تشارلز لستر يكتب: ما هي خطوة بوتين المقبلة في أوكرانيا؟ لننظر إلى سوريا

profile
  • clock 30 أبريل 2022, 5:55:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية مقالًا لـ تشارلز لستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، حول احتمالات تطور الصراع في أوكرانيا في ضوء ما حدث من قبل في سوريا.

ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه بقدر ما كان الغزو الروسي لأوكرانيا صادمًا، لا يستطع أحد القول إنه جاء دون سابق إنذار. فقد كانت القوات تحتشد على طول الحدود منذ شهور. وقبل ذلك بوقت طويل، كانت روسيا ترسل إشارات – ليس فقط في شرق أوكرانيا، ولكن في جورجيا وشبه جزيرة القرم – وفي سوريا على وجه الخصوص، حيث قُوبِلت الأعمال الروسية بالإفلات من العقاب، بل وبلامبالاة.

واليوم، تحفَّز المجتمع العالمي لدعم أوكرانيا. وشلَّت موجة العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي. وأُرسِلت مليارات الدولارات من الأسلحة الغربية الحديثة لتعزيز دفاع أوكرانيا. ومع مقتل الآلاف وإصابة كثيرين، وتكبدهم خسائر مروِّعة في المعدات (بما في ذلك أكثر من 550 دبابة وأكثر من 1100 مركبة مدرعة وما لا يقل عن 110 طائرات)، هُزِمت الأهداف العسكرية الأولية لروسيا هزيمة شاملة. ولم تواجه روسيا مثل هذه المعارضة الحازمة منذ ذروة الحرب الباردة.

ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لهم الفضل في ذلك، لكن يجب أيضًا الاعتراف بأن الغزو تسبب في تشريد 11 مليون مدني، وقتل الآلاف، وترك أجزاء كبيرة من أوكرانيا أثرًا بعد عين. وعلى مدار سنوات، كان رد المجتمع الدولي على العدوان الروسي متواضعًا، في أحسن الأحوال. ومهَّد هذا التقاعس الطريقَ إلى الغزو الروسي لأوكرانيا.

إن الصراع لم ينتهِ بعد، وطموحات فلاديمير بوتين لم تتلاشَ أيضًا. وبينما ينظر الغرب في كيفية احتواء روسيا وكيفية مواجهة الهجوم القادم، نحتاج إلى فهم الإشارات التي أرسلتها روسيا بالفعل واستخلاص الدروس من معركتها المأساوية المميتة التي استمرت سبع سنوات في سوريا.

1 – هذه ليست الحرب كلها

يرى الكاتب أن الصراع في أوكرانيا على ما يبدو يدخل مرحلة جديدة. وفي حين فازت جبهة الولايات المتحدة الموحَّدة مع أوكرانيا بالجولة الأولى، إلا أن ما شهدناه حتى الآن، في نهاية المطاف، ليس سوى بداية لما يمكن أن يكون – أو هي في الواقع، بالفعل – حربًا طويلة الأمد قد يخرج الكرملين منها فائزًا. وتوضح تجربة سوريا مدى قدرة الكرملين على التكيف في مواجهة المِحَن.

لقد واجهت المرحلة الأولى من التدخل العسكري الروسي في سوريا عقباتٍ كبيرة تمامًا مثل غزو روسيا لأوكرانيا. وتحت قيادة الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، تدخَّلت روسيا في البداية في سوريا من الجو، وشرعت في حملة جوية وحشية ضد قوات المعارضة السورية التي كانت تهدد بقاء نظام بشار الأسد. ومع قصف طائراته المتواصل من السماء، كان الكرملين يأمل في أن تغير قوات النظام السوري الوضع على الأرض، لكن ذلك لم ينجح. وأثبتت القوات البرية التابعة للنظام السوري أنها غير قادرة على الاستفادة من الدعم الجوي الروسي الجديد. وفي النهاية، اتضح أن الصراع متعدد الجبهات في جميع أنحاء سوريا، واضطرت روسيا إلى التكيف.

