«واشنطن بوست»: هل هناك فرق بين الأسلحة الهجومية والدفاعية؟

profile
  • clock 4 مايو 2022, 3:34:26 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
google news تابعنا على جوجل نيوز

في أوكرانيا وخارجها، تُشكِّل المهارات والتصميمات والتكتيكات أهميةً أكثر من استخدام مزيج من الأسلحة الهجومية والدفاعية، وذلك حسب ما يخلُص إليه تحليل للكاتب ستيفن بيدل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

يبدأ أستاذ الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا تحليله للتفرقة بين الأسلحة الهجومية والدفاعية، بالإشارة إلى أن كثيرين في الغرب يدعمون مساعدة أوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الثالث؛ ومع ذلك، ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو في تجنُّب صراعٍ مباشرٍ مع روسيا قد يتصاعد؛ ربما إلى مواجهةٍ نووية.

تحوُّل ضروري.. أم غير مُبرَّر؟

وأوضح الكاتب أن هذه الأهداف المتنافِسة بين الحاجة لدعم أوكرانيا وخشية الانزلاق إلى مواجهةٍ نووية شجَّعت عديدًا من الدول الغربية على القول إنها تقدم أسلحةً «دفاعية» فقط لأوكرانيا، وفي المراحل الأولى من الحرب، كانت معظم عمليات نقل الأسلحة تتكون من أنظمةٍ قصيرة المدى نسبيًّا مضادة للدبابات والطائرات، وذخيرةٍ للأسلحة ذات العيار الصغير، ومعدات شخصية، ومعدات اتصالات، والتي يبدو أنها تتناسب مع الحدس الشائع لمثل هذه المساعدة «الدفاعية».

ولكن مع استمرار الحرب، ازدادت المساعدة العسكرية الغربية لتشمل مركبات مدرعة ومدفعية وصواريخ أرض-جو بعيدة المدى وطائرات مقاتلة ومروحيات، وانتقد بعض المعلِّقين هذه الزيادة بوصفها تحوُّلًا غير مبررٍ إلى أسلحة هجومية لا تتفق مع حالة أوكرانيا كونها في وضعية الدفاع، ومن المرجَّح أن تثير تصعيدًا نوويًّا كما هدَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويجادل آخرون بأن التحول إلى المساعدة في الأسلحة الهجومية أمر مناسب وضروري، ولا يبدو أيٌّ من الموقفين منطقيًّا، لأن التمييز بين الأسلحة «الهجومية» و«الدفاعية» ضبابي إلى حدٍّ يجعله عديم الفائدة فعليًّا.

الأسلحة الهجومية والدفاعية

وتطرق الكاتب إلى محاولة الباحثين التمييز بين الأسلحة «الهجومية» و«الدفاعية» لأكثر من قرنٍ، موضحًا أن عديدًا من الباحثين شعروا لأمدٍ طويلٍ أن مزيجًا من السمات من قبيل الحماية المدرعة والمدى والتنقل تجعل بعض الأسلحة مناسبةٍ على نحو فريد للعمليات الهجومية، أي لغزو أحد الجيران بدلًا من الدفاع عن الحدود، وعلى سبيل المثال، غالبًا ما توصف الدبابات بأنها هجومية بسبب قدرتها على الحركة والحماية المدرعة التي تملكها، وغالبًا ما توصف الصواريخ أو الطائرات ذات الضربات الاستباقية على أهداف العدو بأنها هجومية استنادًا إلى مداها.

وفي حقبةٍ سابقةٍ، غالبًا ما كان يُنظر إلى البوارج وحاملات الطائرات على أنها هجومية لأسباب مماثلة؛ حتى إن هذا التصنيف دُوِّن في معاهدات الأسلحة الدولية مثل معاهدة واشنطن البحرية لعام 1922 أو اتفاقية القوات التقليدية في أوروبا لعام 1990، والتي حدَّت من أنواع الأسلحة التي يُنظر إليها على أنها «هجومية» على نحوٍ فريدٍ أو مزعزعةٍ للاستقرار لصالح الأسلحة الأخرى التي يُنظر إليها على أنها دفاعية.

