د. رغدة البهي تكتب: هل يمكن حل أزمة الطاقة الأمريكية من الداخل؟

profile
  • clock 8 أغسطس 2022, 5:52:21 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

على الرغم من تحركات الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تستهدف دفع دول الخليج المنتجة للنفط إلى زيادة إنتاجها؛ لخفض أسعار النفط في السوق العالمية، التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ أربعة عشر عاماً، وأدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة داخلياً، برزت بعض الأصوات الأمريكية التي ترى إمكانية حل أزمة الطاقة الأمريكية من خلال تسهيل عملية الإنتاج المحلي، وتعزيز جهود الاستكشاف والابتكار، وإزالة القيود التنظيمية المفرطة، وتعزيز إسهام شركات الطاقة الأمريكية الخاصة لتضييق الفجوة بين العرض والطلب. وعلى الرغم من تعدُّد الحجج التي تستند إليها تلك الأصوات، لا يمكن غض النظر عن تنامي الفجوة بين العرض والطلب دولياً، واضطراب سلاسل الإمداد عالمياً من جراء عدم تعافي الدول بعدُ من تداعيات جائحة كوفيد-19، واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.

حجج متعددة

تستند الأصوات والتحليلات الأمريكية التي ترى إمكانية حل أزمة الطاقة التي تواجهها الولايات المتحدة داخلياً في طرحها إلى النقاط التالية:

1- إمكانية عمل الإدارة مع شركات النفط الأمريكية: ترى هذه الأصوات أنه يمكن للشركات النفطية الأمريكية أن تسهم في تخفيف وطأة أزمة الطاقة الأمريكية بالعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في اتجاه مضاد لبعض الإجراءات والضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية الراهنة؛ إذ يمكن لتلك الشركات وغيرها من كبار منتجي الطاقة – بحسب هذه الأصوات – أن تتكاتف من أجل مواجهة زيادة الطلب الأمريكي على الطاقة من جراء انحسار جائحة كوفيد-19 نسبياً، وتأثُّر الإمدادات العالمية.

2- تزايد الطلب الأوروبي على الغاز المسال الأمريكي: تزايدَ اعتمادُ الدول الأوروبية – عقب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وفرض عقوبات غربية على مصادر الطاقة الروسية التي تعتمد عليها أوروبا بصورة كبيرة من أجل إرغام موسكو على وقف عملياتها العسكرية – على الولايات المتحدة لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال باعتباره بديلاً للغاز الروسي، وهو ما يعني تزايد الطلب على الغاز الأمريكي، ومن ثم زيادة الصادرات الأمريكية منه من 37% إلى ما يزيد عن 50%. ويرى الداعون لحل أزمة الطاقة الأمريكية داخلياً أنه مع تزايد الطلب المحتمل على الغاز الأمريكي، فإن الفرصة متاحة أمام الولايات المتحدة لتلبية هذا الطلب، وإن فرض ذلك ضرورة تطوير البنية التحتية للطاقة الأمريكية، والنظر في طلبات وزارة الطاقة الأمريكية المُعلَّقة.

3- زيادة الاستثمارات في مشاريع الطاقة النظيفة: تتعالى الأصوات المطالِبة بالاعتماد بدرجة كبيرة على الطاقة النظيفة، لا سيما مع تعدُّد الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التغيرات المناخية، لا سيما مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي. وعليه، يرى مؤيدو استخدام الطاقة المتجددة أن أزمة الطاقة تُظهر الحاجة إلى الابتعاد أكثر عن النفط والغاز والفحم مع ارتفاع أسعارهما؛ ليس في الداخل الأمريكي فقط، بل عالمياً أيضاً، كما أن تغيير طريقة إنتاج الطاقة ستساهم في حل أزمة الطاقة، بل في حل أزمة المناخ أيضاً. وفي سياق متصل، اتخذت الولايات المتحدة مؤخراً مجموعة من الخطوات لتهيئة البلاد للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ حيث وسَّعت – على سبيل المثال – صلاحية التدخُّل الحكومي في عمليات التصاريح لخطوط الطاقة العالية الجهد؛ لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

4- تشريعات بعض الولايات لمواجهة أزمة الطاقة: طرحت بعض الولايات الأمريكية تشريعات لمعالجة بعض أسباب أزمة الطاقة، ومنها – على سبيل المثال – ولاية فيرجينيا الغربية التي قدمت تشريعاً تضمَّن إنفاق ما يقرب من 369 مليار دولار على برامج المناخ والطاقة، ويشمل إعفاءات ضريبية لشراء السيارات الكهربائية والهيدروجينية، فضلاً عن زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية، بجانب البطاريات الكبيرة المستخدمة في تخزين الطاقة النظيفة التي يمكن استخدامها عند انخفاض الإنتاج، ناهيك عن دعم إنتاج الطاقة النووية.

