د. حسن أبو طالب يكتب: البشرية من وباء إلى وباء... فما العمل؟

profile
  • clock 26 يوليو 2022, 12:30:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

لم يبرأ العالم بعد من متحورات فيروس «كوفيد 19». ما زالت الإصابات في ارتفاع في كثير من دول العالم. الإصابات لا تفرق بين جنسية وأخرى، كما لا تفرق بين مسؤول كبير مُحاط بأكبر عناية طبية، وإنسان عادي بلا إجراءات طبية خاصة. الرئيس بايدن ذو الـ79 عاماً أصيب بالفيروس من نوع سريع الانتشار، لكن إصابته ذات أعراض خفيفة لا تمنعه من ممارسة مهامه، وهو في العزل وفقاً للإفادة اليومية الصادرة عن البيت الأبيض، ويخضع للعلاج، ونتائجه جيدة.
وضع الرئيس بايدن مقارنة بالرئيس السابق ترمب، الذي أصيب بالفيروس، الذي يحلو لترمب أن يصفه بالفيروس الصيني، في فترة شهدت ذروة انتشار «كوفيد 19» في صورته الأصلية، وحالة القلق التي أحاطت بتلك الإصابة الرئاسية التي فرضت دخوله المستشفى وخضوعه لترتيبات خاصة للغاية، وما أشُيع عن خضوعه لنوع من العلاجات الخاصة ذات التأثير الجيني، وغير المتاحة للجمهور العادي، تبرز لنا حالة انتشار الفيروس ومتحوراته طوال العامين الماضيين، وكيف أنه كما يقول مختصون في علوم المناعة وآخرون في علوم الفيروسات أن متحورات «كوفيد 19» التي انتشرت ورصدت طوال الفترة الماضية تنبئ عن تحوله التدريجي إلى فيروس موسمي، لا يخص بلداً بذاته، وإنما بالبشرية بأسرها، وتجعله قريباً من فيروس الإنفلونزا الموسمية التي اعتاد عليها البشر، ويعرفون أعراضه، وكيف يمكن مواجهته بمزيج من الراحة وبعض الأدوية الشائعة.
بيد أن تحول متحورات فيروس «كوفيد 19» إلى نوع متوطن ودائم، سواء أكانت أعراضه محدودة أم شديدة، يظل كما في تقديرات أخرى مصدراً للخطر على الصحة العامة، ويتطلب إجراءات دائمة للحد من أضراره المحتملة، التي قد تتطور بصورة مفاجئة إلى مستويات أعلى. وهنا يلعب الوعي العام وتوفر العلاجات واللقاحات المُحدثة الدور الأكبر في عملية احتواء المرض وأضراره، كما أن التعاون بين الدول مع منظمة الصحة العالمية سيظل عاملاً مهماً في أي مواجهة متوقعة.
والأمر حتى اللحظة لم يحسم بشأن تحول متحورات «كوفيد 19» التي تأخذ أشكالاً مختلفة بين فترة وأخرى، وبين بلد وآخر، وهل بالفعل ثمة أمل في أن يكون فيروساً قابلاً للتعايش، وتتوفر له أدوية علاجية بأثمان معقولة، جنباً إلى جنب التطعيمات الموسمية سهلة المنال. وهنا تجد البشرية نفسها في مأزق جديد؛ حيث تواجه فيروساً آخر مُسبباً لمرض «جدري القرود»، مثيراً للقلق وينبئ عن حالة طوارئ صحية عالمياً، حسب قرار منظمة الصحة العالمية قبل يومين، وهو أعلى مستوى تأهب يشي بأن الوضع خطير، وقابل للتدهور والانتشار عبر الحدود، ويستدعي بدوره اتخاذ إجراءات وقائية واستعدادات لمواجهة لحظة انتشار أكثر اتساعاً في القريب العاجل، إن لم تتخذ الإجراءات الوقائية المناسبة والمنسقة دولياً، وتلك بدورها مرهونة بمدى تعاون كل الحكومات، ومدى توافر المعلومات أول فأول لمنظمة الصحة العالمية، ومدى التوصل إلى بروتوكول علاجي مضمون الفاعلية، للحد من آثار الانتشار عبر الدول.
