أحدث الموضوعات
17 يناير 2025
أعلنت اللجنة الوطنية النيجيرية للانتخابات رسمياً، في 1 مارس الجاري، فوز “بولا أحمد تينوبو” في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 25 فبراير 2023 ليصبح الرئيس السادس عشر في تاريخ البلاد التي تبدأ مرحلة جديدة تحت سيطرة حزب المؤتمر التقدمي الحاكم. ومع أن البعض يرى أن هذه الانتخابات قد تميزت بأنها الأكثر تنافسيةً منذ تحول البلاد إلى الحكم الديمقراطي في عام 1999، وأنها أول انتخابات لا تُؤجَّل منذ عام 2011، وأنها انعقدت وفق قانون انتخابي جديد قد صدر في فبراير 2022، إلا أن المخاوف تتزايد من احتمال تصعيد المعارضة السياسية في البلاد، التي تبنت موقفاً سلبياً تجاه العملية الانتخابية، وهي التي استبقت إعلان نتائج الانتخابات بالدعوة لإلغائها بسبب مزاعم بتزويرها والتلاعب في نتائجها؛ الأمر الذي قد يترتب عليه زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد خلال الفترة المقبلة لتتفاقم التحديات التي تواجه الدولة النيجيرية.
دلالات كاشفة
تشير نتائج الانتخابات التي أعلنت عنها اللجنة الوطنية للانتخابات مؤخراً إلى عدد من الدلالات المهمة، تتمثل أبرزها في:
1– استمرار سيطرة الحزب الحاكم على السلطة: فقد تصدر مرشح الحزب بولا تينوبو النتائج على المستوى الوطني؛ حيث حصل على 8 ملايين و794 ألفاً و726 صوتاً بنسبة 36.6% تقريباً من إجمالي أصوات الناخبين بحسب الإحصاءات الرسمية، وحصد أيضاً أكثر من 25% من الأصوات في ثلثي ولايات البلاد على الأقل (24 ولاية من أصل 36 ولاية)، في حين حصل منافسه الرئيسي أتيكو أبو بكر مرشح حزب الشعب الديمقراطي المعارض على 6 ملايين و984 ألفاً و520 صوتاً بنسبة 29% تقريباً من إجمالي الأصوات، بينما حصد بيتر أوبي مرشح حزب العمال نحو 6 ملايين و101 ألف و553 صوتاً بنسبة 25% من إجمالي أصوات الناخبين، في حين حصل المرشح رابيو كوانكواسو من الحزب الوطني الديمقراطي على مليون و496 ألفاً و687 صوتاً.
وقد استحوذ الرئيس الجديد تينوبو على أعلى الأصوات في مناطق شمال غرب البلاد وشمال وسطها وجنوب غربها، بينما حصل “أتيكو أبو بكر” على أعلى الأصوات في منطقة شمال الشرق، في حين حصل “بيتر أوبي” على أعلى الأصوات في منطقتي جنوب البلاد وجنوب شرقها، كما حسم الحزب الحاكم سيطرته على مجلس الشيوخ النيجيري بحصوله على 49 مقعداً من أصل 89 مقعداً، وهو ما يضمن له الأغلبية في المجلس.
2– حسم الانتخابات من جولة واحدة: فقد استطاع المرشح الفائز بولا تينوبو الحصول على عدد الأصوات الذي يؤهله للفوز بالانتخابات دون الانتظار إلى جولة ثانية من الانتخابات، وهو ما يعكس قدرة الحزب الحاكم على حشد أكبر الكتل التصويتية في الانتخابات بفضل قدراته المالية واللوجستية والتنظيمية في مختلف أنحاء البلاد.
3– دور الأصوات المتأرجحة في حسم نتائج الانتخابات: يرى البعض أن تينوبو قد تمكن من حسم المنافسة لصالحه بفضل الأصوات المتأرجحة في الولايات التي تمثل منطقة نفوذ لحزب الشعب الديمقراطي، كما أن المرشح الخاسر بيتر أوبي قد تسبب فيما تُعرف بظاهرة تفتيت الأصوات بما أضر المرشح الآخر أتيكو أبو بكر؛ ما تسبب في خفض الأصوات المؤيدة له، خاصةً أن أوبي قد تمكن من الفوز في بعض مناطق نفوذ حزب الشعب الديمقراطي، لا سيما الولايات الشمالية الوسطى، وهو ما قلَّل فرص فوز أتيكو.
4– نتائج مغايرة لاستطلاعات الرأي حول الانتخابات: حيث شكلت نتائج الانتخابات الرئاسية صدمة بالنسبة إلى عدد من المتابعين والمحللين؛ لكونها جاءت مخالفة بدرجة كبيرة لاستنتاجات استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الشهور الأخيرة، والتي أشارت معظمها إلى تصدُّر المرشح بيتر أوبي لها، لكنه قد حصل على المرتبة الثالثة في النتائج الرسمية التي صدرت مؤخراً، وهو ما يمكن تفسيره بترجيح الأصوات المترددة قبيل عقد الانتخابات مرشح الحزب الحاكم.
