إميل أمين يكتب: الأزمة الأوكرانية ومستقبل الإمبراطورية الأميركية

profile
إميل أمين كاتب مصري
  • clock 3 أبريل 2022, 6:40:39 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

ضمن الأسئلة الرئيسة لا العرضية، والتي طرحتها أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، تأتي علامة الاستفهام الخاصة بمستقبل الإمبراطورية الأمريكية، وما إذا كان نجاح هذا الغزو سيؤثر على الخطط الاستراتيجية الأمريكية للانتشار والتوسع حول العالم، أم أنه بصورة أو بأخرى سيقلص من مربعات نفوذ الولايات المتحدة حول العالم؟

الشاهد بادئ ذي بدء، أن هناك أزمات عدة تحلق فوق سماوات أمريكا اليوم، بدءا من أزمات النسيج المجتمعي المتفكك، ذاك الذي يكاد يعيش مرحلة من الصراع الأهلي والاحتراب العرقي، مرورا بأزمات خلفتها جائحة كوفيد-19 طوال عامين، وصولا إلى حالة من التضخم وارتفاع الأسعار غير معقولة ولا مقبولة من عموم الأمريكيين.

ولعل القارئ يمكن أن يلحظ كيف أن إدارة الرئيس جوزيف بايدن، تقف شبه مشلولة أمام قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا، لا سيما أنها ليست قادرة على الصمت والتماهي مع الفعل العسكري الروسي، ومن جهة ثانية غير راغبة في الدخول في صراع مسلح مع قوة نووية عظمى، ما يمكن أن يقود لاحقا إلى صراع نووي وحرب عالمية ثالثة.

تبدو أمريكا اليوم كنسر قوي لكنه مقيد بسلاسل داخلية وخارجية، وفي فترة تعرف عند المؤرخين بـ"زمن دفع أكلاف الامتداد الإمبراطوري"، أي المرحلة التاريخية التي يتوجب فيها على القوى العظمى تقديم التنازلات للبعض، أو الانسحاب من مناطق كانت لها فيها اليد العليا لعقود طوال، بهدف المحافظة على ما تبقى من قوة وهيمنة داخلية وخارجية.

يقارن البعض من المحللين السياسيين الثقات اليوم بين مشهد الولايات المتحدة إزاء الأزمة الأوكرانية وتبعاتها عليها من جهة، وبين ما حدث لسابقتها البريطانية في السويس عام 1956 من جهة ثانية، وهل سيكون الزحف الروسي على أوكرانيا، هو مقدمة نهاية القرن الأمريكي؟

المؤكد أن هناك قوى دولية كبرى ترصد وتتابع المشهد الأوكراني في صراعه مع روسيا عن قرب، وتستخلص العبر والدورس، كما ترسم السيناريوهات وتعد الخطط لمواجهات قائمة وقادمة، لا سيما إذا كانت صراعات تدور على أراض خارج أعضاء حلف الناتو.

من بين تلك القوى التي نحن في صددها تبدو الصين خصما قويا وعنيدا، قادرا بدوره على وضع فكرة المستقبل الإمبراطوري الأمريكي المتسيد عالميا بمطلقية المشهد، في محل التساؤل، بل الحيرة.

على سبيل المثال لا الحصر، لا نذيع سرا إن قلنا إن الصينيين يراقبون حدود القوة الأمريكية في التصرف إزاء روسيا، ويدركون تمام الإدراك أن أقصى، بل أقسى ما يمكن أن يقوم به العم سام هو فرض عقوبات اقتصادية على بكين، حال قررت اتخاذ قرار حاسم وحازم باسترجاع جزيرة تايوان بالقوة، وقد تابعوا التصريحات المتضاربة للرئيس بايدن عن موقف بلاده حال قررت الصين المضي في عمل عسكري ضد تايوان، ففي البدايات أشار إلى أن واشنطن مستعدة للدفاع عسكريا عن تايوان، ثم تراجع لاحقا عن تهديده، ربما تحت واقعية المشهد.