الجمع بين مواجهة فيروسين قابلين للانتشار في لحظة زمنية واحدة، كل منهما له مستوى من الخطورة ومتطلبات خاصة للوقاية والعلاج، في ظل توتر دولي بسبب الحرب في أوكرانيا، يضغط بالفعل على الحكومات وعلى المرافق الصحية وعلى الحالة العامة، من اقتصاد وسياحة وسفر وصناعة وسلاسل إمداد. وبالقطع لا تحتاج البشرية أن تعيد تجربة الإغلاقات الشاملة وتوقف مظاهر الحياة وتراجع النشاط المجتمعي والإنساني على الصعيد العالمي كله، وما رافق ذلك من معاناة للأفراد والحكومات والمؤسسات والمنظمات الاقتصادية، وما زالت بعض آثارها تتطلب تضحيات خاصة لإغلاق تلك الخبرة الحزينة. بيد أن الإفلات من هذه التجربة الإنسانية الحزينة لن يكون بالتمني أو مجرد إبداء الرغبة، بل بالعمل والتخطيط، والأهم التعاون الصادق والالتزام بين الحكومات والمؤسسات الصحية وشركات الأدوية الكبرى ومعامل إنتاج اللقاحات.
حتى اللحظة يمكن القول إن التعاون الدولي في مجال الصحة العامة للبشرية كلها، يعتمد على سلوك الدولة منفرداً، ومدى استعدادها لتقديم المعلومات اللازمة والتعاون الصادق مع منظمة الصحة العالمية، وكما رأينا في السلوك الدولي لمواجهة فيروس «كوفيد 19»، ولا سيما الأشهر الستة الأولى من العام 2020، أن مستوى التعاون الدولي كان مشوشاً ومرتبكاً، وأعطيت الأولوية القصوى لمواجهة الوباء في داخل كل بلد من حيث توفير الأجهزة والأدوات اللازمة للحماية، خاصة العاملين في المجال الصحي العام، وتوزيع اللقاحات التي تم اكتشافها مبكراً في الداخل، والتشكيك في اللقاحات التي توصلت إليها دول أخرى، وامتناع دول عن استقبال لجان التحقق من مصدر الوباء. ونذكر جميعاً حالات استولت فيها دول على مخصصات وقاية، كانت في طريقها إلى دول أخرى، ما كشف قدراً هائلاً من الأنانية وانعدام المسؤولية.
هذه الخبرات الحزينة تضاءلت مع تطور القدرات الكلية للعالم في مواجهة الوباء، وانتشار حد أدنى من المناعة الذاتية للمجتمعات المختلفة، وتلك بدورها دروس يجب وضعها في الاعتبار حين تواجه البشرية فيروس «جدري القرود» الآخذ في الانتشار، وإن كان ببطء نسبياً، مقارنة بمعدلات انتشار «كوفيد» ومتحوراته المختلفة.
الخبر الجديد والمهم في مواجهة الأوبئة في عالمنا المتشابك يأتي من الهيئة الحكومية للتفاوض، التي شُكلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بقرار جماعي من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، لغرض التوصل إلى اتفاق دولي لمواجهة الأوبئة؛ حيث انتهت الهيئة الحكومية قبل يومين إلى قرار بأن يكون الاتفاق حال الانتهاء منه ملزماً قانونياً لكل الدول، بما في ذلك تقديم التمويل والمعلومات والتزام القرارات والتوجيهات التي تصدرها منظمة الصحة العالمية، وما توصى به من إجراءات عند حدوث وباء عالمي، فضلاً عن القبول التام بمبدأ التوزيع العادل للقاحات، والتعاون الكامل مع لجان وهياكل المراقبة والتحقيق في الأوبئة ومصادرها.
الخبر في حدّ ذاته جيد ومبشر، لكنه يتطلب ضمانات حقيقية هي في الأصل مرتبطة بنوايا واستعدادات الحكومات للتخلي عن جانب من سيادتها عند مكافحة وباء لا يعرف الحدود، ولا الجنسيات، ولا الفقراء أو الأغنياء. ووفقاً للإجراءات المنتظرة، فلن يرى أي اتفاق بشأن مواجهة الأوبئة النور إلا بعد عامين على الأقل، بافتراض أن المفاوضين حريصون على إتمام المهمة في أسرع وقت ممكن.
والمشهود أن الاتفاقيات الدولية الجماعية كافة التي يتم التوصل إليها تحت مظلة الأمم المتحدة، عادة ما تواجه عقبة السيادة من البعض، والتجاهل من البعض الآخر، والأنانية المفرطة من البعض الثالث، بسبب ما يعرف بغياب القوة القاهرة التي تفرض التزام الجميع ولديها سلطة العقاب للمخالفين. وفي هذه الحالة فمن المأمول أن يكون الاتفاق الدولي المنتظر أكثر إحكاماً لتحقيق التعاون الدولي المنشود بأعلى مستوى ممكن، مع تحديد التزامات واجبة على الأطراف المعنية بالصحة العامة للبشرية، سواء حكومات أو مؤسسات أو شركات أدوية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)