إن دفورنيكوف، الذي يقود الآن القوات الروسية في أوكرانيا والمعروف لدى البعض بلقب جزار سوريا، جزءٌ من الحرس العسكري القديم، ولديه ميل إلى تكتيكات قاسية تتماشى مع العصور الوسطى أكثر وليس مع القرن الحادي والعشرين، بحسب الكاتب. غير أن دفورنيكوف، وبعيدًا عن ميوله إلى القصف العشوائي وحرب الحصار، أثبت أيضًا أنه مرن وقابل للتكيف.

وتمثَّل أحد سُبل التكيف في البحث عن قوات برية إضافية، بخلاف جيش النظام السوري المتهالك والفاسد وغير الكفؤ. ولم يمضِ وقت طويل على تدخُّلها، حتى بدأت روسيا في نشر وحدات صغيرة من قوات سبيتسناز التابعة للقوات الخاصة على الخطوط الأمامية.

وقد عملت هذه الوحدات مع حزب الله اللبناني، الذي اكتسب سمعة لكونه قوة هجومية فعَّالة في السنوات الأولى من الأزمة السورية. وعندما خرجت قوات سبيتسناز من سوريا، عادت بعض القوات إلى روسيا حاملة وشمًا من الرموز الشيعية باعتبار ذلك تذكيرًا بـ«إخوانهم بالدم» في حزب الله، بحسب ما علم الكاتب من ضابط سابق في المخابرات العسكرية الروسية آنذاك.

وبدأت روسيا أيضًا في إعادة هيكلة جيش النظام السوري من الألف إلى الياء، وأجبرت النظام على إجراء تعديلات على مستوى الوزراء والمديريات وإنشاء وحدات جديدة تمامًا. ونُشِر متعاقدون عسكريون روس تربطهم صلات وثيقة بالكرملين في سوريا، للقتال على خط المواجهة ولتدريب قوات النظام، التي بدأ بعضها في السفر بانتظام إلى روسيا لتلقي تدريب متخصص.

2 – روسيا تدرك أن الغرب يمكن أن يفقد التركيز

وفيما يتعلق بالصراع الفعلي في سوريا، أدركت موسكو أن الغرب كان مشتتًا بداعش، وأنه مرهق من الصراع بين النظام والمعارضة، ومقتنعًا بأن سوريا ستصبح قريبًا «مستنقعًا» روسيًّا.

وبينما استمرت طائرات روسيا في قصف المدنيين من السماء، بدأ الدبلوماسيون الروس في الوقوف وراء المصطلحات السائدة للأمم المتحدة من خلال تبني خطاب مؤطر حول «خفض التصعيد». وأدَّى تأييد روسيا المفاجئ والمستمر لـ «خفض التصعيد» إلى أن تصبح اللاعب الأكثر فاعلية وراء تقسيم المجتمع الدولي لأكثر مسارح الصراع في سوريا إلى «مناطق خفض التصعيد».

وفيما يخص المجتمع الدولي، كان احتمال الهدوء بعد سنوات من الفوضى الدموية، والضمانات المزعومة لتدفق المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تعاني من سنوات من الصراع، اقتراحًا جذابًا. ولذلك، لقي اقتراح روسيا ترحيبًا حارًّا. وفي الواقع، شاركت الولايات المتحدة مشاركة مباشرة في التفاوض على واحدة من مناطق خفض التصعيد الأربع في جنوب سوريا – حتى مع العلم أن القيام بذلك سيؤدي إلى إجبار شركاء الولايات المتحدة السوريين على تسليم الأراضي للنظام.

وكان مخطط منطقة خفض التصعيد مجرد حيلة لتحرير الوقت والمكان، للسماح للنظام السوري وشركائه الروس والإيرانيين باستعادة منطقة واحدة في كل مرة. وحوصرت ثلاث من المناطق الأربع لاحقًا، واستحالت إلى أنقاض واحتُلَّت عبر استسلام جماعي في عام 2018. وفي جنوب سوريا، حيث كانت واشنطن «ضامنًا» لاتفاقية خفض التصعيد، تخلت واشنطن عن شركائها على مدار سنوات وأخبرتهم ألَّا يقاتلوا ويقبلوا الاستسلام بدلًا من ذلك. ولا تزال منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب قائمة حتى اليوم، ويرجع ذلك فقط إلى الاستثمار العسكري التركي الكبير في الدفاع عنها من هجوم النظام.