هنا تبدو المسألة الاقتصادية إحدى الخناجر المطعونة بها أمريكا في خاصرتها، ذلك أنه وإن كان الإمبراطور الفرنسي، نابليون بونابرت، هو صاحب التعبير الشهير :"الجيوش تمشي على بطونها"، فإنه من باب أولى اليوم القول أن الشعوب تمشي على بطونها كذلك.

الصين في كل الأحوال ليست في باب التأثر من أي عقوبات اقتصادية، بل على العكس، إذ إن من يفكر في عقابها ، سيضر بنفسه قبل الآخرين، فهي صاحبة أعلى تبادلات تجارية في العالم سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو مع دول الاتحاد الأوربي.

سيغيب إذن سلاح العقوبات الإقتصادية عما قريب، وستخلو اليد الأمريكية من بعض مقدراتها، والتي طالما استخدمتها لتركيع شعوب العالم، ولعل المرسوم الرئاسي الروسي الذي وقعه الرئيس بوتين قبل بضعة أيام، والخاص بدفع ثمن النفط والغاز الروسيين بالروبل الروسي، وليس الدولار أو اليورو الأمريكي، ما جعل سعر الروبل يتحسن أمام منافسيه، أمر يؤكد على أن هناك توجها عالميا للتحلل من هيمنة الأوراق الخضراء، وربما نكون على مقربة من نهاية زمن بريتون وودز، وبداية تأسيس عالم مغاير اقتصاديا وماليا، لا تلعب فيه الولايات المتحدة دور مالئة الدنيا وشاغلة الناس.

في مؤلفه القيم: "هل انتهى القرن الأمريكي؟" يوضح البروفيسور الأمريكي الأشهر جوزيف ناي بأن ثمة تحولين عظيمين للقوة يحدثان في هذا القرن، انتقال القوة بين الدول من الغرب إلى الشرق، وانتشار القوة من الحكومات إلى الفاعلين غير الحكوميين نتيجة لثورة المعلومات.

في أوائل الألفية الثانية، كان يقال إن العضو السادس في مجلس الأمن هو قناة "سي.إن.إن" الإخبارية الأمريكية، ترى كيف هو الحال اليوم في ظل صراع أدوات التواصل الاجتماعي غبر المسبوقة، وسباق شبكاتها، كما يتبدى من تأسيس الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لشبكته الجديدة "تروث سوشيال"، والتي يمكن أن تعجل بالفوضى في الداخل الأمريكي عما قريب، وقبل أشهر معدودات من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي.

اليوم لا تجد واشنطن أن في إمكانها متابعة ما أطلق عليه الرئيس بوش الأب ذات مرة في أوائل تسعينات القرن الماضي، النظام العالمي الجديد، والذي كان بمعنى أكثر دقة النظام الأمريكي المنفرد بمقدرات العالم.

أمريكا اليوم ليست أمام القوة النووية الصاروخية الروسية فقط، ولا هي بمجابهة أدوات الردع الإقتصادي الصيني من أسهم وسندات وفوائض تراكمية مالية فحسب.

قضايا العالم اليوم متنوعة ما بين الأوبئة الكفيلة بنهاية البشرية من فوق سطح الكرة الأرضية، هذا إذا لم تقم الثورة الإيكولوجية بهذا الدور مقدما، مرورا بالأزمات الإقتصادية الطاحنة الكفيلة بإعادة العالم عقودا إلى الورا ء والتي نشهد بعضها اليوم، عطفا على إشكاليات الصراعات الحدودية وانتقام الجغرافيا، وصولا إلى الإرهاب السيبراني.

ما تقدم يعني أنه لم تعد هناك دولة واحدة قادرة على القيام بدور شرطي العالم ودركه، وأن أمريكا لم تعد سيدة قيصر... هل صورة العالم القادم أكثر وضوحا؟

إلى قراءة قادمة بأمر الله.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)