانت الجريمة التي ارتكبتها أميركا في العراق انتقاما لأحداث 11 سبتمبر أم أنها كانت انتقاما من العرب لأنهم حملوا المعرفة الإسلامية إلى العالم وتمكنوا بها من تحرير البشرية من ظلم الإمبراطورية الرومانية، ولأنهم استطاعوا أن يقيموا بالإسلام حضارة عظيمة!

الإسلاموفوبيا والمستقبل

في كتابه "نحو عالم أكثر عدلا"، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن "رهاب الإسلام" (الإسلاموفوبيا) تحول إلى قضية أمن عالمي مهمة جدا بقدر أهمية التهديدات الإرهابية، وربما ينجم عن ذلك الاستمرار في تجاهل هذه المشكلة -في المستقبل القريب- موجة إرهاب جديدة يصعب علينا ضبطها، ولا يمكننا النظر إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا على أنها شعور نفسي قائم على الخوف، فما نواجهه حقا هو معاداة للإسلام ومناهضة له.

لكن هل يمكن أن تدمر الإسلاموفوبيا تماسك المجتمعات الغربية! يجيب الرئيس رجب طيب أردوغان: "إن محاولات ربط الإرهاب بالإسلام عملية خطيرة، وصلت إلى أبعاد وخيمة يمكن أن تهدد نسيج المجتمعات الغربية".

كتاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "نحو عالم أكثر عدلا" (الجزيرة)

الإرهاب ضد الإسلام!

يوضّح أردوغان أن الإرهاب أخطر أنواع معاداة الإسلام؛ ففي السنوات الأخيرة أصبح المسلمون مستهدفين في العمليات الإرهابية في القارات الأميركية والأوروبية والآسيوية، والدافع لذلك هو كراهية الإسلام والمسلمين. ففي أوروبا تزايدت العمليات الإرهابية التي تستهدف المسلمين، فيما أظهر الاعتداء الإرهابي الذي حدث في نيوزيلندا عام 2019 الأبعاد التي وصلت لها كراهية الإسلام.

لقد أصبح المسلمون معرضين للعنف يوميا في الولايات المتحدة وأوروبا، ووصلت الهجمات التي تستهدف المساجد في أوروبا إلى درجة مرعبة، كما أن الهجمات التي تستهدف متاجر المسلمين ومنازلهم ومراكزهم تظهر جليا أن كراهية الإسلام خرجت عن كونها ظاهرة فردية، ووصلت إلى نقطة خطيرة.

الإرهاب الحقيقي ليس إسلاميا

يضيف أردوغان أن أرقام الهجمات الموجهة ضد المسلمين -التي أخذت بالتصاعد منذ عام 2001- بلغت مئات الهجمات على المساجد في ألمانيا فقط، ومواطنونا (الأتراك) هم الأكثر تعرضا لهذه الهجمات، والأكثر تضررا، ونحن لا يمكن أن نسمح بوقوع الجرائم الوحشية التي دمرت أفئدتنا، وتركت آثارا عميقة في شعبنا، فهجمات الكراهية تستمر في التزايد بدعم السياسات التي تزداد قوتها يوما بعد يوم، ومن ثم أصبحت الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة مصدر خطر وقلق.

 

تمييز ممنهج ضد المسلمين

يوضح الرئيس أردوغان في كتابه كيف أن المسلمين يتعرضون للتمييز الممنهج في الدول التي يعيشون فيها خارج أوطانهم، فلقد أصبحت العادات اليومية الخاصة بهم الشغل الشاغل للأمن والمخابرات، فتقوم الشرطة بمراقبة مساجدهم، وتفتيش منازلهم ومدارسهم. وإننا بصفتنا دولة يعيش 6.5 ملايين من مواطنيها في 195 دولة مختلفة حول العالم، نشاهد بحزن أن معاداة الأجانب ورهاب الإسلام تحولا إلى عنصرَيْ عدم استقرار. وبالإضافة إلى تركيا، هناك مواطنون للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، يعيشون ويدرسون ويعملون خارج أوطانهم.

يقدر أردوغان عدد المسلمين الذين يعيشون في الشتات والأقليات في مختلف أنحاء العالم بـ400 مليون مسلم، منهم 44 مليون مسلم يعيشون في أوروبا، و5 ملايين مسلم في أميركا.

ترتيبا على ذلك، يقول أردوغان: إنّ المنظمات غير القانونية المعادية للإسلام والعصابات العنصرية والأحزاب اليمينية المتشددة والساسة الذين يتطلعون إلى سلطة مبنية على معادة الإسلام، يستهدفون مئات الملايين من المسلمين، وهذا تهديد خطير جدا.