ونوَّه الكاتب إلى أن تقليدًا طويلًا في نظرية العلاقات الدولية حاول مَنْهَجة مثل هذه الفروقات واستخدامها لتفسير الاختلافات في حدوث الحرب وسباقات التسلُّح وتشكيل التحالف، بل وهيكلة النظام الدولي؛ ولكن هذه الجهود تكتنفها عدة مشكلاتٍ مفاهيمية خطيرة.

معظم الأسلحة للهجوم والدفاع

وحدَّد الكاتب المشكلة الأولى قائلًا: على المستوى التكتيكي والتي تُخاض فيه المعارك الفردية، يمكن استخدام أي سلاح تقريبًا إما للهجوم أو للدفاع؛ على سبيل المثال، يمكن استخدام الدبابات للهجوم، لكنها عادةً ما تكون أيضًا أكثر الأسلحة فعالية للدفاع ضد دبابات العدو، ذلك أن مدى إطلاق الدبابات وإمدادات الذخيرة يتجاوز مدى معظم الأسلحة المضادة للدبابات التي يحملها المشاة، وتسمح حمايتها المدرعة بالصمود أمام وابل المدفعية الذي قد يقتل الأطقم المكشوفة للأسلحة المضادة للدبابات مثل صواريخ جافلين أو الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات من الجيل التالي المسماة «إن إل إيه دبليو».

ويذكر الكاتب الغربي هنا مثال: الإسرائيليون الذين كانوا الأقل عددًا دافعوا -بحسب وصفه- عن مرتفعات الجولان (التي احتلتها إسرائيل عام 1967) ضد الدبابات السورية (التي حاولت تحرير المرتفعات) في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973  كانوا يستخدمون في الغالب الدبابات للدفاع؛ وليس المشاة، ويمكن للمشاة الدفاع، لكن صِغَر حجمهم وخفتهم الفائقة تُمكِّنهم من استغلال ميزات التضاريس الصغيرة للهجوم بطرق لا تستطيع الدبابات القيام بها، وكان مهاجمو طالبان الذين كادوا يقضون على القاعدة الأمريكية في كوب كيتنج في عام 2009 من المشاة من دون دبابات تدعمهم.

ويمكن للصواريخ أو الطائرات البعيدة المدى أن تضرب أراضي العدو، ولكنها يمكن أيضًا أن تساعد المدافعين عن طريق تدمير الإمدادات التي يحتاجها المهاجمون أو عن طريق تعطيل مستويات المتابعة اللازمة للحفاظ على زخم الهجوم، وساعدت هجمات الحلفاء على الشحن اللوجيستي لقوات دول المحور خلف الخطوط الألمانية في وقف هجوم روميل في شمال أفريقيا عام 1943.

كذلك يمكن للصواريخ المضادة للطائرات الدفاع عن بلدٍ ما ضد القوات الجوية للغزاة، ولكن يمكنها أيضًا حماية القوات البرية المهاجمة من القوات الجوية للمدافعين، واستخدم المصريون الذين هاجموا إسرائيل عام 1973 الدفاعات الجوية الأرضية لحماية قواتهم المهاجِمة في سيناء.

الحرب الحديثة تجمع بين أنواعٍ مختلفةٍط من الأسلحة

وينتقل الكاتب إلى الإشكالية الثانية موضحًا أن الجيوش نادرًا ما تستخدم سلاحًا وحيدًا أو منفردًا في المعارك الحديثة، وذلك لأن أساليب الأسلحة المشتركة باتت لها الغلبة منذ عام 1917، وتتطلب هذه الأساليب أن تُدمَج الأسلحة «الهجومية» ظاهريًّا مثل الدبابات مع الأسلحة «الدفاعية» ظاهريًّا مثل المشاة للنجاح ضد الخصوم المَهَرة.