5– إخفاق المعارضة السياسية في الانتخابات: لم يستطع حزب الشعب الديمقراطي (المعارض الرئيسي) تحقيق التفوق على الحزب الحاكم في الانتخابات العامة الأخيرة، واكتفى بالمرتبة الثانية في السباق الرئاسي. حتى إن البعض قد توقع تحقيق حزب العمال المفاجأة ومنافسة الحزبين الرئيسيين في الانتخابات، إلا أنه ابتعد عن المنافسة بشكل واسع عقب صدور النتائج، وهو ما يعكس وجود بعض المشكلات الهيكلية التي تواجه المعارضة السياسية في البلاد.
مؤشرات مقلقة
هناك عدد من المؤشرات التي تثير القلق حول احتمالية تطور الأوضاع على الساحة النيجيرية عقب إعلان نتائج الانتخابات إلى المزيد من العنف والاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد، خاصةً في ضوء رفض المعارضة العملية الانتخابية قبل وأثناء وبعد الانتخابات، ومطالبتها بإلغاء الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة. وتتمثل أبرز تلك المؤشرات في:
1– اتهامات المعارضة للحكومة بتزوير الانتخابات: ترى المعارضة أن نتائج الانتخابات لا تعكس رغبات النيجيريين، وأنه تم التلاعب بها من قِبل الحزب الحاكم ولجنة الانتخابات، خاصةً في ضوء الصعوبات اللوجستية والتكنولوجية التي تسببت في تأخر فتح بعض مراكز الاقتراع ببعض المناطق، وتأخر الإعلان عن نتائج الانتخابات، إضافة إلى اتهام رجال الأمن بالانحياز إلى الحزب الحاكم ومشاركتهم في تزوير الانتخابات بحسب ادعاءات المعارضة التي ترى أن الانتخابات قد شابتها عدة مخالفات أخرى، مثل شراء الأصوات وأعمال العنف والحرمان من التصويت والأعطال الفنية، وهو ما دفع البعض لاتهام اللجنة الوطنية للانتخابات بالتواطؤ مع الحزب الحاكم، وهو ما ترى المعارضة أنه قد أضر بنزاهة الانتخابات.
وفي سياق متصل، ادعت بعض الأحزاب المعارضة تباين النتائج التي أُعلن عنها رسميّاً من قبل لجنة الانتخابات مع النتائج التي أعلنها وكلاء الأحزاب المشاركة في الانتخابات، كما ادعى الرئيس الأسبق أولوسيجون أوباسانجو – وهو داعم للمرشح الخاسر بيتر أوبي – تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها، وهو ما اعتبرته الحكومة النيجيرية بمنزلة تهديد للاستقرار في الداخل، ودعوة واضحة للفوضى في البلاد.
2– الدعوة لعقد انتخابات جديدة: دعا حزبا الشعب الديمقراطي والعمال في 25 فبراير 2022، خلال مؤتمر صحفي مشترك وقبل الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، إلى إلغاء الانتخابات وتنظيم انتخابات جديدة؛ بسبب فقدانهما الثقة بنتائج الاستحقاقات الرئاسية، وطالب الحزبان الرئيس بخاري بعقد انتخابات حرة ونزيهة، بجانب المطالبة باستقالة رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات محمود يعقوبو.
وهو ما دفع الحزب الحاكم إلى رفع دعوى قضائية عاجلة ضد الحزبين؛ للحصول على أمر مؤقت بهدف منع أي خطوة تهدف إلى وقف أو تعليق نتائج الانتخابات والإعلان عن انتخابات جديدة، كما طالب كل من الرئيس بخاري والمرشح الفائز تينوبو واللجنة الانتخابية، أحزاب المعارضة إلى الطعن على نتائج الانتخابات أمام القضاء النيجيري للفصل فيها دون القيام بأي أعمال عنف في الشارع، كما دعا الرئيس بخاري جميع مرشحي الانتخابات إلى الالتزام بتعهد السلام الذي وقعوا عليه قبل أيام من انطلاق الانتخابات.
3– انتقادات المراقبين الدوليين للعملية الانتخابية: إذ أعلن مراقبو الاتحاد الأوروبي أن الانتخابات الأخيرة تفتقر إلى الشفافية، وأن سوء التخطيط والاتصالات من جانب اللجنة الوطنية للانتخابات قد قوض الثقة بالعملية الانتخابية. فيما انتقدت بعثة مراقبي الكومنولث برئاسة ثابو مبيكي اللجنة الانتخابية؛ لفشلها في رفع النتائج على موقعها الرسمي، وهو ما يعزز موقف المعارضة الرافض لنتائج الانتخابات والمؤيد لإجراء انتخابات جديدة، وإن كان الأمر يبدو صعباً.