إنّ التيار السياسي الذي يعلن استياءه من وجود المسلمين على أراضيه، ويحاول ترحيل هؤلاء الناس إلى بلادهم يزداد قوة يوما بعد يوم، ويحاول إقصاء المسلمين ومعاداتهم بدلا من التعامل معهم كجزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع.

صناعة معاداة الإسلام

يضيف أردوغان أنه بدأت تتشكل لغة عالمية تحاول أن تربط الإسلام بالإرهاب، وتحولت هذه اللغة الذميمة إلى منتجات للمجتمع الدولي من خلال وسائل الإعلام والثقافة الشعبية، وشهد هذا المجال استثمارا كبيرا، ولم تقتصر السياسة في أوروبا على نشر معاداة الإسلام في الخطابات السياسية، بل أصبحت وسائل الإعلام العالمية تقوم بصب الزيت على النار، وتحولت الإساءة إلى رسول الله إلى أداة تتبناها وسائل الإعلام الغربية ضمن أجندتها.

 

الإسلاموفوبيا جريمة ضد الإنسانية

لذلك يطالب الرئيس رجب طيب أردوغان باعتبار معاداة الإسلام والمسلمين جريمة إنسانية، كما سجّلت معاداة اليهودية جريمة ضد الإنسانية، وتصنيف المنظمات المتطرفة المعادية للإسلام منظمات إرهابية، مثلها مثل "داعش" و"بي كيه كيه"، ويجب تقييمها بناء على ذلك. وكما كافحت البشرية معاداة السامية بعد كارثة الهولوكوست عليها أن تكافح معادة الإسلام بالعزم والإصرار ذاته.

يجب على المجتمع الدولي أن يبدي ردّا تجاه الهجمات النازية الجديدة كرده بعد الهجمات التي ارتكبتها منظمة داعش، لأن هؤلاء عبارة عن وجهين لعملة واحدة، وكلهم طفيليات تتغذى على دماء الأبرياء.

وسائل الإعلام والنقد الذاتي

يضيف أردوغان أنه يجب على وسائل الإعلام الغربية أن تنتقد ذاتها نقدا ذاتيا، فثمن تجاهل "إرهاب معاداة الإسلام" سيصبح باهظا جدا.

يشكل هذا المفهوم إضافة علمية مهمة يقدمها الرئيس أردوغان، فمعاداة الإسلام إرهاب يهدد العالم، لذلك يطالب المنظمات الدولية بأن تأخذ زمام المبادرة لمكافحة معاداة الإسلام والعنصرية الثقافية، فرهاب الإسلام ومعاداته مسألة أمنية عالمية، ويجب على الأمم المتحدة أن تضع هذا الأمر على جدول أعمالها.

لكن علينا نحن المسلمين أن نتناول هذه المشكلة بجدية أكبر، لأنها تستهدف أمن وحياة الملايين من إخواننا وممتلكاتهم وحقوقهم وحرياتهم الأساسية، لذلك هناك حاجة إلى آلية قوية تحدد وتراقب جرائم الكراهية ضد المسلمين.

 

يضيف أردوغان أنه يجب علينا مكافحة هذه المشكلة، فلا يمكن ربط الإرهاب بدين أو شعب أو منطقة، ومن الخطأ بمكان اتهام جميع المنتسبين إلى دين بالإرهاب، ودفعهم للدفاع عن أنفسهم كما لو أنهم مجرمين، لذلك نرفض استخدام الإرهاب صفة للإسلام، ولا يحق لأحد القيام بذلك.

تجنب الانفجار

إن أردوغان بذلك يمثل صوت العقل والحكمة والحرص على السلام العالمي، وهو يعمل كقائد عالمي على حماية العالم من الصدام، فالإسلاموفوبيا تشكل حالة ظلم عام يتعرض لها المسلمون في كل أنحاء العالم، وتم استخدامها في تبرير اضطهاد المسلمين وقهرهم وإبادتهم، ومنعهم من اختيار المشروع الحضاري الذي يقيمون على أساسه مستقبلهم في بلادهم.

هذا الظلم سيتحوّل إلى غضب وثورة، فلم يعد أمام المسلمين سوى الدفاع عن حقهم المشروع في التمسك بإسلامهم والحياة طبقا له، كما أن استمرار وسائل الإعلام الغربية في ربط الإسلام بالإرهاب يشكل تضليلا للشعوب لدفعها لصدام حضارات يمكن أن يمتد لسنوات طويلة، ولا يستطيع أحد أن يتوقع نتائجه.

لكن هل يمتلك المفكرون الغربيون الحكمة والرشد لتحذير الدول الغربية من تزايد شعور المسلمين بالظلم والقهر؟!

 

 

 

 

 

التعليقات (0)