تحديات محتملة

على الرغم من تعدد الحجج التي يمكن التعويل عليها لحل أزمة الطاقة الأمريكية من الداخل، فإن هذا الطرح يواجه جملة من المعوقات يمكن الوقوف عليها من خلال النقاط الآتية:

1- ضرورة النظرة إلى أزمة الطاقة بوصفها مشكلة عالمية: لا يكفي حل أزمة الطاقة في الداخل الأمريكي فحسب بالنظر إلى ارتباط سلاسل الإمداد بأسواق الطاقة عالمياً، وهي الأزمة التي أكدت تقارير أمريكية عديدة أنها تتفاقم وأن مظاهرها متعددة؛ حيث ترشد بعض المقاطعات الصينية استهلاك الكهرباء، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي المسال الذي تحصل عليه القارة الأوروبية، وتجاوز سعر متوسط سعر جالون البنزين في الولايات المتحدة 3 دولارات، وهو ما يعني في مجمله ضرورة البحث عن حلول لضمان تعافي الاقتصاد العالمي؛ إذ يصعب إيجاد حلول جزئية في بعض الدول بشكل منفرد دون إيجاد حل عالمي يعالج أسواق الطاقة العالمية بالنظر إلى ترابط سلاسل الإمداد من ناحية، وتعدد الأعاصير التي فرضت إغلاق مصافي النفط في خليج المكسيك من ناحية ثانية، وانتقال الأزمة من سوق إلى أخرى من ناحية ثالثة.

2- مواجهة الولايات المتحدة أزمة طاقة معقدة: تواجه الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير الماضي واحدة من أسوأ أزمات الطاقة وأكثرها تعقيداً منذ 5 عقود مضت وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” التي أشارت إلى حدوث ارتفاع كبير في الأسعار في ظل محدودية العرض، وما بات يُنذر باقتراب الولايات المتحدة الأمريكية من مشارف أزمة نقص الطاقة، خاصةً مع انخفاض مخزونات النفط الخام والمنتجات البترولية.

3- وجود قيود عدة مكبلة لعمل شركات الطاقة: تلعب شركات الطاقة الخاصة دوراً في تشغيل نحو نصف عدد منصات النفط في الولايات المتحدة، بيد أنها تُدير جزءاً صغيراً من المخزون الكبير مقارنةً بمثيلتها العامة، ومن المتوقع أن ينمو نشاطها بنحو 0.5 مليون برميل يومياً في 2023. وعلى صعيد متصل، تواجه شركات النفط الصخري العامة ضغوطاً تضخمية هائلة من جراء ارتفاع تكاليف العمالة والإنتاج، بجانب استنفاد جزء كبير من المخزون في الآبار المحفورة غير المكتملة.

4- صعوبة الاستفادة من جميع أشكال الطاقة: يتطلَّب الخروج من الأزمة الاستفادة من جميع أشكال الطاقة، بيد أن محطات الطاقة الشمسية لا تكفي بمفردها للخروج من الأزمة، وهناك عدد من آبار النفط الصخري تحتاج إلى الحفر، بيد أن تكاليف الحفر تبلغ نحو 30% من التكلفة الإجمالية للآبار، وهو ما يستلزم من منتجي النفط زيادة الإنفاق بنحو 20% في العام المقبل. كما لا يمكن التقليل من ضغوط نشطاء البيئة والمجتمع الأمريكي ودعواتهم إلى قصر الاستثمار على التكنولوجيا النظيفة.

نهج تكاملي

وختاماً.. ثمة تيار في الداخل الأمريكي يرى أن الحاجة تتزايد إلى إستراتيجية فعالة طويلة المدى تتبني نهجاً تكاملياً لمعالجة أزمات كل فرع من أفرع قطاع الطاقة في البلاد، مع ضخ الاستثمارات اللازمة لحفر الآبار والتوسع في محطات الطاقة الشمسية، ودعم الابتكار بالتعاون مع شركات القطاع الخاص، جنباً إلى جنب مع التنسيق مع التحركات الدولية لضبط أسعار الطاقة عالمياً من خلال زيادة المعروض النفطي على نحو يقلل سعره. ويمكن القول إن جميعها سياسات لن تجدي نفعاً على المدى القصير أو المنظور على أقل تقدير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)