إن نطاق الاهتمام المحدود وقلة الانتباه لدى المجتمع الدولي وميله لأي شيء يهدف إلى الحد من الصراع، جعل الولايات المتحدة ترحب أيضًا بوقف إطلاق النار الروسي الأحادي الجانب، و«وقف الأعمال العدائية»، و«النوافذ» و«الممرات» الإنسانية، وعمليات «المصالحة» المحلية والمبادرات الدبلوماسية مثل اللجنة الدستورية التي عقدتها الأمم المتحدة، والتي أثبتت جميعها أنها خِدَع مصممة ببساطة لكسب الوقت وللتقسيم والغزو.

ودخلت روسيا أيضًا في آلية «عدم التضارب» التابعة للأمم المتحدة والتي جرى فيها تزويد الحكومات المنخرطة انخراطًا مباشرًا في سوريا بالإحداثيات الدقيقة لعشرات المستشفيات في مناطق المعارضة، لضمان حمايتها من الأعمال العسكرية. واستخدم الجيش الروسي هذه الإحداثيات لقصف المستشفيات وعيادات الأطفال واحدة تلو الأخرى. وعندما أُجبرت الأمم المتحدة على فتح تحقيق في التفجيرات، استسلم الأمين العام أنطونيو جوتيريش مرارًا للضغط الروسي للتأخير، وفي النهاية، لم يُذكر تورط روسيا في التفجيرات في المؤتمر الصحافي.

3 – بوتين يعرف أن الغرب ينفر من المخاطرة

يلفت الكاتب إلى أنه على الرغم من كل هذا، لم تواجه روسيا أية عواقب. وبالإضافة إلى الإفلات من العقاب المفترض، يجب أن تتعلم الولايات اللتحدة أيضًا من درسين مرتبطين ببعضهما بعضًا: إن دفع روسيا للشعور بالخزي لا يمكن أن يؤدي إلى تقديمها أي تنازلات وأن الشعور بالإفلات من العقاب لا يؤدي إلا إلى تأجيج مزيد من العدوان.

وكشفت الجرائم في سوريا عن تواطؤ روسيا الجيوسياسي، منها استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في ما لا يقل عن 340 هجومًا كيميائيًّا منذ عام 2012. وعندما قُتل ما لا يقل عن 1400 مدني في الغوطة الشرقية، في هجوم بغاز أعصاب السارين على مرأى من قصر الرئاسة في أغسطس (آب) 2013، كانت روسيا هي التي أقنعت باراك أوباما بعدم القيام برد عقابي. وكان العرض بتسهيل إزالة مخزون النظام السوري من الأسلحة الكيماوية وتدميره بمثابة إلهاء حاذق – وابتلع أوباما الطعم.

وفي السنوات التي أعقبت ذلك، انخرط نظام الأسد في أكثر من 300 هجوم كيميائي، بما في ذلك استخدام غاز السارين. إن قول أوباما لاحقًا إنه «فخور جدًّا» بقراره عدم ضرب سوريا بعد هجوم 2013 في الغوطة الشرقية يؤكد مدى انعزال التفكير المتعلق بالماضي عن واقع ما حدث في سوريا. وتتعلم روسيا دروسها الخاصة من فصول مثل هذه، حيث يتفوق النفور الغربي من المخاطرة على أي تطبيق للمعايير الأساسية.

ماذا يعني هذا لأوكرانيا؟

يخلص الكاتب إلى أنه في نهاية المطاف، تدرك روسيا ضيق الاهتمام الغربي وقلة انتباهه ونفوره من المخاطرة. وبالنظر إلى النجاح النسبي لسياسة الولايات المتحدة في المساعدة لأوكرانيا حتى الآن، فإن التصور الواسع النطاق للثقة بالنفس والحديث الأخير عن «الفوز» قد يفسح المجال تدريجيًّا للإهمال وتقصير فترة اهتمام الغرب.