4– اقتحام مقار اللجنة الانتخابية: أشارت بعض الصحف المحلية إلى اقتحام عدد من المتظاهرين المركز الدولي للمؤتمرات الذي يحتضن أحد مقار اللجنة الوطنية للانتخابات في العاصمة أبوجا، في 28 فبراير 2023، مطالبين بتعليق نتائج الانتخابات، ورفعوا عدة لافتات مثل “نيجيريا ليست للبيع.. يجب أن نكافح من أجل العدالة”، و”نقاتل من أجل نيجيريا جديدة”. هذا الاقتحام يدلل على اقتناع قطاع من الرأي العام بعدم نزاهة الانتخابات، وهو ما قد يؤدي إلى انزلاق الأوضاع نحو الفوضى خلال الفترة القادمة.
5– أعمال العنف التي شابت الانتخابات: برغم أن البعض يرى الانتخابات الأخيرة هي الأكثر سلميةً منذ عام 1999 في البلاد، خاصةً أنها لم تسجل خلال سير العملية الانتخابية عدداً كبيراً من الهجمات الجماعية أو قتل الناخبين، فإن فترة ما قبل الانتخابات قد شهدت عدداً من الهجمات الإرهابية على بعض مقار اللجنة الوطنية للانتخابات وبعض المسؤولين الحكوميين في عدد من الولايات؛ بهدف تعطيل سير العملية الانتخابية في البلاد، وتخويف الناخبين لمقاطعة الانتخابات. ولا تزال المخاوف قائمة من تداعيات الإعلان عن النتائج على قيام المعارضة بالدعوة للخروج في الشوارع، وما قد يترتب على ذلك من توترات أمنية وسياسية في مناطق عدة بالبلاد.
6– ترويج المعلومات المضللة عن نتائج الانتخابات: فقد تم تداول العديد من المعلومات المضللة حول نتائج الانتخابات خلال الفترة الأخيرة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت مصدراً رئيسياً لنشر هذه المعلومات، فضلاً عن تنامي الشائعات بأن لجنة الانتخابات قد قامت بتزوير الانتخابات لصالح الحزب الحاكم. فيما أشارت بعض مقاطع الفيديو إلى أن الموقع الرسمي للجنة قد تم اختراقه وتزوير نتائج الانتخابات، قبل أن ينفي مسؤولو اللجنة هذا الأمر، إلى جانب تداول مقاطع فيديو تحتوي على لقطات قديمة ومضللة تم تصويرها في انتخابات سابقة. الأمر الذي قد يسهم في التشكيك في النتائج الرسمية الصادرة عن اللجنة الوطنية للانتخابات، ويثير حالة من التشوش لدى الرأي العام الداخلي.
تداعيات محتملة
يحمل الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في نيجيريا وموقف المعارضة الرافض لها، عدداً من التداعيات المحتملة التي قد تؤثر على مستقبل الدولة النيجيرية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة؛ فقد تُصعِّد المعارضة موقفها وتدعو لخروج التظاهرات الشعبية إلى الشوارع؛ ما قد يستدعي السلطات النيجيرية إلى إخماد هذه التظاهرات بالقوة، بما يعني احتمال الصدام بين النظام الحاكم والمعارضة في الداخل النيجيري، وربما يتطور الأمر إلى اندلاع المزيد من الفوضى في الساحة السياسية النيجيرية، التي تنعكس آثارها السلبية على جميع مناحي الحياة في البلاد.
وقد تتجه المعارضة إلى القضاء النيجيري للطعن في نتائج الانتخابات دون تصعيد الأمور؛ تفادياً لاندلاع صراع سياسي في البلاد تكون تكلفته باهظة على الاقتصاد النيجيري الذي لا يزال يعاني من تداعيات استمرار الأزمات الدولية. وربما يعزز فوز الرئيس الجديد بولا أحمد تينوبو – وهو مسلم الديانة – وصعوده إلى السلطة، تزايد السخط لدى الطائفة المسيحية في البلاد؛ لاعتقادهم بأنهم الأحق في منصب الرئاسة هذه الدورة الانتخابية، وهو ما قد ينذر باندلاع صراع طائفي في البلاد ما لم يتم التوافق بين الطرفَين خلال الفترة المقبلة.
وإجمالاً، فإن الوضع في نيجيريا – مثلها مثل الانتخابات التي تدور في معظم الدول الأفريقية وتشهد العديد من التوترات والاضطرابات في أعقابها – سيظل مرهوناً بقدرة الأطراف السياسية على تجاوز مرحلة ما بعد الانتخابات والتوافق حول قبول نتائجها دون تصعيد الأمر تصعيداً قد يترتب عليه اندلاع الصراعات والنزاعات السياسية والإثنية التي ربما تزج بالبلاد في موجة من العنف والاضطرابات السياسية والأمنية؛ الأمر الذي يضاعف التحديات التي تواجهها في الأساس.