د. رغدة البهي تكتب: لماذا تسببت سياسات "ماسك" في استعداء مستخدمي تويتر؟

profile
  • clock 27 أبريل 2023, 6:00:51 م
  • eye 323
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

تعددت الأزمات التي واجهت منصة “تويتر” منذ استحواذ الملياردير “إيلون ماسك” عليها مقابل 44 مليار دولار في أكتوبر 2022، كما تعددت أوجه الصدام مع مختلف المستخدمين؛ لأسباب عدة، ليس من أقلها الإجراءات المثيرة للجدل التي تسببت في تقلص التدفق النقدي من كبار المعلنين بنسبة 65% تقريباً، وازدياد خطاب الكراهية، وإعادة حسابات بعض الشخصيات الجدلية التي تم حظرها سلفاً، وحصول بعض المستخدمين الأقل شهرة على العلامة الزرقاء، بل شراؤها من قبل أحد النازيين الجدد.

أبعاد الصدام

تعددت أوجه الصدام الذي تخوضه منصة “تويتر” مع المستخدمين العاديين والمشاهير والمتطرفين جنباً إلى جنب مع كبرى الصحف والمؤسسات الإعلامية، وهو ما يمكن الوقوف على أبرز ملامحه من خلال النقاط التالية:

1– تغير سياسة توثيق الحسابات: فرض “ماسك” مبلغاً مالياً على المستخدمين الراغبين في توثيق حساباتهم على المنصة بهدف مجابهة الحسابات المزيفة المنتشرة عليها؛ إذ يسهل إنشاء آلاف الحسابات المزيفة على المنصة بواسطة جهاز كمبيوتر واحد وبعض تقنيات الذكاء الاصطناعي المعاصرة. وعليه، حذف تويتر” علامات التحقق الزرقاء الممنوحة للحسابات التي يديرها بعض المستخدمين البارزين (مثل “بيونسيه”، و”كريستيانو رونالدو”، و”أوبرا وينفري”، و”جاستين بيبر”، و”كاتي بيري”، و”كيم كارداشيان”، و”شاروخان”، و”سلمان خان” و”راهول غاندي” وغيرهم من نجوم الفن والرياضة والسياسة)؛ لدفعهم إلى الاشتراك في خدمة “تويتر بلو” الجديدة التي يبلغ اشتراكها 8 دولارات شهرياً، والتي اتخذ عدد كبير من المشاهير موقفاً سلبياً منها.

2– عودة العلامة الزرقاء لبعض حسابات المشاهير: دفع “ماسك” شخصياً مقابل اشتراكات “تويتر بلو” لبعض المشاهير الذين رفضوا الدفع مقابل توثيق حساباتهم بأنفسهم، ومن ذلك – على سبيل المثال – حسابات المؤلف “نيل جايمان”، والممثل “رون بيرلمان”، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتويتر كوميك “دريل”، بجانب”ويليام شاتنر” و”ستيفن كينج” و”ليبرون جيمس”. ولعل القاسم المشترك بين آخر ثلاثة منهم هو انتقادهم البالغ لرسوم العلامة الزرقاء بل لعودتها إلى حساباتهم دون أن يشتركوا في “تويتر بلو”.

فقد قال “كينج” إن حسابه على “تويتر” يظهر أنه اشترك في تلك الخدمة دون أن يقوم بذلك، وقد رد “ماسك” بأنه دفع مقابل التحقق من كينج، مضيفاً: “على الرحب والسعة”. وفي تغريدة أخرى، قال “كينج” إن “ماسك” يجب أن يعطي شيكه الأزرق للجمعيات الخيرية، وأوصى بمؤسسة (Prytula) التي تقدم خدمات إنقاذ الحياة للضحايا الأوكرانيين على الرغم من تبرع “ماسك” بنحو 100 مليون دولار لأوكرانيا، وقيام شركة (SpaceX) بدفع مقابل إطلاق الأقمار الصناعية وصيانتها والمحطات الطرفية فيها.

3– افتقار “تويتر” إلى الشفافية: تسببت عودة علامة التحقق لبعض حسابات المشاهير في إحباط واسع بين عموم المستخدمين حتى شكك البعض في شرعية إجراءات المنصة، لا سيما مع غياب المعلومات الدقيقة عن عدد المستخدمين الذين أعادت منصة “تويتر” التحقق منهم، وتكلفة ذلك، ومن سددها. وقد تفاقم الأمر سوءاً مع عودة علامة التحقق إلى بعض المشاهير المُتوفَّيْن في وقت سابق، بما في ذلك رئيس الطهاة والإذاعي في نيويورك “أنتوني بوردان” الذي توفي في عام 2018، ولاعب كرة القدم البرازيلي “بيليه” الذي توفي العام الماضي، و”مايكل جاكسون” و”تشادويك بوسمان”، وغيرهم.