ومن بين أكبر العيوب التي واجهت غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) عدم قدرة الروس على دعم الدبابات بالمشاة، وكانت أرتال الدبابات غير المدعومة عُرْضةً للمدافعين الأوكرانيين المختبئين الذين لا تستطيع أطقم الدبابات رؤيتهم أو مواجهتهم، واحتاجت الدبابات الروسية «الهجومية» في الظاهر إلى مشاةٍ «دفاعية» أفضل للهجوم بنجاح.

الدفاع عن النفس يتطلب كلًّا من الأسلحة الهجومية والدفاعية

وأضاف الكاتب أن أي عملٍ عسكريٍّ على المستوى الوطني يتضمن كلًّا من الهجوم والدفاع على المستوى التكتيكي، ويهاجم الغزاة عادةً في نقطةٍ مختارةٍ؛ لكنهم يدافعون في مكانٍ آخر، وعادةً ما يدافع المدافعون عند نقطة هجوم الغزاة، لكنهم غالبًا ما يشنِّون هجومًا مضادًا على أجنحة الغزاة، كما فعلت أوكرانيا في خاركيف وأماكن أخرى.

ويمكن للغزاة عند امتلاكهم المبادرة أن يكسبوا أرضًا في وقت مبكر من المعركة، وهو ما يستلزم من المدافعين القيام بهجومٍ مضادٍ إذا أرادوا استعادة ما فقدوه، ودافع الاتحاد السوفيتي ضد الغزو الألماني في عام 1941، لكن ذلك الدفاع استلزم هجماتٍ مضادةٍ ضخمةٍ من عام 1942 إلى عام 1945 لاستعادة الأراضي السوفيتية المفقودة في عام 1941.

طريقة استخدام الجيوش للأسلحة تؤثر في ما يمكنهم فعله

أخيرًا، وحسب ما يتابع الكاتب، تتشكل تأثيرات أي سلاح بقوةٍ من خلال مجموعة من المتغيرات غير المادية، وخاصةً مهارات مستخدميها وأساليبهم.

تغمر الاختلافات في التكتيكات والمهارات والدوافع الآثار العسكرية لمعظم التباينات في الأسلحة أو المعدات، وأحدثت تقنيات الدبابات والطائرات واللاسلكي الجديدة ذاتها، التي يعتقد بعض الناس أنها أثمرت انتصاراتٍ هجوميةً في عامي 1939 و1940 حالةً من الجمود في وقتٍ لاحقٍ من الحرب بعد أن تكيَّف المدافعون معها، وبحلول منتصف الحرب العالمية الثانية، استطاع المدافعون الذين تغيرت أساليبهم منذ عام 1940 ردَّ بعض أكبر هجمات الدبابات في التاريخ، في مدينة كورسك الروسية في عام 1943 أو عملية جودوود في عام 1944، على أعقابها، وتُعد المعدات مهمةً، لكن كيفية استخدامها أكثر أهمية.

ويختم الكاتب تحليله بالقول إن تغيير مزيج الأسلحة في أوكرانيا سيؤثر بطبيعة الحال في قدراتها الهجومية والدفاعية على حدٍّ سواءٍ، ولكن التأثير الخالص لإضافة الدبابات خلافًا للصواريخ المضادة للدبابات، أو الطائرات خلافًا للصواريخ المضادة للطائرات، أمرٌ مُعقَّدٌ ومن المرجَّح أن يتضاءل مقارنةً بالاختلافات في كيفية استخدام الأوكرانيين والروس لمثل هذه الأسلحة، مشدِّدًا على أن مهارات المستخدم وأساليبه دائمًا ما تكون أكثر أهمية مما إذا كانت أسلحتهم «هجومية» أو «دفاعية» في ظاهر الأمر.

التعليقات (0)