وفي النهاية، هذه حرب في الفناء الخلفي لروسيا، وليس في فناء الولايات المتحدة. إنها حرب بدأت قبل ثماني سنوات، وليس في فبراير (شباط) 2022. فهل سيكون صانعو السياسة في واشنطن في حالة تركيز على أوكرانيا في غضون ستة أشهر من الآن كما هم اليوم؟ إن هذا أمر غير مرجَّح، بحسب الكاتب.

وقد يتخذ تكيف روسيا في أوكرانيا عدة أشكال، وسيكون من الصعب التنبؤ بمعظمها. ومن المرجَّح أن يعود الكرملين إلى نشر مفارز أثقل من الجنود الروس وربما حتى المرتزقة الأجانب باعتبارها قواتٍ ثابتة. وسوف تسعى روسيا إلى تجميد الخطوط الأمامية غير المحورية وتركيز الموارد للأولويات. وقد تسعى موسكو أيضًا إلى تعجيل الصراع في أماكن غير متوقَّعة مثل منطقة ترانسنيستريا الانفصالية لتشتيت الانتباه.

وإذا كبدت أوكرانيا روسيا خسائر أكبر، فإننا نتوقع أن تبدأ موسكو في الحديث عن عمليات وقف إطلاق نار محلي – لكن سيجري انتهاكها، واستخدامها لإتاحة الوقت لإعادة التجمع وذريعة لإعادة التصعيد. وإذا نجحت روسيا في تعزيز سيطرتها المتواصلة الموسَّعة في دونباس، فإن قدرتها على الاستثمار في حملة هجومية على جبهة واحدة في كل مرة ستتعزز على نحو كبير.

وعلى الرغم من جاذبية أي دعوة مستقبلية لخفض التصعيد، يجب أن نكون حذِرين بشدة من النوايا الروسية وألا يكرر الغرب الأخطاء التي ارتُكِبت في سوريا. وبافتراض أن الصراع سيستمر، على الأقل لشهور إن لم يكن عند مستويات أدنى لسنوات، يجب أن يعلن الغرب عن أهدافه في أوكرانيا.

ومن خلال التركيز على حملة مجزَّأة، يُحتمل أن يتخللها «وقف إطلاق النار» والتوقف العملياتي، ستتحسَّن قدرة روسيا على إطالة الصراع – مما يضع ضغوطًا على الغرب للحفاظ على برنامج مساعدة مكلِّف للغاية لأوكرانيا. وفي غضون شهرين فقط، استنفدت الولايات المتحدة بالفعل مخزونها من صواريخ جافلين بنسبة 33 في المئة، وستنجر بنسبة 25 في المئة.

ومن دون زيادة فدرالية هائلة في الاستثمار في إنتاج الأسلحة، سوف يستغرق الأمر سنوات لتعويض ما جرى توفيره لأوكرانيا. وفي الواقع، لن تكون شرطة ريثون المصنِّعة لصواريخ ستنجر قادرة على صنع أي أنظمة جديدة حتى «2023 على الأقل» بسبب نقص الأجزاء والمواد، ويواجه إنتاج جافلين الجدول الزمني نفسه.

ويختتم الباحث مقاله بقوله: وعند الحديث عن منافسة القوى العظمى، يجب على واشنطن أن تعترف بأن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء في عصر الإفلات من العقاب الناتج عن سنوات من الاستبداد والاعتداء الإجرامي دون أي تحدٍ. وستتطلب إعادة رسم الخطوط الحمراء وتعزيز المعايير العالمية إجراءاتٍ حازمة وجريئة ومخاطرة واتساق طويل الأمد، واعتبارًا من اليوم، يتوقف كل شيء على أوكرانيا. وفيما يخص بوتين، الذي يبدو أن مكانته المحلية في وضع أفضل بكثير مما قد توحي به الحكمة السائدة في واشنطن أو لندن، يُعد الاستمرار في المضي قدمًا هو الخيار الوحيد أمامه.


 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)