4– انتشار حالات انتحال الهوية: تفاقم الصدام بين مستخدمي “تويتر” ومالك المنصة بعد أن شهدت الأخيرة انتشار مزيد من الحسابات المزيفة بعد أن فقد المستخدمون البارزون علامات التوثيق الزرقاء التي ساعدتهم في التحقق من هويتهم وتمييزهم عن المحتالين. فقد أدت تلك الخطوة إلى انتحال كثير من المستخدمين هوية أشخاص معروفين من خلال إنشاء حسابات مزيفة تحمل أسماءهم، مثل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون “جيف بيزوس”، والسيناتور الأمريكي الراحل “جون ماكين”، كما نشر آخرون تغريدات مزيفة على أنها تابعة لحسابات إخبارية تحتوي على معلومات مضللة تسخر من “ماسك”، وهو ما أثار المخاوف من فقدان “تويتر” مكانته منصةً للحصول على معلومات دقيقة ومحدثة من مصادر موثوقة.

5– تغيير عصفور “تويتر” الشهير: استبدل “ماسك” بشعار “تويتر” الشهير صورة عملة “دوج كوين” التي تتضمن وجه كلب من سلالة “شيبا إينو”، وقد نشر تغريدة تضمنت صورة لضابط مرور ينظر في رخصة قيادة تابعة لكلب من تلك السلالة وهو يقود سيارة؛ حيث ظهر على الرخصة صورة شعار “تويتر” القديم، فيما قال الكلب للضابط: “إنها صورة قديمة لي”. ولم يشرح “ماسك” سبب التغيير، وإن قفزت على إثره قيمة “دوج كوين” من 0.079 إلى 0.094 دولار أمريكي، وهي أعلى قيمة للعملة منذ نوفمبر 2022، وإن تراجع “ماسك” عن القرار ليُعيد العصفور الأزرق إلى مكانه. وبعد ذلك، حذف حرف “w” من كلمة “Twitter”، وطلاه في اللافتة الموضوعة خارج مقر الشركة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، ونشر صورة للافتة بعد التغيير الذي طرأ عليها. وقد سبق أن أزال في وقت سابق هذا الحرف من اسم الموقع، ليصبح (Titter)، لتلاقي تلك التصرفات انتقادات حادة من رواد مواقع التواصل ممن وصفوها بالصبيانية.

6– الصدام مع المؤسسات الإعلامية: اصطدمت منصة “تويتر” بعدد من الشبكات الإعلامية البارزة أتت في مقدمتها شبكتا “إن بي آر” و”بي بي إس”، بعدما قرر “ماسك” إضافة تسمية جديدة تفصح عن الممول الأصلي للمؤسسة الإعلامية، وإذا ما كانت تابعة لجهة حكومية أو خاصة. وعليه أضاف “تويتر” كلمة “وسائل إعلام ممولة من الحكومة” في مساحة التعريف الخاصة بحسابات بعض وسائل الإعلام؛ ما رأته الأخيرة أمراً غير مقبول، بل يستلزم الانسحاب من المنصة التي قوضت مصداقيتها ونشرت معلومات مضللة عنها، لا سيما أن أقل من 1% من تمويلها يأتي من مصادر فيدرالية. والجدير بالذكر أن شبكة “إن بي آر” تمتلك 50 حساباً على المنصة، ويتابعها أكثر من 17 مليون مغرد؛ ما يعني خسارة موجعة لتويتر؛ وذلك على الرغم من تطبيق الإجراء نفسه تجاه مؤسسات إعلامية صينية وروسية، مثل روسيا اليوم ووكالة “تاس”، وكذلك صحيفة “تشاينا بيبول ديلي”.

دلالات رئيسية

يستدعي الصدام الذي تخوضه منصة “تويتر” مع المستخدمين العاديين والمشاهير والمؤسسات الإعلامية الضخمة جملة من الدلالات يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:

1– المفاضلة بين أفضل الطرق لتعزيز الشفافية: تثير سياسات “ماسك” الجدل حول كيفية زيادة الشفافية، وهل يتحقق ذلك بتدقيق المحتوى ووضعه على رأس الأولويات؟ أم بتدقيق صانع المحتوى والإشارة إلى الجهة الممولة له أو التابع لها؟ وهل تعزز الإشارة إلى التمويل الحكومي الشفافية؟ أم هي مناورة تستهدف التشكيك في مصداقية المؤسسات والإعلامية؟ وهل من المقبول معاملة “إن بي آر” (التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، وتملك أكثر من ثمانية ملايين متابع) على قدم المساواة مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية والروسية؟ أم من الأفضل معاملة جميع وسائل الإعلام الوطنية والدولية بالآلية نفسها تطبيقاً للقواعد نفسها؟ وهل يحق للمغرد العادي أن يعلم ماهية الحساب الذي ينقل له المعلومات والأخبار؟ أم سيؤثر ذلك على الشبكات الإخبارية التي قد تتراجع مصداقيتها إن علم المغردون أنها تتبع حكومات بعينها؟ وهل الأفضل الإفصاح عن بيانات علنية تكشف بعض المعلومات عن أصحاب الحسابات؟ أم يكفي تقديم تقرير سنوي حول الحسابات وجهات تمويلها؟

2– الصراع بين جني الأرباح وإلغاء السياسات التمييزية: على الرغم من رغبة “ماسك” المتكررة في إسقاط “نظام المالكين والقرويين الحالي” القائم على التمييز بين من لديه العلامة الزرقاء ومن لا يملكها، فإن “تويتر بلو” تسبب في هيراركية جديدة قائمة على التمييز بين من يمكنه دفع الاشتراك الشهري ومن يرفض دفعه، لتحصل رسائل الحسابات الموثقة على الأولوية في الردود والإشارات والبحث مع القدرة على نشر مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية أطول، وتُعامَل التغريدات التي تنشرها الحسابات التي لم يدفع أصحابها مقابل التوثيق معاملة البريد غير المرغوب فيه في البريد الإلكتروني (spam). إذ يسعى “ماسك” إلى إيجاد طريقة لزيادة إيرادات المنصة التي فقدت أكثر من نصف قيمتها منذ الاستحواذ عليها بأكثر من 40 مليار دولار مع توقف عدد كبير من المعلنين الرئيسيين عن شراء مساحات إعلانية عبر المنصة.

3– المقارنة بين المستخدمين العاديين والمؤسسات الضخمة: إيماناً منه بحريةتداول المعلومات، أعطى “ماسك” الأولوية للمستخدم العادي الذي يشكل القاعدة الأكبر لدى المنصة، ليتراجع اهتمامه في المقابل بالمؤسسات الإعلامية والصحفية؛ إذ يراهن “ماسك” على إرضاء الجمهور من خلال تطبيق القاعدة نفسها على كل الحسابات المدعومة من جهات بعينها بغرض محاربة التوجيه السياسي ومجابهة الأخبار المضللة.

4– المفاضلة بين حماية حرية التعبير وحماية المستخدم نفسه: دفعت بعض التحليلات بأن “ماسك” على الرغم من اهتمامه بحرية التعبير التي آثر حمايتها، لم يهتم – في المقابل – بحماية المستخدمين من الكراهية التي ازدادت تحت قيادته، حتى إن الاشتراك في خدمة “بلو تويتر” يخول صاحبه الحصول على العلامة الزرقاء حتى لو كان الحساب يحمل اسماً مستعاراً. وما يدلل على ذلك تغريدته التي كتب فيها: “آسف أنني حولت تويتر من جنة آمنة إلى مكان للتصيد … التصيد فيه بعض المتعة”؛ وذلك رداً على تحقيق نشرته “بي بي سي” تحت عنوان “لا يمكننا أن نحمي المستعملين من التصيد تحت إدارة ماسك”. وقد دفع ذلك التحقيق بوجود موجات متتالية من رسائل الكراهية أغلبها في الولايات المتحدة وبريطانيا، وعودة أصحاب نظريات المؤامرة وخطاب الكراهية إلى “تويتر”.

ختاماً، دفعت بعض التحليلات بأن الهدف المحرك لسياسات “ماسك” يكمن في إثارة الجدل ليبقى داخل دائرة الضوء، وأشارت تحليلات أخرى إلى أن هدفه الحقيقي يكمن في استعادة الدور الحقيقي لمنصته المتمثل في التواصل الاجتماعي لا الإعلام الإخباري أو النشاط السياسي، ودفعت ثالثة بأن هدفه يكمن في تحقيق الشفافية وإعلاء قيم الديمقراطية وحرية التعبير. وعلى تعدد تلك الآراء، يظل الجدل والتخبط السمتين المميزتين لسياساته بعد أن أعادت المنصة علامة التحقق الزرقاء لبعض الحسابات التي يزيد عدد متابعيها عن مليون دون أن تدفع تلك الحسابات أي مبالغ مالية، فيما وصفته بعض التحليلات بالتوثيق القسري خوفاً من خسارة ملايين المتابعين، ليتغير تدريجياً الشكل التقليدي للمنصة على نحو يثير تساؤلات عن مستقبلها.

التعليقات (0)